بعد هجمات 11 سبتمبر.. ماذا تغير في السعودية؟
التغيير
تغيّر المجتمع في المملكة كثيرا بعد 20 عاما من اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول التي كان 15 من منفذيها الـ19 من المملكة، في ظل حملة إصلاحات تهدف الى تظهير صورة يغلب عليها التسامح الديني والانفتاح.
ونفت المملكة، الحليف المقرب من الولايات المتحدة، أي صلة لها بتلك الاعتداءات التي نفذها تنظيم القاعدة وأودت بحياة نحو 3 آلاف شخص، لكنها وجدت نفسها أمام انتقادات من جانب الولايات المتحدة وبرودة في العلاقات معها لفترة طويلة.
وترددت المملكة في تلك الحقبة في إجراء تغييرات دينية واجتماعية استجابة لضغوط حضتها على القيام بإصلاحات في المناهج الدراسية تحديدا التي ينظر إليها على أنها تعزز التطرف وتفرز متشددين. لكن منذ أن أصبح الأمير "محمد بن سلمان"، نجل الملك "سلمان"، وليا للعهد في 2017، تشهد الدولة الثرية إصلاحات اقتصادية واجتماعية ودينية جذرية.
فقد سمح للنساء بقيادة السيارات، وباتت الحفلات الغنائية مسموحة، ووضع حدّ لحظر الاختلاط بين الرجال والنساء. وقُلصت صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واختفى المطاوعون من الشوارع.
وتؤكد الباحثة في مركز "كارنيجي" للأبحاث "ياسمين فاروق"، لوكالة فرانس برس، أن الإصلاحات الراهنة هي "إحدى نتائج هذه الهجمات (11 سبتمبر) على المدى الطويل".
وعُرفت المملكة لسنوات طويلة بأنها بلد محافظ يتبنى تفسيرا متشددا للإسلام السني.
وشارك 15 من حملة جنسية المملكة من بين 19 انتحاريا، في اعتداءات 11 سبتمبر؛ ما دفع عائلات الضحايا إلى اتهام المملكة بأن لها صلات بالخاطفين الذين هاجموا بطائرات مدنية مركز التجارة العالمي ومقر البنتاجون.
وقرر الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، الأسبوع الماضي، نشر وثائق لا تزال سرية من تحقيق الحكومة الأمريكية حول الاعتداءات خلال الستة الأشهر المقبلة.
ورحبت الرياض في بيان صدر عن سفارة المملكة في واشنطن مساء الأربعاء، بنشر أي وثائق سرية.
وأكدت لأنه "لا يمكن للمملكة إلا أن تكرر دعمها المستمر لرفع السرية الكامل عن أي وثائق ومواد"، على أمل أن يؤدي ذلك "إلى إنهاء المزاعم التي لا أساس لها من الصحة بشأن المملكة بشكل نهائي".
"مملكة جديدة"
وبحسب "فاروق"، فإن الذكرى العشرين للاعتداءات "تأتي نوعا ما بوجود مملكة جديدة".
فمنذ وصول بن سلمان الشاب الساعي لتغيير صورة بلاده الى السلطة، تخوض المملكة حملة انفتاح كان يصعب تخيلها قبل سنوات قليلة.
وتزعزعت صورة بن سلمان والإصلاحات مع قتل الصحفي "جمال خاشقجي" في قنصلية بلاده في اسطنبول ومع اتهامات تتعرض لها المملكة في ملف حقوق الإنسان، لكن الإصلاحات لم تتوقف.
في الرياض، أصبحت المتاجر والمطاعم تستقبل الزبائن خلال وقت الصلاة، فيما بات استعمال مكبرات الصوت الخارجية في المساجد مقصورا على رفع الأذان والإقامة للصلاة فقط، في خطوة أثارت جدلا محليا.
وفتحت البلاد التي تضم الكعبة ويزورها الملايين سنويا للحج والعمرة، أبوابها أمام السياحة غير الدينية، مستقبلة آلاف الزوار غير المسلمين.
ويرى مستشار الحكومة في المملكة "علي الشهابي" أن ذكرى الهجمات ضد الولايات المتحدة تأتي فيما المملكة "مكان مختلف تماما وأفضل"، مشيرا إلى أن حملة إصلاحات بن سلمان "قامت بتفكيك هياكل وشبكات الإسلام الراديكالي داخل البلاد".
ويعتقد "الشهابي" أن أي "إرهابيين يخططون لشن هجوم مماثل لما حدث في 11سبتمبر، عليهم البحث في مكان آخر غير المملكة عن مجندين، مع التراجع السريع في أعداد الشباب الذي يتلقى عقائد إسلامية رجعية".
لكن بعض الخبراء يشككون في قدرة هذه الإجراءات فعلا على تجفيف منابع التشدد في المجتمع.
وترى "فاروق" أن هذه الإصلاحات ليست كافية "للقضاء على التطرف لأنها لا تنطوي على حوار مجتمعي يعالج حجج المتطرفين"، مشيرة إلى أن "التغيير مفروض على المجتمع" من أعلى.
وقالت إن فتح "الحوار أمر مهم للغاية لتحقيق الأهداف وليس فقط لفرض التغييرات على الناس".
"النية حاضرة"
في موازاة ذلك، يحذر بعض النشطاء من أن إدخال مثل هذه الإصلاحات فجأة على مجتمع محافظ للغاية ينطوي على مخاطر وقد يثير رد فعل عنيفة. ولا يمكن تقدير حجم الرفض الشعبي لهذه الإصلاحات مع قمع السلطات للمعارضة والناشطين ونشطاء حقوق الإنسان.
بالنسبة إلى الباحثة في معهد دول الخليج في واشنطن "كريستين ديوان"، فإن أحد أبرز جهود الإصلاح يجب أن يتركز على المناهج التعليمية التي لطالما ارتبطت بالوهابية.
وترى "ديوان" إن "إصلاح نظام تعليمي كامل -المناهج والمعلمون والمؤسسات- مهمة هائلة تشبه إعادة تشكيل المجتمع نفسه".
وتقوم المملكة راهنا بمراجعة لكتب مدرسية تصف غير المسلمين بـ"الكافرين"، فيما أعلن وزير التعليم العمل على إعداد مناهج دراسية تنمي "قيم حرية التفكير والتسامح وعدم التعصب الفكري".
وشكا أشخاص تلقوا تعليمهم في المملكة بالفعل في مقابلات مع فرانس برس من أن التعليم الذي لا يزال معتمدا "يعزز عدم التسامح ضد الآخر" لجهة الدين أو العرق أو الجنسية.
وكان بن سلمان تعهد في مقابلة مع محطة "سي بي اس" في 2018 بالقضاء على التطرف في النظام التعليمي الذي أقر أن "جماعات متشددة اجتاحته".
وتقول "ديوان": "ليس هناك شك في أن النية حاضرة، لكن التنفيذ الفعال سيستغرق وقتا".
ارسال التعليق