ما وراء الحج العربي للعاصمة السورية دمشق !
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكي…
شهدت العاصمة السورية دمشق في الآونة الأخيرة (في الفترة بين 20/١٢/2024 إلى 24/12).. تقاطر وفود عربية من الأردن والسعودية وقطر و.و.. وحتى من الولايات المتحدة، حيث التقى القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع في دمشق وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الذي يعد أول وزير خارجية عربي يزور دمشق منذ سقوط النظام السابق، وصل الصفدي ضيفاً على أحمد الشرع بعد اجتماع العقبة الذي ضم عدداً من وزراء خارجية دول عربية بينهم وزير خارجية مصر، تركزت نقاشات هذا الاجتماع حول تطورات الأوضاع في سوريا طبقاً لما ذكرته وسائل الإعلام الأردنية، ثم إن زيارة الصفدي جاءت في الوقت الذي بحث فيه الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مع نظيره المصري بدر عبد العاطي في اتصال هاتفي مستجدات الأوضاع على الساحة السورية حيث أكد عبد العاطي أهمية دعم الدولة السورية في هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ سوريا الشقيقة وضرورة احترام سيادتها وسلامة أراضيها، وتمكين مؤسساتها الوطنية من الاضطلاع بدورها وتبني عملية سياسية شاملة بقيادة سورية يشارك فيها جميع مكونات الشعب السوري لاستعادة الاستقرار في أراضي سوريا كافة، وجاءت تصريحات وزير الخارجية الأردني في هذا الاتجاه أيضاً بالإضافة إلى تذكيره بعد لقاءه الشرع في دمشق "إن البيان الختامي لاجتماعات العقبة قبل عشرة أيام كان واضحاً بأن الهدف من الاجتماعات هو تنسيق موقف عربي مع المجتمع الدولي من أجل دعم سوريا في بناء المستقبل الذي يكون آمنا مشرقاً لكل السوريين" بحسب قوله.. من جهتها السعودية بعثت وفداً برئاسة مستشار الديوان الملكي السعودي في 22/12/2024 ، إلى دمشق والتقى الوفد السعودي زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، وكان هذا الأخير قد عبر عن إعجابه برؤية بن سلمان، حيث قال حينها "إن السعودية وضعت خططاً جريئة جداً، وتتمتع برؤية تنموية تتطلع إليها الآن في دمشق من جهتها السعودية أكدت وقوفها إلى جانب الشعب السوري الشقيق وشددت على دعمها لكل ما من شأنه تحقيق أمن سوريا الشقيقة واستقرارها بما يصون سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها، بحسب وكالة الأنباء السعودية..
كما وصل إلى دمشق وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي على رأس وفد دبلوماسي لإجراء مباحثات مع المسؤولين السوريين الجدد، وعبر الزائر القطري والجولاني عن ودية اللقاء وتعهد قطر بما أسماه الوفد القطري حماية سوريا والحفاظ على وحدة وسلامة وسيادة أراضيها !!
وفي ذات السياق أجرى وزير الخارجية الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان اتصالاً هاتفياً بنظيره السوري الجديد أسعد الشيباني، ناقشا خلاله سبل تعزيز العلاقات الأخوية "بين البلدين مع تشديد وزير الخارجية الإماراتي على أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة وسيادة سوريا.. !! وكل ذلك وغيره يشير بوضوح إلى أن هناك حملة دبلوماسية عربية تجاه دمشق حملة مكثفة تمحورت حول الالتفاف ودعم النظام السوري الجديد بقيادة الجولاني..
هذا أولاً: وثانياً: إن هذه الحملة الدبلوماسية تزامنت أو جاءت بعيد زيارة الوفد الأمريكي برئاسة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، وفي هذه الزيارة بعد لقائها بالجولاني، الذي كانت الإدارة الأمريكية قد رصدت جائزة نقدية لمن يدلي عليه بمعلومات حول مكانه وإقامته وتحركاته لاعتقاله أو قتله.. نقول بعد لقاء ليف بالجولاني قالت "إن واشنطن لن تستمر في تقديم المكافأة ضمن برنامج (المكافآت من أجل العدالة) الذي كان مخصصاً لاستهداف الشرع منذ سنوات.. ووصفت المسؤولة الأمريكية المحادثات واللقاء بالجولاني بأنها جيدة !! تناولت قضايا إقليمية والمشهد السوري، وأضافت ليف أن "زعيم الهيئة ركز في حديثه على سبل التعافي الاقتصادي في سوريا" ووصفت تصريحاته الأخيرة بأنها تعكس نهجا براغماتياً، ما يعكس ذلك الرضا الأمريكي، بل أكثر من ذلك أن مجي الوفد الدبلوماسي الأمريكي لدمشق هو عملية احتضان لهؤلاء "الفاتحين" الجدد ودعمهم بما يشير ذلك بوضوح إلى أن أمريكا هي التي أمرت الدول العربية الحليفة التي أرسلت وفودها أو التي أعلنت عن دعمها للجولاني وشلته الإرهابية، من أجل دعم هذا النظام الجديد وحمايته من التدخلات الخارجية ومن الانقسامات الداخلية التي قد تهدد بفقدان البوصلة وبالتالي ضياع فرصة تحييد سوريا وإخراجها من محور المقاومة والعداء للكيان الصهيوني !
ثالثاً: إن هذه الحملة الدبلوماسية العربية نحو دمشق، سواء كانت بأوامر أمريكية أو غير ذلك ، تكشف بوضوح أن هناك توجه عند هذه الأنظمة العربية الخليجية منها بشكل خاص لاحتضان دمشق ودعمها بالأموال لضمان سيرورة الأمور في سوريا بالشكل الذي تريد هذه الأنظمة، سيما وأن هذه الأنظمة العربية وخاصة، قطر والسعودية لديهما نفوذ تاريخي على هيئة تحرير الشام والنصرة وبقية بعض التشكيلات السورية المسلحة، باعتراف حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية السابق القطري، ولأكثر من مرة، حيث قال نحن والسعودية جمعنا وشكلنا هذه الجماعات التكفيرية في سوريا ومنها النصرة (أي القاعدة) وهيئة تحرير الشام "بقيادة الجولاني ومولناها بالمليارات من الدولارات من أجل إسقاط نظام الأسد، مؤكداً - أي بن جاسم - إنهم قاموا بكل ذلك بأوامر وإملاءات أمريكية وهم نفذوا تلك الأوامر، ولذلك فإن كل من قطر والسعودية سوف يستحضرون ذلك الدعم المالي وحتى الفكري (الوهابي) بعدما استولى هؤلاء التكفيريون على الحكم !! في العلاقة الحالية !
ورابعاً: يبدو أن هذا الاحتضان العربي لدمشق والذي قلنا أنه جاء بناءاً على أوامر أو نصائح أمريكية، جاء بدوافع ومخاوف وقلق الأميركان والأنظمة العربية الخليجية، منها النظام السعودي بشكل خاص، مما سوف تؤول إليه الأمور في سوريا، فكل تصريحات الوفود والمسؤولين العرب الذين زاروا دمشق تعكس هذا القلق والخوف من المستقبل في سوريا لأنها كلها - أي تلك التصريحات - تمحورت حول التأكيد على سلامة أراضي سوريا وعلى الاستقرار السياسي فيها وعلى وحدة سوريا. وتكمن هذه المخاوف بالنسبة للأنظمة العربية في تحديين خطيرين وبالنسبة للنظام السعودي تكمن تلك المخاوف في ثلاثة تحديات خطيرة، هي ما يلي:
1. الخوف من أن تتحول سوريا في ظل الفوضى السائدة بين الفصائل المسلحة والمتعددة الانتماءات الآيديولوجية والولاءات الخارجية إلى كانتونات متحاربة، على غرار النموذج الليبي، الأمر الذي يؤدي إلى انتقال هذا النموذج إلى الدول المجاورة، ومنها السعودية والعراق ومصر ودول الخليج العربية الأخرى، سيما وأن ثمة مشروع أمريكي صهيوني يتحرك في المنطقة ويشكل مرتكز أساسي لإعادة صياغة الشرق الأوسط إلى حالة جديدة أو ما اسماها نتياهو رئيس الوزراء الصهيوني "بالشرق الأوسط الجديد" ويقضي بتقسيم دول المنطقة بحسب ما صرح به أكثر من مسؤول صهيوني إلى كانتونات وكيانات مذهبية ودينية وأثنية وحتى مناطقية متحاربة متقاتلة يتسيد فيها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية أيضاً..
2. تخوف السعودية ودول عربية أخرى من احتمال أن يكون النموذج السوري إذا استتب له الأمر، منافسا للنظام السعودي، لأن هيئة تحرير الشام "هي أقرب للحالة السعودية الوهابية، وأن يؤمن أفرادها بالأفكار التكفيرية على غرار الوهابية.. وما يعزز هذه المخاوف عند السعوديين هو أن أمريكا والغرب باتوا في العقود الأخيرة أميل إلى النموذج الإسلامي للإخوان المسلمين، لأنه على غرار النظام التركي يؤدي كل الوظائف للغرب والتي يؤديها النموذج السعودي، خصوصاً فيما يخص مواجهة الإسلام الثوري بقيادة محور المقاومة.. صحيح أن الغرب استفاد من النموذج الوهابي في تشويه الإسلام وفي خدمة المشروع الصهيوني في تصويب بوصلة الصراع في الكيان الصهيوني إلى شرائح الأمة، أي بدلا من محاربة العدو، توجيه طائفة السنة نحو مواجهة طائفة الشيعة "الروافض والكفرة"!! وهكذا.. لكن يبقى النموذج الوهابي نموذجا مكروهاً وخطيراً من قبل وجهة النظر الغربية وحتى الأمريكية ولذلك فالنظام السعودي يتخوف من أن يستبدله الغرب وأمريكا بالنموذج السوري إن استتب ونجح كتجربة على غرار التجربة التركية!
3. الأهم من ذلك كله فيما يخص المخاوف العربية هو الهيمنة التركية على الوضع في سوريا، خصوصا وأن الرئيس الأمريكي ترامب قال صراحة أن تركيا هي الطرف الوحيد صاحب الكلمة واليد العليا في سوريا، والمشكلة بالنسبة للدول العربية ليس النموذج الإسلامي التركي وتكراره في سوريا كما أشرنا قبل قليل وإنما هو الأطماع التركية في المنطقة العربية، فاحتلال سوريا من قبل تركيا عبر هيئة تحرير الشام وباقي الفصائل المسلحة ذات الولاء التركي، أحيا الأطماع التركية التاريخية، فأردوغان نفسه ومسؤولون اتراك آخرون أشاروا صراحة إلى أن حلب وكوباني والقامشلي وحتى دمشق كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وتأكيدا لهذه الأطماع سارع وزير الخارجية التركي إلى زيارة دمشق ولقاءه أحمد الشرع وشرب الشاي معه على جبل قاسيون في دمشق بعيد الحملة الدبلوماسية العربية في رسالة واضحة أن تركيا لا تسمح باختراق الوضع الحالي والسماح للدول العربية بمصادرة الدور التركي! فتركيا لا تريد التفريط بهذا الانجاز الذي اعتبرته تاريخياً، بينما الدول العربية تتخوف من انتقال الأطماع التركية في استرجاع الإمبراطورية العثمانية وأملاكها على حساب الدول المجاورة وخصوصاً المملكة السعودية، ما يعني أن الأيام والأشهر القادمة ستنبئ عن صراع محتدم بين تركيا والدول العربية على الخلفيات التي أشرنا إليها! انطلاقاً من الساحة السورية، وسيكون الشعب السوري هو الضحية الأولى للأسف !!
ارسال التعليق