الواقع المعيشي في السعودية متردي: الحكومة تتجاهل الأزمات
مع نسبة فقرٍ تقارب الـ14% (على أقل تقدير، كون الترجيحات غير الرسمية تشر إلى أن نسبة الفقر تعدّت الـ25%)، تكون السعودية هي أكثر الدول فقراً بين دول الخليج. معلومةٌ صادمةٌ إذا ما نظرنا إلى ثروات البلاد ومصادر الإيرادات الكثيرة، لكنّها ليست مُستغرَبةً إذا ما أمعنّا النظر في سياسات الحكومة المالية والاقتصادية والاستثمارية.
منذ عدة سنوات، استفحلت أزمة التضخم الاقتصادي وغلاء الأسعار على اختلاف المواد، ولم تطلق الحكومة أية خطة واقعية لإنقاذ المواطن من تداعيات هذه الأزمة، بل على العكس ترافق ارتفاع أسعار المواد والخدمات مع رفع قيمة الضرائب وعدم الوفاء بوعود تخفيضها إلى قيمتها السابقة.
لقد أثّر ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكلٍ كبيرٍ على أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض، لا سيّما مع بقاء الرواتب على حالها على الرغم من التأثير الكبير للتضخم الاقتصادي على حياة المواطنين وقدرتهم الشرائية ووضعهم المعيشي. جديرٌ بالذكر أن المواطنين عانوا حتى قبل التضخم الاقتصادي من ضعف القدرة الشرائية لرواتبهم.
إرتفاع الأسعار مؤخراً طال كل شيءٍ تقريباً، فتأثرت أسعار المحروقات وخدمات الاتصالات وإيجارات المنازل والشقق، ما زاد الأعباء على كاهل المواطن. حتى تسعيرات الغرامات والمخالفات (المخالفات المرورية على سبيل المثال) سجّلت أرقاماً غير منطقية، تتعارض مع قدرة المواطن ووضعه المعيشي.
إنّ الإيرادات الضخمة التي تحصل عليها البلاد من تصدير النفط، بالإضافة إلى عائدات موسم الحاج التي تتخطى الـ 10 مليار دولار، وكون السعودية تملك احتياط عملات أجنبية ضخم ولديها واحدة من أكبر الميزانيات في المنطقة، يطرح علامات استفهامٍ كثيرة على أسباب ارتفاع نسبة الفقر بهذا الشكل، ففي الوقت الذي تُصرَفُ فيه المليارات على الاستثمارات في الرياضة والفن والترفيه، يطالُ الفقر واحداً من كل سبعة مواطنين في السعودية، بحسب تقريرٍ للـ”الإسكوا”.
وقد زادت أزمة البطالة من حجم المشكلة، في وقتٍ يعاني فيه آلاف المواطنين من عدم وجود فرصة عملٍ مناسبة، ما انعكس سلباً على وضعهم المعيشي وقدرتهم الشرائية.
وتؤثر البطالة بشكلٍ مباشرٍ على خرّيجي الجامعات الذين يجهدون دون جدوى للعثور على وظيفةٍ أو عملٍ مناسب بعد سنواتٍ من الدراسة، وتظهر هنا مشكلة سوء توجيه الشباب، وهي من المهام المطلوبة من الحكومة، تجنّباً لحصول طفرة في أعداد خرّيجي اختصاصٍ معيّن دون حاجة سوق العمل لهذه الأعداد.
وتُعدّ منافسة اليد الأجنبية مشكلةً مساهمةً في تفاقم أزمة البطالة، لا سيّما مع عدم تنظيم سوق العمل بشكلٍ يضمن مصلحة المواطنين وحقهم في العمل في بلدهم، وهذا أحد أدوار الحكومة التي لا يمكن تجاهلها أو إهمالها، لتأثيرها الكارثي على مصلحة المواطنين والخرّيجين ومستقبلهم.
إنّ الحكومة السعودية حتى اليوم تُنكِر وجود أزمة بطالةٍ حقيقية، وتُصرّ على إصدار معدلاتٍ غير واقعية، في وقتٍ بلغت فيه تأثيرات البطالة حداً خطيراً، حيث ورّطت البطالة أعداداً من الشبّان في تعاطي المخدرات والممنوعات، كما أثّر كون الشباب بلا عملٍ مناسب على إقبالهم على الزواج وتأسيس أسرة. وقد دفعت أزمة الخرّيجين العاطلين عن العمل عدداً من الشباب إلى العزوف عن فكرة ارتياد الجامعات، خوفاً من ضياع سنوات عمرهم بلا جدوى.
هذه التداعيات تُحتّم على الحكومة السعودية المسارعة إلى وضع خططٍ واقعية وعاجلة لمعالجة أزمة البطالة، بدلاً من إنكارها وتزوير الحقائق المتعلّقة بها.
أزمة البطالة ليست وحدها بحاجةٍ لحلٍّ عاجل وحقيقي، فأزمة سوء البنية التحتية تتفاقم منذ عقدين تقريباً، إذ خصّصت الحكومة بين عامَي 2003 و2022 مبلغ 1 تريليون ريال (250 مليار دولار تقريباً) لإصلاح البنى التحتية وتحسين الخدمات البلدية، وفي العام 2022 وحده خصّصت الحكومة 106 ملايين دولار لتطوير أنظمة الصرف الصحي، وعلى الرغم من هذا ما زالت البنى التحتية تعاني من مشاكل كبيرة، ولم يظهر أي تحسّنٍ عليها.
وقد حصلت في شتاء العام السابق فيضاناتٌ هائلة في مدينتي جدة ومكة المكرمة أدّت إلى خسارات في الأرواح بالإضافة إلى تعليق الدراسة وإغلاق عددٍ من الطرق، مخلّفةً دماراً مروّعاً وأضراراً جسيمةً في الأملاك، وسبب هذه الفيضانات هو سوء أوضاع البنية التحتية وفشل نظام الصرف الصحي.
إنّ تفاقم هذه المشكلة على مدى سنواتٍ طويلة يدلّ على أمرين اثنين، أولهما إهمال الحكومة وتجاهلها للتأثيرات الكارثية لهذه المشكلة، وثانيهما الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، إذ من المشروع أن يسأل المواطن أين صُرِفَت المليارات المخصّصة لإصلاح البنية التحتية في وقتٍ تتفاقم فيه المشكلة ولا تُعالَج.
ارسال التعليق