الوهابية تغرق في مستنقع التوحش وخاشقجي نموذجا
بقلم: فوزي بن يونس بن حديد
الكل متفق على أن داعش ارتكبت أبشع الجرائم في حق الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، حيث أقدمت على ذبح وحرق وغرق أعدائها كما تراهم هي، وأعداؤها كل من لا يدين بدينها ولا يرضى بحكمها، تمارس القسوة والشدة والعنف والقتل والذبح والحرق، وتستخدم أسلوب الترهيب لتخويف الجميع وخاصة المدنيين الذين وقعوا ضحية الوحش الداعشي، وكلنا يتذكر حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وقطع رؤوس المصريين في ليبيا وسبي نساء الأزيديين واغتصابهن واتخاذهن زوجات وجواري بالقوة، وكلنا يتذكر العمليات الوحشية القاتلة الداعشية عندما يفجر أحدهم نفسه في مجمع مدني لا علاقة له بالقتال، فيموت النساء والرجال والولدان بغير ذنب اكتسبوه.
فعندما رأينا هذه الوحشية نسينا ما يسمى القاعدة، ذلك التنظيم الذي ظهر بداية هذا القرن من خلال عملية نوعية في الولايات المتحدة الأمريكية لم يحسب أحد لها حسابا، ظهر أسامة بن لادن الرجل المطلوب عالميا، لأنه المدبر الأول لهذه العملية، تفجير برجين بنيويورك طالما تفتخر أمريكا بإنشائهما، هذا التنظيم اتخذ من أفغانستان قاعدة له وبدا ينشر أفكاره الجهادية بناء على عقيدة أن الآخر مشرك وكافر ومغتصب للثروات ينبغي مواجهته بالقوة وقتله وإرهابه، لكن الفرق بينه وبين داعش، أن الأخير لا يفرق بين مسلم وكافر ومشرك، هو يذبح الجميع وينتقم من الجميع ويدمر كل شيء يقع على يديه، دمّر سوريا والعراق وأنشأ ما يسمى الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية، خلفوا الأزارقة والصفرية والنجدات وهي فرق خوارج نشأت في عهد الدولة الأموية وانقرضت لأنها اتبعت أسلوب المواجهة المباشرة مع الدولة القائمة آنذاك، وهاهي داعش تقع في المطب نفسه مثل التتار أيضا الذين عاثوا في الأرض فسادا واتخذوا الدين ستارا لتمرير جرائمهم البشعة.
وبعد أن تيقن الجميع أن داعش فرقة إرهابية من الطراز الرفيع، لها أساليبها الوحشية والمقرفة، لا تبالي بحقوق الإنسان وتتاجر باسم الدين وتخرق جميع المواثيق الدولية وتهرب من العدالة، تلقى العالم الإسلامي صدمة كبيرة وهو يتابع أحداث اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي على أيدي النظام السعودي، وبأوامر من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي حسب الواشنطن بوست، جريمة وثقها التاريخ كونها من أعظم جرائم القرن الحادي والعشرين التي هزت العرش السعودي وجعلت العالم في صدمة وبهتة ودهشة، كيف تتم هذه الجريمة بهذه الطريقة الوحشية، خنق وقتل مع سبق إصرار وترصد، وتخطيط محكم، ثم قطع رأس الجثة، وقطع أوصالها، ثم تذويب للجثة بمادة سريعة الذوبان.
ما هذا الجرم؟ إنها جريمة بشعة لا يمكن أن تكون بطريقة عرضية، إنها عملية متقنة ومخططة ومدبرة، إنها جريمة ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، إنها جريمة حرب في دولة أجنبية، تم استدراج الضحية إلى مكان معلوم، وقتلها والتمثيل بها، ومن قام بالجريمة؟ قام بها مسلم يحكم السعودية أو قام بها أمير استعجل الملكية فعوقب بحرمانه منها إلى الأبد كما يبدو، ومن استعجل الأمر قبل أوانه عوقب بحرمانه، إنها جريمة العصر أو بالأحرى جريمة القرن، ونحن ما زلنا نخطو الخطوات الأولى للقرن الحادي والعشرين.
لكن السعودية بدأت تعترف رويدا رويدا بما قالته تركيا، واعترفت أخيرا بتقطيع جثة خاشقجي في القنصلية السعودية، واتهمت أطرافا سعودية وادّعت أنها ستعاقبهم، بينما هي من خطّط ودبّر وأمر بالقتل والتقطيع، يا لها من حكاية في التاريخ ليس هناك أبشع منها، ولا أفظع منها، إنه أسلوب داعشي بل أمرّ، بل هو الفكر الوهابي المنحط الذي حكم السعودية قرونا من الزمن وما زال يترك بصماته الموجعة في شعبه وخاصته وكل من يعارضه في الداخل والخارج ولا يتوانى عن ارتكاب جريمته مهما كلفه الأمر، لكن من يحاسبه في الدنيا؟ هل الملك قادر على الافتداء بابنه؟ هل سيصدح بالحق ويأمر بالقصاص؟ أم سيكتفي بعزله من منصبه للأبد ويحرمه بالتالي من الملكية التي كان يحلم بها يوما لأنه استعجلها؟ أم سيتركه في منصبه ويقزّم دوره في الحياة السياسية؟ السيناريوهات كلها محتملة، والأقرب طبعا المخفف منها لأن الملك لا يقوى على السيناريو الأول.
ارسال التعليق