المعارضة لآل سعود واسباب الحصول على القاعدة الشعبية
التغيير
قرن من الزمن يمر علينا والدولة الثالثة لآل سعود قائمة على قواعدها الثلاث القمع والاغتيال والمال بدعم المؤسسة الدينية التي تسارع بإصدار فتاوى رهن الطلب للسلطة الحاكمة لا تمت للإسلام وقرارات الأمم المتحدة بصلة لا من قريب ولا من بعيد.. وهو أحد العوامل التي تجعل المعارضة التي تنشط بين الحين والآخر لا يكتب لها الحياة والنجاح بعد فترة من الزمن كما أن هناك عوامل اخرى لضمان استمرارية المعارضة ونجاحها ألا وهي القاعدة الشعبية التي سرعان ما تفقدها لأسباب متعددة سنتطرق لها خلال هذه السطور في مقالنا هذا عسى أن يكون ورقة تنفع المعارضة والشارع وتساعد على رأب الصدع القائم ولملمة الأوراق وتوحيد الصف وبلوغ المقصود.
المعارضة السياسية الوطنية تعد أحد أهم الأركان لتطور المجتمعات البشرية ومقياساً للتقدم والحضارة فيها، تلك المعارضة السياسية التي تحمل همّ المحافظة على أصالة المجتمع وثقافته وأخلاقياته وحقوقه المشروعة، والذي يعد من أهم ركائز المعارضة وفق أخصائي العلوم السياسية الانسانية ويعتبرونها أساساً لأخلاقيات المعارضة الوطنية وتأتي في مقدمة مناهجها في كل مجتمع.. حيث تقوم بعرض مشروعها وبكل صدق وأخلاص أمام المواطن مؤكدة التزامها بالثوابت الوطنية والدينية للمجتمع وانها لن تتوانى ذرة في الدفاع حتى عن أبسط حقوقه المسلوبة وفق دستور البلاد والأسس الدينية لذلك المجتمع الى جانب ما يمليه المنشور الإنساني للأمم المتحدة.
كل ذلك أذا كانت هناك حكومة ديمقراطية تؤمن بالتعددية ومنظمات المجتمع المدني.. لكن إذا كان النظام قائم على الأحادية الفردية القبلية، ويفتقد الى دستور يرجع اليه في ردع القمع والسلطوية والفرعنة والديكتاتورية كما هو الحال في دول شبه الجزيرة العربية بقيادة نظام آل سعود، فالأمر يختلف كثيراً هنا حيث لابد للمعارضة الوطنية أن تعمل جاهدة على تنوير الشارع وأفكار المجتمع وجلب رضاه واعتماده، الى جانب فضح إجراءات النظام الأحادي القبلي بسلب أبسط حقوق المجتمع في التعبير عن الرأي واعتقال كل ناشط ومفكر وإعلامي وعالم تنبس شفاه بالدفاع عن حقوق المواطنة والدعوة للحرية والعدالة والمساواة ونبذ الطائفية والتمييز القبلي والمناطقي وهو الذي نعاني منه كثيراً في بلادنا.
قيام المعارضة الوطنية في تنوير أفكار الشعب وتسليمه الحقائق الدامغة عن ممارسات النظام القمعي وتوضيحها الصادق لحقوقه الأساسية وكيفية العمل لصياغة البرامج والبدائل المناسبة التي يمكن من خلالها استرجاع هذه الحقوق المسلوبة ستكون بداية لاقناع الشارع المغلوب على أمره كي يتحرك نحو إسقاط نظام الهيمنة الأسرية نحو حكم شعبي يقوم على أسس الديمقراطية عبر مشاركته في انتخاب من يصلح لإدارة شئون البلاد والعباد.. وهذا ما تفتقده غالبية المعارضة لآل سعود منذ انطلاقها قبل عقود طويلة حتى يومنا هذا حيث لا مشروع مثل هذا تم تقديمه للمجتمع في المملكة كي يدرسه ويتمعن به بدقة متناهية ليكون خياره نحو اللحوق بصفوف المعارضة ووضع اليد باليد معاً لتحقيق الهدف المنشود وهي الحكومة الشعبية.
الشارع الواعي لا يمكنه أن يأتمن بعض المجموعات المعارضة فيما نراه يضع كل ثقته في اخرى.. فمثلاً لا يمكن الائتمان بالمعارضة الأسرية للسلطة الحاكمة لأنها تحمل ذات الفكر القمعي الديكتاتوري الحاكم والخلاف لا يكون من أجل مصلحة الشعب وإنما يأتي من أجل العرش والسلطة والثروة التي يتحكم قسم من الأسرة مبعداً الطرف الآخر منها كما هو الحال مع ما حدث خلال سنوات العهد السلماني حيث تم إبعاد ولي العهد مقرن بقوة السيف وهو في قصره والذي تزامن مع إبعاد أبناء أخية عبد الله وغيرهم، حتى جاء دور الانقلاب الثاني بسحب البساط من تحت أقدام ولي العهد الثاني محمد بن نايف بطريقة لا لبس فيها؛ ليستمر الأمر مع سائر أعضاء الأسرة الحاكمة لم يستثنى منها حتى أحمد بن عبد العزيز الذي كان يوصف بأنه معتدل، ليزج بالجميع في حجرهم بقصورهم ومن قبلهم من تم اعتقاله في فندق ريتز كارلتون بالرياض.
خروج معارضة من هذه المجموعة الأسرية المغضوب عليها لا تفيد المجتمع في المملكة ولذا لم نر ميولاً شعبية نحو هؤلاء إلا ما قل وندر ممن لهم مصالح مشتركة.. فيما أبناء البلاد يبحثون عن معارضة وطنية مخلصة تأخذ على عاتقها حقوقه المسلوبة طيلة القرن الماضي بتغيير جذري للسلطة ونوعية الحكم وكتابة دستور يتماشى والوضع الحاكم في سائر المجتمعات العالمية، رافضاً البقاء تحت سوط العائلة الحاكمة أو الرضوخ اليها وهو ما لم يجده حتى لدى مجموعة الـ65 مفكراً وداعية وعالماً خلال العقد الأخير من القرن الماضي اولئك الذين تمكن عبد الله آنذاك من الضحك على ذقونهم بمنحهم الأمن لهم فقط فيما بقيت سائر ما تم الاتفاق عليه (اصلاحات سياسية جذرية في 22 سبتمبر 1993م في قصر السلام بمدينة جدة بين فهد بن عبد العزيز والمعارضة بوساطة عبد العزيز التويجري وإشراف ولي العهد آنذاك عبد الله) حبراً على ورق حتى يومنا هذا.
شعب الجزيرة الأبي لا تنطلي عيله ألعاب الذباب الإلكتروني لآل سعود خاصة محمد بن سلمان بإيجاد جماعات معارضة بين الحين والآخر، خاصة من أولئك الذي كانوا قد أمضوا سنين طويلة وهم يدافعون عن السلطة الحاكمة وقراراتها الجائرة ضد الوعي الشعبي المطالب بحرية التعبير والعدالة والتغيير والمساواة، حيث كانوا آنذاك يطلقون على مثل هؤلاء الأحرار بأنهم "فوضويين خارجين عن إمرة ولي الأمر" ولكن ما أن اختلفت مصالح السلطة معهم بدأوا باعلان المعارضة ضدها حتى زج بالكثير منهم في السجون بمعية حشد كبير من الأحرار والنبلاء الصادقين في معارضتهم لسطوة آل سعود على بلاد الحرمين الشريفين ذهبت رقاب العشرات منهم بسيف الحرابة، فيما بقي القسم الأول معتقلاً ومنذ سنوات طويلة لا يسأل عنهم الشارع.
هكذا معارضة لافتقادها بإلتزاماتها المعنوية والسلوكيات الأخلاقية التي تتحلى بها المعارضة الوطنية الحقيقية، ورغم معارضتها للنظام القمعي والديكتاتوري وفق تصريحاتها لكنها لم تنمو عبر منظمات المجتمع المدني أي ليست لها امتداد كبير في الشارع ، كما هو الحال مع معارضة الخارج في أفعالها ليست ملموسة لأبناء الوطن حيث أنها مجبرة على ممارسة نشاطها من خارج البلاد خوفاً من الاعتقال والتعذيب وسيف الحرابة الذي طال أحرار بلادنا من شيبة وشباب بقي ذكراهم صادحاً في المجتمع لتضحيتهم بدمائهم الزكية من أجل كلمة حق عند سلطان جائر، تلك النفوس الطاهرة التي تمكنت من إقناع الشارع بضرورة المطالبة بحقوقه المسلوبة والنزول الى الشارع للاحتكام وهو ما حدث عام 2011 ومن بعده مقدمة أجسادها وأرواحها على طبق الأخلاص للمواطن دون خوف.
المعارضة الوطنية لابد لها أن تكون معارضة حقيقية صادقة مع نفسها قبل أن تكون صادقة مع شعبها، وأن تكون مخلصة ومعبرة عن الجماهير الطويلة والعريضة التي تدعي انها تنطلق منها، وتتحدث باسمها؛ من خلال العمل بين جنبي تلك القاعدة الشعبية، وتناضل من أجلها بكل الوسائل السلمية؛ ومن الجلي أن تولد مثل هذه المعارضة من بطن وأحضان المجتمع الذي تمثله ولا تصنع في الخارج رغم أن بعض المعارضة تعيش في الخارج لظروف قهرية أمليت عليها وهذا لا يعني انها مرتبطة بتلك البلدان التي تحتضنها كما تدعي الأنظمة الديكتاتورية والقمعية الحاكمة في بلداننا الخليجية.
وجود المعارضة في محيطها الحاضن يجعل الاعتماد عليها والانضمام لصفوفها أكثر قناعة ورغبة لدى الشارع الذي تمثله كي لا تفقد قاعدتها الشعبية.. وإذا ما أجبرت للبقاء في الخارج عليها أن تكون على اتصال مداوم مع شعبها لا أن تصدر بيانات كل عدة أشهر ثم ترقد الى السبات.. ومن هنا ندعو "التجمع الوطني" أو "كرامة" أو أي معارضة ترى نفسها وطنية أن تنزل الى الشارع كي لا يكون مصيرها مصير أخواتها السابقة وأولها "الحزب الوطني الحجازي" في عشرينيات القرن الماضي.
ارسال التعليق