بي بي سي: ابن سلمان يخشى أن يفي بايدن بوعوده الإنتخابية.. هكذا ستتغير السياسة السعودية وسينتهي حصار قطر وباقي الملفات
التغيير
سلط تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، الضوء على إمكانية تتغير سياسات المملكة بعد تولي جو بايدن رئاسة أمريكا وخروج صديقها المفضل دونالد ترامب من البيت الأبيض، قائلةً: “عندما أُعلن جو بايدن فائزاً، استغرقت القيادة في المملكة وقتاً أطول للتهنئة مقارنة بالوقت الذي استغرقته القيادة ذاتها قبل أربعة أعوام لتهنئة ترامب فور إعلان فوزه بالانتخابات”.
وقال التقرير البريطاني: “ليس في الأمر ما يثير الدهشة؛ لقد فقد آل سعود لتوِّهم صديقاً على الطاولة الأهمّ بخسارة ترامب، ويعود تاريخ الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمنطقة إلى عام 1945 ويُتوقع لها البقاء رغم تحديات تلوح في الأفق لا ترتاح لها العواصم الخليجية”.
وحسب التقرير، فإن الرياض سرعان ما تقبلت النتيجة حيث تبدو سياسات المملكة الآن تشهد تغييراً حذراً حتى قبل خروج ترامب من البيت الأبيض الذي يصر على البقاء فيه لآخر لحظة.
هل تتغير سياسات المملكة تجاه الأزمة الخليجية؟
وتزامناً مع جولة كوشنر المرتقبة في المنطقة التي تقول تقارير إعلامية غربية إن هدفها الرئيسي عقد مصالحة بين المملكة مع قطر نقلت صحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية عن مصادر- وصفتها بـ”المطلعة على المحادثات”ـ أن المملكة تكثف جهودها حالياً لحل الأزمة الخليجية، المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وذلك عقب هزيمة الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات.
وسبق أن قال فيصل بن فرحان آل سعود، لرويترز، على هامش قمة زعماء مجموعة العشرين إن المملكة إلى جانب الإمارات ومصر والبحرين تواصل البحث عن سبيل لإنهاء الخلاف مع قطر على الرغم من أنها ما زالت تريد علاج مخاوف أمنية مشروعة، حسب تعبيره.
وبالنسبة للمملكة، فإن التخلص من الأزمة والحصار سيئ السمعة الذي ارتبط بها، من شأنه المساعدة على تبييض وجه المملكة من سلسلة أزمات تورطت بها في عهد ترامب، أزمات لمّح بايدن إلى احتمال محاسبة المملكة عليها أو على الأقل إطفاء الضوء الأخضر الذي مُنح للرياض من قبل ترامب.
ومما يزيد من احتمالات إمكانية حلحلة الأزمة أن الحصار على قطر لم يؤد إلى نتيجة ورفضت الدوحة مزاعم الدول الأربع المملكة والإمارات والبحرين ومصر، ولم تنصع إلى شروطهم التي كانت تتغير بين كل حين وآخر، والواقع أن الدوحة تجاوزت تأثيرات الحصار بشكل كبير لدرجة أن أداءها الاقتصادي يكاد يكون الأفضل خليجياً، وأفضل من أغلب محاصريها.
إذ بلغ إجمالي العجز في موازنات دول مجلس التعاون الخليجي الست 180 مليار دولار في النصف الأول من العام الحالي، تستأثر المملكة بأكثر من نصفها (55%)، وفق تقرير لوكالة “ستاندرد آند بورز” صدر في 20 يوليو/تموز، وتوقعت فيه أيضاً ارتفاع العجز التراكمي إلى نصف تريليون دولار بحلول 2023.
ووفقاً لوكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، فإن العجوزات تفاوتت من دولة إلى أخرى بالمنطقة في النصف الأول، وتراوحت بين 15 و25% من إجمالي الناتج المحلي، باستثناء قطر التي حافظت على عجز بنحو 8%.
ومن الواضح أن الوساطة الأمريكية المحتملة تركز على المملكة ، وهو أمر تفضله الدوحة التي تعتبر أن ليس لديها مشكلة حقيقية مع الرياض.
كما أن حل أزمة قطر تحت مظلة إدارة ترامب قد يعني شروطاً أفضل للرياض، التي تمتعت دوماً بدعم هذه الإدارة، بشكل لا يُتوقع استمراره في عهد بايدن.
وقد تتجه لتخفيف الخلاف مع تركيا
من الملاحظ أنه بالتزامن مع هزيمة ترامب في الانتخابات بدأت تتغير لهجة المملكة تجاه تركيا، والتي كانت وصلت لذروتها بالمقاطعة غير الرسمية للمنتجات التركية.
ولكن مع عقد قمة العشرين في الرياض افتراضياً كان لافتاً اتصال الملك سلمان بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان واتفاقه على ضرورة حل الخلافات بينهما، وإبراز الرياض للتحفظ التركي على بيان قمة العشرين، وقبل ذلك أمر الملك بإرسال مساعدات لتركيا بعد الزلزال الذي ضربها.
كما قال الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، لرويترز، إن المملكة لديها علاقات “طيبة ورائعة” مع تركيا ولا توجد بيانات تشير إلى وجود مقاطعة غير رسمية للمنتجات التركية.
والتقى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو نظيره في المملكة على هامش مؤتمر وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي، الذي عقد في النيجر مؤخراً.
ومع أن أغلب الإشارات الإيجابية تجاه تركيا جاءت من الملك ووزير خارجيته، ولكن قد يعني ذلك عدم اعتراض بن سلمان عليها، خاصة أن علاقة أردوغان مع بايدن ملتبسة وبها مشكلات منذ كان الأخير نائباً للرئيس، فبالنسبة للبلدين فإن تقليل الخلافات بينهما من شأنه تقليل فعالية أي ضغط يمكن أن يمارسه بايدن عليهما.
حرب اليمن
وحسب التقرير، فإن حرب اليمن الدائرة منذ ست سنوات تمثل واحداً من أكثر الملفات إشكالية بالنسبة للمملكة ولمحمد بن سلمان في ظل رئاسة بايدن، الذي انتقد موقف المملكة في الحرب إلى جانب دور محمد بن سلمان في اغتيال الصحافي المعارض جمال خاشقجي.
وقالت التقرير: “تنامت معارضة لاستمرار حرب اليمن داخل الكونغرس الأمريكي، بفعل ما أدت إليه من كارثة إنسانية، وتخلت الإمارات عن حليفتها المملكة وأعلنت أنها انسحبت من اليمن لعلمها بالضرر الذي تسببه الحرب على صورتها”.
وأشار التقرير إلى أنه يمكن أن يؤدي وصول بايدن للسلطة إلى فرض قيود على تزويد المملكة بالأسلحة والذخائر وهي مسألة حساسة جداً لجيش آل سعود.
وقال التقرير: “مع أن قرار إنهاء حرب اليمن ليس قرار الرياض وحدها بل قرار أنصار الله أيضاً الذين يمكن أن يواصلوا قتال المملكة أو قصف أراضيها حتى لو انسحبت من اليمن، ولكن على الأقل، فإن وصول بايدن للسلطة يفرض على المملكة الحذر في عملياتها العسكرية بغية التأكيد على عدم إيذاء المدنيين”.
ففي ظل حكم بايدن قد تمثل أي غارة خاطئة كارثة دبلوماسية كبيرة للمملكة، كما أنه ستكون المملكة بحاجة إلى إثبات تجاوبها مع محاولات حل الأزمة سياسياً.
إيران.. المملكة تتعاطف مع عالِمها النووي المغدور
ولا يمكن الحديث عن السياسة الأمريكية تجاه المملكة والخليج، دون الحديث عن إيران، فعلى مدار حكم الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، شهدت المنطقة استقطاباً إقليمياً حاداً، بين المملكة وإيران، بينما كانت الرياض تتحدث دوماً، عن انحياز أوباما لصالح طهران بعد أن توصل معها إلى اتفاق نووي برعاية دولية، ليقوم الرئيس الجمهوري فيما بعد دونالد ترامب بإلغائه، وفق التقرير البريطاني.
وأشار التقرير، إلى أن ذلك أثار غبطة آل سعود وعدة دول خليجية. ويخشى كثيرون في المملكة حالياً من عودة الأمور لما كانت عليه إبان فترة حكم الرئيس الأمريكي الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، حيث يبدو أن المملكة تحاول أن تنأى بنفسها عن تصعيد إسرائيل وترامب في أيامه الأخيرة تجاه إيران.
فقد علقت المملكة أمس الثلاثاء، ولأول مرة على حادثة اغتيال العالِم النووي الإيراني البارز محسن فخري زادة؛ إذ قال المندوب الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة، السفير عبدالله المعلمي إن بلاده لا تؤيد سياسة الاغتيالات على الإطلاق، وتعتبر أن خسارة عالم مسلم هي خسارة للأمة الإسلامية بأكملها.
وأضاف المعلمي: “لكن في الوقت ذاته نطالب بعدم التصعيد، لأن التصعيد أو ردود الفعل العفوية لا تؤدي إلى نتائج إيجابية”، متابعاً: “كما أننا نطالب إيران بأن تثبت للمجتمع الدولي حسن نواياها فيما يتعلق ببرنامجها النووي حتى لا يتعرض أبناؤها وعلماؤها للخطر سواءٌ عن طريق مثل هذه الأحداث أو أحداث أخرى”.
ومن الملفات التي يتوقع أن تؤثر على السياسة المملكة في المرحلة القادمة هو الموقف المرتقب من إدارة بايدن، تجاه التحالف القوي الذي أقامه ترامب، مع عدة أنظمة في المنطقة منها نظام آل سعود والإماراتي والمصري، وما يقوله مراقبون من تشجيع ترامب لهذا التحالف على التدخل في شؤون دول أخرى، وتغييب ملف الديمقراطية في بلدان المنطقة، وكذلك الملفين الفلسطيني والسوري.
التطبيع مع إسرائيل لم يعد له مقابل كبير
وحسب التقرير، يبدو أن مجيء بايدن من شأنه تخفيف حماس المملكة للتطبيع مع إسرائيل، وهو ما ظهر من خلال تأخير السماح بعبور أول رحلة تجارية لشركة طيران إسرائيلية إلى دولة الإمارات، عبر أجواء المملكة.
وأضاف: “بالتأكيد لن يعترض بايدن على أي تطبيع من آل سعود علني مع إسرائيل، ولكن المملكة خاطرت بمكانتها السياسية والدينية في العالمين العربي والإسلامي عبر التقارب مع إسرائيل دون تطبيع معلن، وكان لها هدفان الأول التحالف مع تل أبيب وإدارة ترامب ضد إيران، وهو ملف يبدو أن بايدن قد يطرح فيه مقاربة جديدة”.
وأكمل: “الثاني اكتساب نقاط لدى الجانب الأمريكي مقابل التقارب مع إسرائيل، ولكن المفارقة أن صفقة القرن التي تروج لها دول الخليج وإدارة ترامب غير مقبولة ليست فقط من الجانب الفلسطيني بل أيضاً من أغلب القوى المعنية بالشرق الأوسط، بما فيها إدارة بايدن على الأرجح”.
واستكمل: “لا يعني ذلك أن بايدن بالضرورة سيتراجع عن خطوات ترامب المثيرة لغضب الفلسطينيين، ولكن على الأقل لن يعتبر أن تأييد المملكة لصفقة القرن جميلة يجب أن يردها لآل سعود”.
حقوق الإنسان الملف الأكثر إشكالية للمملكة
ولكن المسألة الأكثر حساسية للمملكة، هي احتمالات التدخل أو التعليق الأمريكي على انتهاكات الرياض وقمعها للمعارضة الداخلية، خاصة الناشطات النسويات (عادة الجهات الغربية تتعاطف مع الناشطات النسويات والنشطاء الحقوقيين والليبراليين أكثر بكثير من تعاطفها مع النشطاء الإسلاميين حتى لو بقامة علماء كبار مثل سلمان بن عودة)، حسب تقرير “بي بي سي”.
ومع أنه من المستبعد حدوث انفراجة في الحريات السياسية بالمملكة مع قدوم بايدن، ولكن على الأقل قد يصبح محمد بن سلمان أكثر حذراً في حملاته القمعية التي كان ينفذها في ظل تجاهل تام من ترامب، ولكن مع بايدن قد تتعرض الرياض للوم شفهي على الأقل.
ارسال التعليق