النظام السعودي يواجه سوء الواقع الحقوقي بالكذب
بقلم: يارا بليبل...لا يقيم النظام السعودي وزنا لكل ما له صلة بحقوق الإنسان في السعودية، بل ولا يخجل من الكذب عن ادعاء احترامها والمزايدة على الأنظمة العربية من بوابة “التنظير” والنكد السياسي لتبرير مواقفه في دعم المجموعات الإرهابية في سوريا على سبيل المثال لا الحصر.
شكل العام 2022 منعطفا جديدا في المشهد الحقوقي الكلّي في “السعودية”، حيث سجلت أرقام قياسية لناحية تنفيذ عقوبة الإعدام، واستمرار التعسف في إصدار الأحكام، في تناقض مع الرواية الرسمية التي نطق بها ابن سلمان بنفسه في إحدى المقابلات التنلفزيونية، بالتوازي مع استخفاف بالتوصيات والانتقادات الدولية.
لم يكن ملعب السياسة إلا وجها من وجوه المصالح الاقتصادية بين الدول ومستوى التشبيك فيما بينها. وعليه لم يدفع محمد بن سلمان ثمن عملته الأسوأ، بالمنظار الأوروبي، والمتمثلة في قتل صحافي النظام جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول. وكذا فعلت الحرب الأوكرانية، دفعت رؤساء دول الغرب للحج إلى جدة والرياض طلبا لزيادة انتاج النفط في الأسواق في سبيل ردع الارتفاع بمستويات التضخم التي تسجلها الأسواق الأوروبية والأميركية.
في تقرير للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أكدت فيه أن مقارنة أرقام الأحكام المنفذة بين عامي 2021 و2022، تبين أن هناك زيادة بنسبة 119%، حيث بلغ عدد أرقام الإعدامات المنفذة في 2021، 67 حكما، بينما بلغت نسبة الزيادة في مقارنة بالعام 2020، 444% حيث كان عدد أرقام الإعدامات المنفذة بحسب هيئة حقوق الإنسان الرسمية، 27 حكما.
تأتي هذه الأرقام لتوضح أهمية انتفاضة الكرامة عام 2011، ولتدل بوضوح إلى أهمية المطالب التي أطلقت، وضرورتها.
وفي محاولة ترجمة هذه الأرقام على أرض الواقع من بوابة التحليل والتفسير، اعتبر المستشار القانوني في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، طه الحاجي، أنه مع مرور” 12 عاما من بداية الحراك، نجد الوضع الحقوقي في مرحلة كارثية تصاعدية، حيث استهلت الحكومة السعودية مواجهتها للاحتجاجات من خلال تبني سياسة القمع، والتي اشتدت تدريجيا حتى وصلنا إلى مرحلة لا يفرق بين طفل أو رجل دين أو إمرأة، فمورس القمع بصورة وحشية على الجميع”.
ورأى المحامي الحاجي أن النظام السعودي يبرر سياساته القمعية بحق أصحاب الرأي والمعارضة بشماعة “مكافحة الإرهاب وقوانين جرائم المعلوماتية والقضاء المسيّس الذي يأتمر بأمر السلطة، حتى وصلنا إلى مرحلة نجد الإعدامات الجماعية تتكرر لأول مرة في تاريخ السعودية بهذا الحجم. إذ بدأت في مطلع عام 2016، وشملت عملية الإعدام الجماعية حينها 47 شخصا بينهم الشيخ نمر النمر، ثم في العام 2019 وأخيرا في العام 2022 حيث تم إعدام 81 شخصا في يوم واحد”.
وأكد الناشط الحقوقي إلى أن “الوضع الحقوقي إزداد سوءا، حيث صدرت أحكاما غير مسبوقة وغير مألوفة في تاريخ القضاء السعودي المشهود له بانعدام عدالته، يبرز ذلك من خلال الأحكام التي وصلت إلى عشرات السنين، وبعضها بلغ عتبة الـ50 سنة ومثلها منع من السفر”، لافتا إلى أن المتهمين ليسوا سوى “أشخاص لم يرتكبوا جرائم غير مشروعة أو أعمال فيها خطر على البلد، بل مارسوا حقهم في التعبير عن رأيهم، وكتابة تغريدات. كما حصل في قضية سلمى الشهاب ونورة القحطاني”.
واستدل المستشار القانوني في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان في معرض تأكيده عن الواقع التصاعدي للقمع في “السعودية”، بـ”حالة الخوف غير المسبوقة والشك التي يعيشها المجتمع، إثر تعزيز فكرة ومنهج الوشاية، من خلال تغذية الحكومة للفكرة بأن تطلب من المجتمع أن يقوم بالتحريض والوشاية والتبليغ على أي شخص لديه توجه سياسي أو رأي معارض. كما استخدام الحكومة أساليب قذرة كالبحث في تاريخ أي شخص تريد استهدافه من بوابة استخراج كتاباته أو تغريداته القديمة له ليبدأ التحريض عليه واستهدافه”.
وأردف الحاجي بالقول “الشعور بعدم الأمان ارتفع في السعودية بسبب توجه النظام الجديد نحو تعميق الاستهدافات ضد ما يسميمهم “الإرهابيين” بمشاركة المواطنين، باعتبار أن المواطن هو الجندي الأول وغيرها من السرديات التي يتبناها النظام، والتي يعززها توفر التقنيات والبرامج الحديثة التي تمكن الحكومة من ربطها والأفراد للتبليغ والوشاية”.
وتابع المحامي طه الحاجي ” لقد رافق هذا الوضع، تبني النظام السعودي لمشاريع ادعى فيها أنها تهدف إلى التطوير والتنمية، إلا أنه في الحقيقة رافقت هذه الأعمال حملات قمع بوجه آخر، تمثلت في تهجير أهالي قرى ومدن بأكملها”. “كل هذه العوامل زادت من سوء الواقع الحقوقي، وإن كانت الحكومة السعودية تحاول مواجهة ذلك بالكذب واستغلال قواتها الإعلامية وشركات العلاقات العامة لكي تقنع العالم بخلاف ذلك، ومن خلال الغسيل الرياضي والثقافي عبر استضافتها لأكبر وأهم الأحداث العالمية، والنجوم والمشاهير، فكب ذلك كي تظهر للعالم عكس الواقع”. وأضاف الحاجي “مهما بلغ كذب النظام السعودي بالتوازي مع ارتفاع مستوى الصرف المادي، فإن الحقيقة لن تتغير بهذه الواجهة الهشة، والناس يرون ما يحدث على أرض الواقع. وبالرغم من التغيرات التي يسعى النظام على تثبيتها في العديد من الجوانب، لكنها لا تشمل الجانب الحقوقي والجانب السياسي، إلا بما يتوافق مع منهج النظام السعودي وما يريده محمد بن سلمان. الأخير الذي يفصّل الحقوق على المقاسات وعلى الكيفية التي يريدها ويستخدمها وقت ما يشاء ويبيحها ويمنعها وقت ما يشاء”.
ولفت المحامي إلى أن بن سلمان “ينسب كل الأفضال التي تذكر في الانجازات الحقوقية لنفسه. رأينا ذلك بموضوع المرأة حيث أنكر كل ما قدمته الناشطات السعوديات من تضحيات لعقود في مجال حقوق المرأة، ثم نسب كل التطور والإصلاح لنفسه. وعلى هذا مضى في جميع القطاعات والسلطات التي يمتلكها، واستفرد بالقوة والسلطة، وجمع القوى الأمنية والعسكرية والسلطة القضائية والتنفيذية، الأمر الذي يؤكد أننا أمام سلطة ديكتاتورية مستبدة سلطوية تحاول إظهار وإقناع العالم بخلاف ذلك.”
تصريحات محمد بن سلمان والوعود الرسمية:
في 3 مارس 2022، وفي مقابلة مع صحيفة ذا اتلانتيك، قال بن سلمان أن السعودية “تخلّصت” من عقوبة الإعدام ما عدا فئة واحدة مذكورة في القرآن حسب زعمه، وهي الحالات التي يقتل فيها أحد شخص آخر أو يهدد حياة أكثر من شخص.
واعتبر أن المشكلة الوحيدة التي تعمل “السعودية” على حلها، هي التأكد من عدم وجود عقوبة إلا بقانون، وأوضح أن هناك عددا من العقوبات التي ترجع للقاضي، ويقصد بذلك الأحكام التعزيرية، وأن هناك سعي لإيقاف هذه الأحكام خلال العامين أو الثلاثة المقبلة.
وبيّنت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان في تقريرها أن هذا التصريح أتى بعد سلسلة من الوعود خلال السنوات الماضية: “ففي أبريل 2018، قال بن سلمان في مقابلة مع صحيفة التايم أن هناك عمل على بناء قوانين جديدة لخفض الإعدام بشكل كبير.
وفي أغسطس 2018 أقرت السعودية قانون الأحداث الذي أوقف إصدار أحكام القتل التعزيرية بحق القاصرين.
وفي 24 مارس 2020 صدر أمر ملكي بإيقاف تنفيذ كافة أحكام الإعدام تعزيراً بحق القاصرين، وتقليص كافة أحكام الإعدام الصادرة بحق القاصرين إلى 10 سنوات.
في يناير 2021 قالت هيئة حقوق الإنسان الرسمية في بيان أن السعودية الوقف المؤقت لأحكام القتل بجرائم تتعلق بالمخدرات.” وأوضح التقرير أن “مسار الإعدامات وأعدادها ونوعيتها، وخاصة في 2022، نسف هذه الوعود وبين زيفها واستخدامها في محاولات السعودية تلميع صورتها”.
المجزرة الجماعية:
في 12 مارس 2022، نفذت “السعودية” أكبر مجزرة إعدام جماعية، طالت 81 شخصا، من بينهم 7 يمنيين وسوري واحد. وزارة الداخلية السعودية نشرت بيانا ساقت فيه اتهامات عمومية، وذكرت أنهم :”اعتنقوا الفكر الضال والمناهج والمعتقدات المنحرفة ذات الولاءات الخارجية والأطراف المعادية، وبايعوها على الفساد والضلال، فأقدموا بأفعال إرهابية، مثل استباحة الدماء وانتهاك الحرمات واستهداف دور العبادة والمقار الحكومية والأماكن الحيوية”.
وثقت المنظمة الأوروبية السعودية بعض القضايا ضمن الإعدام الجماعي، وبيّن التوثيق انطواء المحاكمات على انتهاكات شنيعة للعدالة، بين ذلك التعذيب وسوء المعاملة والحرمان من الحق في الدفاع عن النفس، كما أن 41 شخصا تقريبا من الذين تم إعدامهم واجهوا تهما تتعلق بالمشاركة في مظاهرات والتعبير عن الرأي.
وكانت الأمم المتحدة عبر آلياتها المختلفة، قد تواصلت مع “الحكومة السعودية” حول قضايا عدد من الذين تم إعدامهم بينهم الشهيدين أسعد شبر ومحمد الشاخوري، وأكدت انطواء محاكماتهم على عدد من الانتهاكات من بين ذلك التعذيب وعدم الحصول على الحق في الدفاع عن النفس بشكل كاف.
“المجزرة الجماعية هي الثالثة التي نفذت في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله، حيث كانت السعودية قد نفذت مجزرة في يناير 2016 طالت 47 شخصا، وفي يوليو 2017 أعدمت 4 أشخاص بشكل جماعي، وفي أبريل 2019 قتلت السعودية 37 شخصا بشكل جماعي”.
ارسال التعليق