بن سلمان ملك # السعودية المقبل: الأثمان ومستقبل المملكة
“المقامر الطائش الذي بيده سلطات هائلة” وفق توصيف تقرير الاستخبارات الألمانية(2015) سيكون في غضون الأيام المقبلة أول ملك للسعودية من جيل أحفاد المؤسس عبدالعزيز آل سعود، بحسب تغريدات “مجتهد”. بين ليلة وضحاها عُزل محمد بن نايف من منصب ولاية العهد، بعد قضم قوته، ليُعلن في وقت مبكر من صباح اليوم عن تنصيب محمد بن سلمان ولياً للعهد، في آخر خطوات الأخير لاعتلاء عرش المملكة السعودية.
في مقال له قبل أيام، كتب البريطاني ديفيد هيرست عن “انقلاب في قصر آل سعود” بهدف تنصيب محمد بن سلمان ملكاً للسعودية. قال هيرست: “يحتاج أي أمير سعودي إلى رضا ثلاثة مصادر للقوة حتى يصبح ملكاً، وهي من حيث الأهمية: الولايات المتحدة الأميركية، والعائلة الحاكمة السعودية والشعب السعودي، رغم أن الأخير يأتي في ذيل أي حسابات تذكر. ”
إلا أن ما جرى اليوم، يحتم تصحيح معادلة هيرست لتكون: يحتاج أي أمير سعودي إلى رضى مصدرين للقوة حتى يصبح ملكاً، وهي من حيث الأهمية: الولايات المتحدة الأميركية، والطرف الأقوى في العائلة الحاكمة السعودية، أما الشعب السعودي فلا وجود له في أي حسابات تُذكر…
في المملكة السعودية القرار للملك، والتنفيذ لا يكون إلا برضا أميركي. مراجعة سريعة لما جرى في السنوات السابقة يمكن أن يساعد في فهم المعادلة:
في 27 آذار/مارس 2014 استحدث الملك عبدالله منصب ولي ولي العهد وأسنده لأخيه غير الشقيق مقرن بن عبدالعزيز. أشارت القراءات في حينها إلى تسوية بين الملك الراحل وأخيه مقرن تضمن وصول الأخير إلى العرش بعد وفاة سلمان بن عبدالعزيز، مقابل أن تؤول الأمور إلى متعب بن عبدالله الذي كان يتنافس ومحمد بن نايف على أول عرش يتصدره حفيد عبدالعزيز آل سعود. أكثر من ذلك ذهب البعض ومنهم الباحث الأميركي سايمون هندرسون للتوقع أن يُعلن عن أن “الأمير سلمان غير مؤهل طبياً، الأمر الذي سيسمح بالارتقاء المبكر للأمير مقرن إلى منصب الوريث الواضح”.. بموجب صفقة أُبرمت مع الملك عبدالله.
23 كانون الثاني/يناير 2015 أعلن الديوان الملكي السعودي وفاة الملك عبدالله. وقبل مواراة جثمان الملك الثرى، أصدر سلمان بن عبدالعزيز أوامر ملكية قضت بتعيين ابنه محمد وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي، وابن أخيه محمد بن نايف، وليا لولي العهد، إلى جانب منصبه وزيراً للداخلية. انقلاب أبيض وسريع بدأ به سلمان على كل مخلفات أخيه.
29 نيسان/أبريل 2015، أعلن سلمان بن عبدالعزيز إعفاء أخيه مقرن من منصب ولي العهد، ليعيّن في الوقت نفسه محمد بن نايف ولياً للعهد، ويسند منصب ولي ولي العهد إلى محمد بن سلمان.
ومنذ وفاة الملك السابق، سارت الأوامر الملكية على سكة تثبيت محمد بن سلمان على العرش. وفي يوم صدور إعفاء مقرن، كتب الباحث الأميركي سايمون هندرسون: “من غير المرجح أن تكون التعديلات التي جرت في 29 نيسان/أبريل هي الأخيرة من نوعها. والسؤال الرئيسي هو متى ستحدث الجولة المقبلة من التغييرات”، وقال “نظر إلى ولي العهد الجديد، محمد بن نايف، وعلى نطاق واسع بأنه الملك المستقبلي المفضل لواشنطن، ولكن إرتقاء محمد بن سلمان وصعوده بلا هوادة في الأشهر الأخيرة يشير إلى أن هذا الشاب يمكن أن يحل محل الأمير محمد بن نايف قبل وصول هذا الأخير الى العرش. ويظهر أن نجل الملك يتمتع بالتأكيد بمثل هذا الطموح.”
وشيئاً فشيئاً نجحت المراسيم الملكية في قضم قوة محمد بن نايف. قبل أيام جُردت وزارة الداخلية من صلاحية الإشراف على هيئة التحقيق الادعاء العام، وأُلحقت بالديوان الملكي. وقبل أشهر أعلن الديوان الملكي عن إنشاء مركز للأمن القومي تحت إشرافه، ليكون مؤسسة توازي وزارة الداخلية التي كان يرأسها بن نايف.
أميركا حسمت مصير بن نايف
في تعليق على قرار الملك السعودي بعزل محمد بن نايف من منصب ولي العهد وتجريده من وزارة الداخلية، ذكر موقع قناة “فوكس نيوز” الأميركية أن مصير محمد بن نايف حُسم أميركياً منذ اللقاء الذي جمع دونالد ترامب ومحمد بن سلمان في آذار/مارس الما ضي، والذي وصفته الصحافة الأميركية بأنه كان “نقطة تحول”.
وأشارت “أشوسييتد برس” إلى أن العلاقة “الحميمة” بين إدارة ترامب والرياض هي التي سرعت بصدور قرار عزل بن نايف.
قبل عدة أشهر كان لا يزال محمد بن نايف يوصف بأنه رجل أميركا في المملكة، وكانت الانتقادات الأميركية تطال بوضوح السياسة السعودية التي كان يقودها بشكل مباشر محمد بن سلمان. بغض النظر عن المشاركة الأميركية المباشرة في العدوان على اليمن، إلا أن أداء بن سلمان كوزير للدفاع لم يكن مرضياً بالنسبة للأميركيين. حتى أن الصحف الأجنبية كتبت عن اختفائه في إجازة في جزر المالديف بينما كان وزير حرب باراك أوباما آش كارتر يبحث عنه لأيام ويحاول الوصول إليه دون جدوى. باحثون في معهد واشنطن ظلوا إلى الأمس القريب يتحدثون عن بن سلمان كشاب عديم الخبرة، يفتقد إلى العمر والخبرة الذين تتطلبهما المواصفات الملكية.
لكن يبدو أن الموقف الأميركي من بن سلمان تغيّر في عهد الإدارة الجديدة، لدونالد ترامب. ففي 19 نيسان/أبريل 2017 قام وزير الحرب الأميركي جايمس ماتيس بجولة تتضمن عدداً من الدول استهلها بالرياض، التي التقى فيها الملك ونجله محمد بن سلمان متجاهلاً كلياً محمد بن نايف.
اليوم يتكشف أكثر وأكثر عن الصفقة التي كلفت السعودية ما قيمته نصف ترليون من خزينتها لصالح خزينة ترامب. منذ انعقاد القمة الأميركية السعودية، بدت السياسات السعودية أكثر وضوحاً، في ظل ضوء أخضر أميركي بات مضموناً.
الإمارات.. راعية مشروع الوصول للعرش
الإعلامي الإماراتي حمد المزروعي، وهو أحد المقربين من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، غرد قبل يومين معلناً: “ملك السعودية المقبل الشاب محمد بن سلمان”.
لا يبدو الموقف الإماراتي غريباً، إذ أن للبلد الخليجي الدور الأبرز في وصول محمد بن سلمان إلى ما هو عليه. والسبب يكمن في عداء شخصي بين بن نايف وبن زايد. منذ التواصل الأول بين الإماراتيين ومحمد بن سلمان، أُخبر الأمير السعودي أن الوصول إلى العرش يتطلب تحصيل الرضا الأميركي. قال محمد بن زايد لمحمد بن سلمان إن هذا الرضا يتحقق بشرطين: اجراءات إصلاحيات داخلية تحد من سلطات الدعاة، والتقرب من “إسرائيل”، هذا ما ينقله الكاتب الصحافي ديفيد هيرست.
وهذا يفسر طرح محمد بن سلمان لاحقاً لرؤيته الاقتصادية لعام 2030 والوعود بمنح حريات للمرأة، وهو يعطي جواباً عن عدم الخجل السعودي في إظهار كل الود العلني لـ “إسرائيل” متجاهلة ردة فعل الشارع العربي والإسلامي.
خاضت الإمارات بشكل رسمي عملية الترويج لمحمد بن سلمان كملك مقبل، تبنت المشروع واشتغلت لتحقيقه. تسريبات السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة تفضح الموقف الإماراتي علناً. مثلاً، عقب المقابلة التي أجراها كاتب الشؤون الأمنية في الواشنطن بوست “ديفيد أغناشيوس” مع محمد بن سلمان. راسل العتيبة الكاتب الأميركي، وقال:” سُعدت بما رأيت في مقالك، ونقلك ما يدور في المملكة، فصوتك ومصداقيتك سيكون عامل ضخم في إيصال التغييرات للغير”. وأضاف: “يجب أن ندفع كل خطوات التغيير في السعودية، وننتظر ماذا سيحدث بعد عامين… واجبنا القيام بكل شي لضمان هذا التغيير”، في إشارة إلى أن التغيير يتمثل بوصول محمد بن سلمان.
مستقبل المملكة
بسلاسة نجح محمد بن سلمان في تقويض قوة ابن عمه قبل عزله اليوم. فبموجب القرار اليوم عُيّن ولياً للعهد ونائباً رئيس مجلس الوزراء، بعد إعفاء محمد بن نايف من ولاية العهد، ومن منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ومنصب وزير الداخلية.
ولم يتم الإشارة بأي صورة إلى منصب ولي ولي العهد الذي بات، ليتبيّن أن المنصب فقد دوره بعد ضمان وصول محمد بن سلمان إلى العرش.
نقطة بارزة تضمنتها الأوامر الملكية، وهي المتعلقة بتعديل “الفقرة ب من المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم لتكون بالنص الآتي: يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس، عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم”. ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكا ووليا للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس”.
العبارة الأخيرة هي الأهم، وتكتسب أهميتها من التساؤلات المطروحة حول آلية انتقال الحكم في السعودية بعد أن كان يتم أفقياً عبر أبناء عبدالعزيز آل سعود فقط. ورغم أهمية هذه النقطة إلا أنه ليس بالضرورة أن تبقى بمنأى عن التعديل. وسواء ثبّت السعوديون هذه القاعدة، التي يُفهم منها اليوم على أن هدفها بالدرجة الأولى امتصاص أي ردة فعل داخل عائلة آل سعود، أو حتى في حال تغييرها فإن من شأن ذلك أن يفتح المملكة على نافذة اللااستقرار. سلسلة التعيينات والاعفاءات التي شهدتها السعودية منذ الأيام الأخيرة لعبدالله ربما ستقدم صورة مصغرة عن مستقبل آلية الحكم في السعودية. الآلية غير الثابتة ستفقد المملكة الاستقرار السياسي، خصوصاً أن أمراء آل سعود باتوا كما الشعب ينامون على حال، ويصبحون على حال آخر.
بقلم : إسراء الفاس
ارسال التعليق