بعد 3 سنوات على اندلاعها.. لماذا فشلت جهود حل الأزمة الخليجية؟
التغيير
في ظروف صحية غير مسبوقة تعصف بدول الخليج والعالم، واضطرابات اقتصادية، دخلت الأزمة الخليجية عامها الرابع على التوالي، مع إخفاق الوساطات والجهود الدبلوماسية في حلحلتها وإعادة الوحدة لدول مجلس التعاون.
وبدأت الأزمة الخليجية في 5 يونيو 2017، حين قطعت كل من مملكة آل سعود والإمارات والبحرين علاقاتها مع قطر وفرضت عليها حظراً برياً وجوياً وبحرياً؛ بدعوى دعم الدوحة "الإرهاب" وهو ما تنفيه الأخيرة، مع عدم تقديم الدول المقاطعة أي قرائن تثبت صحة اتهاماتها.
وساطة كويتية
وعلى مدار السنوات الثلاث لم تتوقف الجهود الخليجية والدولية الساعية إلى تخفيف حدة الخلافات بين دول الخليج، وإنهاء الأزمة، كان أبرزها تلك الوساطات التي قادتها الكويت عبر أميرها، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
ووضع أمير الكويت إنهاء الأزمة الخليجية على سُلم أولوياته، حيث زار عواصم دول الأزمة أكثر من مرة، والتقى زعماءها؛ أملاً في إنهاء الخلاف الذي عصف بالبيت الخليجي.
وكانت آخر التصريحات الكويتية حول رغبتها في إنهاء الأزمة الخليجية، الأربعاء (6 يونيو)، على لسان رئيس الوزراء الكويتي، الشيخ صباح الخالد الصباح، والتي أكد فيها أن أمير البلاد مهتم بالاستمرار في السعي لرأب الصدع وإيجاد أرضية للبناء عليها؛ لإعادة اللُّحمة الخليجية.
أظهرت التصريحات الكويتية أملاً جديداً في تحقيق المصالحة الخليجية، وذلك من خلال قول الصباح في تصريحه الأخير: إنه "لا تزال المحاولات والآمال أكبر مما كانت عليه في إنهاء الأزمة الخليجية، (..) وكنا نتقدم خطوة ونعود خطوتين، لكن الآن إذا تقدمنا خطوة تليها خطوة أخرى".
كذلك، سبق أن نقلت صحيفة "القبس" الكويتية عن مصادر لم تسمها، في نهاية مايو الماضي، أن التحركات الكويتية لحل الأزمة الخليجية مستمرة ولن تتوقف.
وعادت يوم الخميس (4 يونيو 2020)، لتنقل عن مصادر خليجية (لم تسمها)، أن الكويت تعمل حالياً على "تبريد" الأزمة، ووقف الحملات الإعلامية "الصارخة" التي خرجت إلى العلن في الأسابيع والأيام الأخيرة.
وبينت أن "التحرّك الكويتي مدعوم أمريكياً وبشكل كامل"، مضيفة: "أمريكا ترغب في حل، ولو بشكل جزئي، لمسألة إغلاق الأجواء أمام الطيران القطري، الذي بات يستخدمه الجيش الأمريكي الموجود بالمنطقة بشكل مكثّف، في ظل توقّف حركة الطيران العالمية، بفعل تفشّي فيروس كورونا".
الوساطة الأبرز
الكاتب والناشط السياسي الكويتي، ناصر الكندري، يؤكد أن الكويت والولايات المتحدة الأمريكية من أبرز الدول التي ما زالت تعمل على قدم وساق لرأب الصدع الخليجي.
وتأخذ الكويت من خلال سياستها الخارجية، وفق حديث الكندري لوسائل إعلامية دور الوسيط في حل المشاكل والنزاعات بين كثير من الدول، أما سياسة أمريكا الخارجية فتتسم كعادتها بإمساك جميع خيوط النزاع وفق مصالحها، والتدخل في الوقت المطلوب.
وتعود أسباب عدم نجاح الوساطة الكويتية في حل الخلاف الخليجي، وفق الكندري، إلى "تعنت دول الحصار، المبنيّ على سياسة بعض المسؤولين فيها".
ويكمل بالقول: "بعض المسؤولين يريدون تسيير بعض المسؤولين في دول الخليج حسب مسطرتهم ولا يؤمنون بأن الاختلاف لا يعني خلافاً، وأن لكل دولة الحق في رسم مستقبل مصالحها العليا، لا سيما وفق المتغيرات الجيوساسية الخطيرة في الشرق الأوسط".
وتضرر الجميع من استمرار الأزمة الخليجية كما يؤكد السياسي الكويتي، لذلك "دول مجلس التعاون بحاجة إلى مواكبة التكنولوجيا التجارية والاقتصادية، بالتعاون والتكاتف لمواجهة المستقبل".
مساعٍ مستمرة
وإلى جانب الكويت، قادت سلطنة عُمان وساطة لإنهاء الأزمة الخليجية، كان آخرها استقبال سلطان عمان هيثم بن طارق، في (21 مايو الماضي)، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وذلك بعد ساعات من تلقي أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، اتصالاً من سلطان عمان. كما سبق اللقاء والاتصال أيضاً رسالة شفوية تسلمها أمير قطر، الاثنين 18 مايو، من سلطان عُمان.
وبحسب وكالة الأنباء القطرية (قنا)، فقد تناولت الرسالة "العلاقات الأخوية الوطيدة بين البلدين، وسبل تعزيزها وتطويرها، وأبرز القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".
هذه الرسالة التي حملها وزير الشؤون الخارجية للسلطنة، يوسف بن علوي، سبقتها رسالة مماثلة من سلطان عُمان إلى أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
وخلال تسليمه الرسالتين اجتمع بن علوي، الذي يعتبر واحداً من "أركان الدبلوماسية الخليجية"، بنظيريه الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، والقطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
وقبل الرسالة العُمانية تلقى أمير دولة قطر، في (10 مايو الماضي)، رسالة شفوية من نظيره الكويتي أبلغه إياها وزير خارجية الكويت، الذي زار الدوحة ليوم واحد اجتمع خلاله أيضاً بنظيره القطري.
ودولياً، حث الرئيس الأمريكي، وليَّ عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، خلال اتصال هاتفي في (23 أبريل الماضي)، على اتخاذ خطوات لحل الأزمة.
وخلال المكالمة شجّع ترامب ولي عهد أبو ظبي على اتخاذ خطوات لإنهاء "الصدع الخليجي" عبر حل هذه الأزمة، وعزا الرئيس الأمريكي طلبه إنهاء الأزمة إلى رغبته في العمل المشترك للقضاء على فيروس كورونا وتقليل أثره الاقتصادي، والتركيز على القضايا الإقليمية الحاسمة.
أما آخر ما صدر من تصريحات؛ فكانت أمريكية، بحسب ما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال"، التي ذكرت أن إدارة ترامب تضغط على الإمارات ومملكة آل سعود لتسمحا للخطوط الجوية القطرية بعبور أجوائهما، مشيرة إلى أن "إدارة ترامب تتخذ مساراً جديداً في محاولتها حل الخلاف المستمر منذ ثلاث سنوات بين قطر وجيرانها في الخليج".
تعنت ونرجسية
الدكتور ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قطر ونائب رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصحافة، يؤكد أن الأزمة الخليجية في بداياتها شهدت وساطات ألمانية، وأمريكية، ومحاولات فرنسية.
وتُعد الوساطة الكويتية الأهم لحل الأزمة وذات الدور الأبرز، وفق حديث الأنصاري، حيث ارتبطت بالدور الأمريكي ونالت دعمه، ولا تزال هي الوساطة الرسمية.
أما السبب الأساسي لفشل جميع الوساطات، فهو كما يؤكد الأنصاري، "تعنت دول الحصار تجاه أي حل للأزمة، مع وجود مواقف متفاوتة لهذه الدولة".
وفي لحظات معينة، يقول الأنصاري: "كانت مملكة آل سعود الأقرب لتقديم تنازلات لصالح الحوار، على رغم أنها لم تقدم تنازلات حقيقية، ولكن حدث اتصال بين سمو أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومحمد بن سلمان، في بداية الأزمة، ثم قبل أشهر قليلة كانت اجتماعات على مستوى وزارتي خارجية قطر والمملكة كان أحدها بالرياض، ولكن لم يكتب لها النجاح".
كذلك، كانت هناك جهود على مستوى عقد مؤتمر ما بين الأطراف في الولايات المتحدة، حسب الأنصاري، ولكن فشل ذلك، وقال البيت الأبيض في حينها: إن "السبب الأساسي للفشل كان الموقف الإماراتي".
ومع استمرار الأزمة الخليجية، يؤكد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قطر، أن انعزال الدول الثلاث زاد بشكل عام عن الساحة الدولية، حيث لم تعد هناك زيارات لمحمد بن سلمان، ومحمد بن زايد لواشنطن.
وتعود أسباب تعنُّت دول الحصار الثلاث، كما يبين الأنصاري، إلى أن "قادتها في بداية الأزمة تسلقوا الشجرة عالياً، ورفعوا سقف التوقعات لدى شعوبهم ودول المنطقة بشكل لا يجعل من السهل عليهم تقديم تنازل وسحب المطالب التي قُدمت والعودة للحوار".
والسبب الثاني، يكمل الأنصاري، أن "تلك الدول تعيش أزمة نرجسية شخصية لدى قيادتها ويتضح ذلك من خلال ممارسات مختلفة وليس مع الحصار، وهذه النرجسية لا يستوي معها اتخاذ موقف عقلاني، بناءً على المصلحة الوطنية والجماعية لدول المنطقة.. وتلك المواقف مبنية على الإحساس النرجسي بالحاجة لإثبات الذات والتفوق على الآخرين، وليس على مصالح الدول أو أبسط حسابات الربح والخسارة"، على حد تعبيره.
والسبب الثالث؛ هو عامل الرأي العام، حسب الأنصاري، "بمعنى أنه في حال أنهت تلك الدول الأزمة بهذه السرعة، فهذا يعني انهزامها أمام شعوبها والرأي العام المحلي والدولي، وهذه مسألة ﻻ تقبلها هذه الدول".
لا دور لـ"التعاون الخليجي"
وحول مجلس التعاون الخليجي ودوره في إنهاء الأزمة، يقول الأنصاري: إن "المجلس وعكس ما يسوق الآخرون، لم يكن له دور سياسي مهم طوال فترة تأسيسه، وحتى خلال احتلال الكويت لم يصدر الموقف الحقيقي في دعم تحرير الكويت، بل صدر من جامعة الدول العربية، حتى إن المجلس كان متردداً في هذه المسألة الحاسمة بتاريخه".
ويكمل حديثه: "لم يفقد كثيراً من دوره السياسي ولكن تضاءلت شرعيته حتى الرمزية بسبب الأزمة وعدم قدرته على حلها، ونأمل أن تكون بالأمانة العامة الجديدة، وأن يكون للأمين العام الجديد دور في تسوية أمور الأمانة بحيث تكون ممثلة لدول مجلس التعاون".
واستدرك: "ولكن الطموح فوق المتوقع، لأنه بكل بساطة، الأمانة العامة لا تعبر إلا عن وجهة نظر الدول الأعضاء، وثلاث من هذه الدول لا تريد أن يكون هناك دور سويٌّ للمجلس في تسوية الخلافات، ولكن تبقى للمجلس رمزية مهمة في المنطقة فهو أساس الهوية الخليجية التي تشكلت عبر العقود الماضية، ويشكل منصة للأجيال القادمة، ونأمل أن يلبي طموحات الخليجيين مستقبلاً"، والحديث لأستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر.
أسباب الفشل
وعلى الصعيد غير الرسمي، طالبت مجموعة من المثقفين والإعلاميين والأكاديميين والمفكرين من دول الخليج بحل الخلاف بين دول مجلس التعاون، وتحدثوا عما تمر به المنطقة من "منعطفات خطيرة".
وفي بيان وقعت عليه 68 شخصية خليجية، ووصلت إلى "التغيير" نسخة منه، في مايو الماضي، دعوا إلى حلول عقلانية وسلمية لتجاوز المحنة، "استشعاراً منا بالوضع الحرج الذي تمر به دولنا في الخليج، وأهمية النظر بجدية ومسؤولية إلى ما ينتظرنا من تغيرات ضخمة تفرضها الأوضاع المستجدة".
الأكاديمي العُماني، والباحث في شؤون الخليج والشرق الأوسط، وأحد الموقعين على البيان المطالب بإنهاء الأزمة الخليجية، عبد الله باعبود، يؤكد أن أبرز الوساطات لإنهاء الخلاف الخليجي كانت من دول مجلس التعاون الخليجي التي لم تشارك في هذه الأزمة ولا في عملية الحصار.
وأدى أمير الكويت، وفق باعبود، دوراً مهماً في الوساطة، وكذلك كانت سلطنة عُمان "مساعِدة ومؤيدة ومكمِّلة للدور الكويتي"، إضافة إلى بعض الوساطات العربية والغربية وبالأخص من الولايات المتحدة التي تضررت مصالحها من جراء الأزمة.
وتعود أسباب عدم نجاح الوساطات الخليجية والعربية والدولية في إنهاء الأزمة الخليجية، كما يرجع باعبود، إلى "التصعيد الذي قادته دول الحصار، ورفعها لسقف مطالبها وتوقعاتها غير المنطقية وغير العقلانية".
ويتابع باعبود حديثه: "لا يمكن أن ترضى قطر بتلك الشروط، لأنها تمس مسألة سيادتها وشرعية حكومتها، كما أن الحرب الإعلامية وزج الشعوب في هذه الأزمة جعلا حلها صعباً، لأن فيها فقداناً لماء الوجه لدول الحصار؛ للتراجع بعد كل هذا التصعيد".
ومن ضمن أسباب عدم حل الأزمة الخليجية، كما يقول المختص العُماني: "شخصنة الأمور وتعنت قيادات دول الحصار".
أضرار الأزمة
ويرى الأكاديمي العماني أن الأزمة "أضرت بمجلس التعاون الخليجي، بدرجة كبيرة، لأنها نسفت أهداف المجلس في التعاون والتكامل والاندماج بين دول وشعوب الخليج، كما أنها خالفت اتفاقيات المجلس ومنها اتفاقية السوق الخليجية المشتركة التي تسمح بِحرية تنقُّل الأفراد والبضائع ورؤوس الأموال بين دول المجلس".
كذلك لم يتم عرض موضوع حصار قطر، وفق تحليل باعبود، على المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي؛ لكونه يمس ويخالف اتفاقية السوق الخليجية المشتركة، إضافة إلى أنه همَّش قوانين المجلس ومؤسساته وآلياته.
ويستدرك قائلاً: "سيسهم استمرار الأزمة في جعل مجلس التعاون منظمة غير فعالة مثلها مثل بعض المنظمات الإقليمية العربية الأخرى، مع إضاعتها لكل الإنجازات السابقة، وهي هذا البيت الخليجي واللُّحمة الخليجية، ويدفع دول الخليج إلى البحث عن شركاء من خارج المنطقة".
وتابع: "وفي ظل أزمة جائحة كورونا، وتأثيرها على حياة البشر والاقتصاد، خصوصاً أسعار النفط، يجب أن تدفع دول الخليج إلى مراجعة سياساتها السابقة والعودة إلى رشدها، وتعلم أن مواجهة هذه الأزمات مجتمعةً وبالتعاون أفضل بكثير من مواجهتها منفردة ومتفرقة"، كما يوصي الباحث في شؤون الخليج.
وحان الوقت، وفق باعبود، لحل الأزمة الخليجية عن طريق الحوار والعمل على التعاون في المجالات كافة، وتوسيع السوق والاقتصاد "بدل هدر مقدراتها وثرواتها في عداوات وخصومات وأزمات غير مُجدية".
ارسال التعليق