النفط وكورونا يعصفان بـ"أرامكو".. خسائر تقابلها خطط للتعافي
التغيير
بين مطرقة التهاوي التاريخي لأسعار النفط وسندان التداعيات الكبيرة لجائحة "كورونا" تسير شركة النفط العملاقة "أرامكو" نحو مستقبل يبدو مرهوناً بإنهاء حرب النفط الدائرة بين آل سعود وروسيا، أكثر من أي شيء آخر.
وعلى وقع انهيار أسعار النفط وتفشي فيروس "كورونا" تراجعت أرباح شركة النفط الأكبر في العالم (أرامكو) بنسبة 25٪ خلال الربع الأول من العام الجاري؛ حيث حققت 62.5 مليار ريال (16.66 مليار دولار)، مقابل 83.3 مليار ريال (22.2 مليار دولار) عن نفس الفترة من العام الماضي.
وكان محللون يتوقعون ربحاً بقيمة 17.8 مليار دولار، وفقاً لمتوسط التقديرات من المجموعة المالية "هيرميس" المصرية و"الراجحي كابيتال" و"أرقام كابيتال" ومقرها دبي.
وتوقّع أمين الناصر، الرئيس التنفيذي للشركة، أن تؤثر جائحة كورونا على الطلب العالمي من الطاقة وأسعار النفط خلال الفترة المتبقية من العام.
وقال إن هذا الأمر سينعكس بدوره على إيرادات الشركة، مشيراً إلى أن "أرامكو" واثقة من تنامي الطلب مع تعافي الاقتصادات العالمية على المدى البعيد.
تراجع
كما أعلنت أرامكو عن تراجع أرباحها بنسبة 20.6% العام الماضي، لتصل إلى 88.2 مليار دولار، بسبب انخفاض أسعار الخام ومستويات الإنتاج.
وأوضح إفصاح لبورصة آل سعود، الثلاثاء (12 مايو الجاري)، أن انخفاض أرباح "أرامكو" يعود بشكل رئيسي إلى تراجع أسعار النفط الخام.
وفقد النفط نحو ثلثي قيمته خلال الربع الأول 2020، بعدما هبط من 65 دولاراً إلى نحو 20 دولاراً، في أسوأ أداء فصلي تاريخي، وجاء هذا التهاوي بسبب التداعيات التي فرضها انتشار فيروس "كورونا"، بالإضافة إلى حرب الإغراق التي خاضتها مملكة آل سعود في مواجهة روسيا خلال الشهر الماضي، والتي أدت إلى تراجع الطلب العالمي.
ويتعارض الواقع الراهن للشركة التي لم تعد أكبر الشركات العالمية المدرجة بالبورصة كما كانت وقت طرحها في ديسمبر 2019. لكن خبراء يؤكدون أن الشركة ما تزال رهاناً مضموناً رغم هذه الخسائر المؤقتة، شريطة حل الملابسات التي تهدد مستقبلها.
وأدرج آل سعود أسهم "أرامكو" في بورصة الرياض، في أكبر عملية طرح أسهم في العالم بلغت قيمته 25.6 مليار دولار، متجاوزة طرح شركة "علي بابا" الصينية الذي بلغ 25 مليار دولار.
وصعدت القيمة السوقية للشركة وقت طرحها إلى 1.88 تريليون دولار، لتصبح أكبر شركة مدرجة في بورصات العالم، متفوقة على شركة "أبل" التي كانت قيمتها آنذاك 1.2 تريليون دولار.
وفي أبريل 2016، أعلن محمد بن سلمان، خطة "رؤية 2030" لإحداث ثورة في الاقتصاد السعودي بإنهاء اعتماده على النفط، وهي رؤية تمثل "أرامكو" بشكل أو بآخر واحدة من ركائز توفير متطلباتها المالية.
خفض الإنتاج ينهي الخسائر
أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية الدكتور مصطفى شاهين، قال إن قيمة "أرامكو" وإيرادات حكومة آل سعود وانتعاش الاقتصاد السعودي إجمالاً مرهون باتفاق بين الرياض وموسكو على خفض الإنتاج اليومي للنفط بما يحسّن أسعار النفط.
وأوضح شاهين، عبر قناته الخاصة على موقع "يوتيوب"، أن الروس متمسكون بألا يتجاوز سعر البرميل 42 دولاراً حفاظاً على حصتهم السوقية، لكنه أكد أن أي اتفاق بين الرياض وموسكو كفيل بتعافي أسعار النفط، وهو ما سيترتب عليه ارتفاع أرباح وقيمة "أرامكو"، التي تنتج 10% من الإنتاج العالمي للنفط.
وفي السياق، قال شتيفان رول، الباحث في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن (SWP)، إن هناك عوامل قد تخدم آل سعود خلال الفترة المقبلة، من بينها أن توسيع حصتها في سوق النفط سيؤدي إلى دخل إضافي على المدى المتوسط والطويل.
لكن رول أشار، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية، إلى أن أموراً أخرى تتعلق بالتخطيط الجيد والخلافات الداخلية قد تعصف بالاقتصاد السعودي الذي ما يزال قوياً جداً قياساً بغيره.
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي وأستاذ العلوم الاقتصادية بالجامعة المصرية، عبد النبي عبد المطلب، أن أرامكو شركة عملاقة وتمثل عصب الاقتصاد السعودي وواجهته الرئيسية، مؤكداً أن ما حدث من تراجع في أرباحها يعد مقبولاً في ظل توقف حركة التجارة بسبب فيروس كورونا، وتراجع أسعار النفط.
ولفت، في حديث صحفي إلى أن أسعار النفط دائماً ما تسير في منحنيات متنوعة فتهبط بشكل كبير، لتعاود الصعود من جديد، ما يعني أننا لسنا بصدد موقف لم يحدث من قبل.
وتابع: "أعتقد أن أرامكو ستعود لسابق عهدها بمجرد انتهاء كورونا وعودة الحياة للاقتصاد العالمي"، مضيفاً: عودة المصانع للعمل أيضاً ستزيد الطلب على النفط، وهذا سينعكس بشكل واضح على دورة الاقتصاد السعودي، ومن ثم سينعكس إيجابياً على أرامكو.
وتتولى الشركة إدارة احتياطي نفطي يقدر بأكثر من 265 مليار برميل (15% من الاحتياطي العالمي)، واحتياطي من الغاز يبلغ 288 تريليون قدم مكعبة.
وأعلنت مملكة آل سعود، الثلاثاء 12 مايو الجاري، أن "أرامكو" ستخفض إنتاجها اليومي من النفط الخام طوعاً بواقع مليون برميل خلال شهر يونيو المقبل، وقالت إن الخفض الجديد يضاف إلى التخفيض الذي التزمت به المملكة في اتفاقية "أوبك+" الأخيرة، في 12 أبريل 2020.
ودفع انخفاض أسعار النفط بنحو الثلثين (من 65 دولاراً إلى 20 دولار تقريباً) إلى تراجع القيمة السوقية لـ"أرامكو"، وتشير التوقعات إلى أن الوضع سيستمر على هذا النحو 6 أشهر على الأقل.
صفقة "سابك" أبرز الأضرار
ورغم هذه التراجعات الكبيرة قالت أرامكو، الثلاثاء، إن استحواذها المزمع على حصة 70% في "سابك" لصناعة البتروكيمياويات مقابل نحو 70 مليار دولار، يمضي قدماً نحو الاكتمال في الربع الثاني.
لكن وكالة "رويترز" نقلت عن مصادر لم تسمها، هذا الأسبوع، أن من المرجح إعادة هيكلة الصفقة مع هبوط أسعار النفط.
وفي أبريل الماضي، نقلت "رويترز" عن مصادر مصرفية أن "أرامكو" دخلت في محادثات أولية مع بنوك لاقتراض نحو 10 مليارات دولار للمساعدة في تمويل استحواذها على حصة في (سابك).
ووافقت أرامكو، العام الماضي، على شراء الحصة المسيطرة في "سابك" من صندوق الثروة السيادية للمملكة مقابل 69.1 مليار دولار، في واحدة من أكبر صفقات الاستحواذ على الإطلاق في صناعة البتروكيماويات العالمية.
ومن المتوقع أن يبيع آل سعود سندات دولية جديدة قريباً لأن اتفاق خفض إنتاج النفط سيضع مزيداً من الضغوط على إيراداتها المتضررة من الهبوط الحاد في أسعار الخام.
ارسال التعليق