تحدّيات تواجه السعودية في استضافة كأس العالم 2034
قدّمت صحيفة "ذا غارديان" التحديات التي تواجه كأس العام 2034 في "السعودية"، تتلخص في 3 مشاكل أساسية، أولها وضع حقوق الإنسان المتعثر في البلاد، ثانيها وضع العمال المقلق، ثالثها ضعف جاهزية البنية التحتية اللازمة لاستضافة هذه الفعالية الرياضية الضخمة.
مخاوف من تخطّي الفيفا واقع تأزم حقوق الإنسان:
حول الإشكالية الأولى، تتساءل الصحيفة عن مدى قدرة الفيفا من ضمان التزامهه احترام حقوق الانسان في بلد يتم فيه انتهاك هذه الحقوق بشكل روتيني؟ معتبرا أنها التحدي الأكثر خطورة الذي يواجه الهيئة الحاكمة لكرة القدم في العالم أثناء نقل كأس العالم إلى السعودية.
ففي الوقت نفسه الذي تنتهك فيه السعودية عددا كبيرا من مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يأتي التزام الفيفا تطبيق المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان في عمله. وهذا يعني، وفقاً لأنظمة الفيفا، "الالتزام باحترام جميع حقوق الإنسان المعترف بها دولياً و[السعي] لتعزيز حماية هذه الحقوق". فإن السعودية تقع مقابل كل هذا حاليًا في المرتبة الثامنة من أصل 100 في تقرير الحرية في العالم الذي يحظى باحترام دولي والذي أعدته مؤسسة فريدوم هاوس، والذي يقيم الحريات المدنية والحقوق السياسية داخل الدول القومية.
وفي السياق عينه تتابع الصحيفة قولها أن هناك شكوك واسعة النطاق حول ما إذا كان الفيفا قادراً على الوفاء بالتزاماته في مجال حقوق الإنسان، حتى لو كانت هذه الالتزامات مقتصرة بشكل صارم على التزامات المشاريع المرتبطة بشكل مباشر بكأس العالم. ولكن هناك نافذة لاتخاذ إجراءات محتملة. بحلول هذا الصيف، يجب أن يقدم العرض السعودي لاستضافة كأس العالم 2034 تقييماً مستقلاً لحقوق الإنسان في البلاد إلى الفيفا كجزء من عرضه. والفيفا ملزم بتقييم المخاطر المتعلقة بحقوق الإنسان كجزء من عملية الاختيار .
وتورد عائقا مهما حول مسألة تقييم الفيفا لوضع حقوق الإنسان في "السعودية" حيث "يمكن إجراء التقييم المستقل من قبل شركة استشارية أو مجموعة من الأكاديميين، لكن لن تكون هناك مدخلات مباشرة من منظمات حقوق الإنسان لأنه غير مسموح لها بالعمل في المملكة العربية السعودية". مشيرة إلى ضرورة تمكين منظمات حقوق الإنسان من دخول البلاد وأنها ستكون خطوة أولى ضرورية لضمان قدرة الفيفا على احترام التزاماته، إلى جانب أهمية أن يبدأ المجتمع الدولي في التحدث عن الواقع في السعودية.
وفي الإطار تقول المعارضة لجين الهذلول للغارديان أن الجميع –من جهات دولية ورياضية- يقبل أن يبقى على صمت في ما يتعلق بانتهاكات السعودية تحت حجة أن الرياضة مجرد مسألة ثقافية، في حين تستغل "السلطات السعودية" هذا الوضع لتبني عليه واجهة من الانفتاح الوهمي، وبذلك تكون الأطراف الصامتة متواطئة ومتسترة على انتهاكاتها.
وتتابع الهذلول الإشارة إلى القوة التي لا يزال الشعب يمتلكها بطريقة أو بأخرى، فإن القادة يخشون من ردات فعل عنيفة قد يظهرها الشعب اتجاه انتهاكاتها. فإن "القادة" في إخفائهم معلومات حول المحاكمات، وما يحدث في السجون، هو لأنهم يهتمون بصورتهم ويريدون أن يرى المجتمع الدولي البلاد والحكومة منفتحة وحرة. مشيرة إلى أنه ينبغي على الناس أن يعملوا على الاستفادة من النفوذ الذي لديهم ليُظهروا للسعودية أنهم يعرفون أنها ليست مفتوحة. إنهم بحاجة إلى ممارسة لعبة السرديات، ليقولوا: “على الرغم من أن المملكة العربية السعودية بذلت كل هذه الجهود لإخفاء ما يحدث، فلن نسمح لكم بالإفلات من العقاب”.
الواقع المتردّي للعمال.. يتضاعف في هذه المناسبات:
أما فيما يتعلق بالإشكالية الثانية، حول حقوق العمال، ذلك انطلاقاً من كون رعاية العمال وحمايتهم لها أهمية خاصة في الأحداث الرياضية الكبرى، وكأس العالم على وجه الخصوص. مستذكرة العار الذي أصاب قطر، حيث توفي أكثر من 6500 عامل مهاجر في السنوات التي تلت فوز الدولة الخليجية بحق استضافة كأس العالم 2022، تنبّه الصحيفة من ضرورة أن يكون هنالك تصميماً إضافياً على منع تكرارا المأساة في السعودية.
ولكن مرة أخرى، تواجه السعودية مجموعة جديدة من التحديات. يقول مصطفى قادري، من منظمة حقوق الإنسان والعمل، إن الصورة في البلاد "معقدة". وحول هذا التعقيد يوضح قادري "ليس هناك شك في أن المملكة العربية السعودية لديها أسوأ ظروف عمل في أي من دول الخليج، وأنها تتمتع بالقوة السياسية الأكثر أهمية في تلك المنطقة". وأضاف: "عندما تجمع هذين الأمرين معًا، فإنه مزيج خطير حقًا من حيث قدرة الفيفا على التأكد من إقامة بطولة في بلد يحترم حقوق الإنسان".
وحول النقاط التي لا بد من إحداث تغيير فيها في ما يتعلق بحقوق العمال، فإن السماح للعمال بالانضمام إلى النقابات العمالية المستقلة المشروعة سيكون أمرًا أساسيًا، إلى جانب السماح لهم بتقديم شكاوى فعلية دون ملاحقة قضائية، إلغاء قانون الهروب حتى لا يعد هروب العمال جريمة.
ويشكك القادري في إمكانية تحقيق تغيير جوهري، ويقول أنه بسبب انخفاض العتبة التي يجب تخطيها لنيل "رضا" الفيفا، فإن أي تحسن قد يطرأ، وهو أمر سيكون من الجيد رؤيته، فإن الفيفا سيركز على القول إن الأمور تحسنت، كما حدث في قطر"، ويتابع "أعتقد أن الأمور قد تحسنت في قطر، ولكن بالنظر إلى حجم الأموال والاهتمام والخبرة التي تم ضخها في البلاد، فقد كان الأمر بمثابة فشل ذريع".
صعوبة الانتهاء من بناء الملاعب الضخمة:
إلى ذلك هناك المسألة التي تتعلق ببناء الملاعب والمرافق ووسائل الاتصال وأماكن الإقامة التي ستمكن من إقامة كأس العالم، تنوّه الصحيفة إلى استمرار "السلطات السعودية" تقديم العطاءات اسميًا، فهي لم تضع حتى الآن خططًا محددة للجمهور للبطولة.
وفي أواخر شهر يناير، أقيمت المباراة الأولى على "ملعب المملكة"، الموطن الجديد للهلال، والذي تم بناؤه في 180 يومًا. أصدر المهندسون المعماريون Populous الرسومات الأولى لاستاد "الأمير محمد بن سلمان" في القدية، الذي سمي على اسم ولي العهد الحاكم ومصمم وفقًا لمتطلبات كأس العالم لكرة القدم. ومن المقرر أن يتم تغليف الساحة التي تتسع لـ 45 ألف مقعد بشاشة LED ضخمة وتثبيتها على حافة منحدر.
والقدية هو واحد من 16 "مشروع جيجا" قيد التطوير كجزء من استراتيجية رؤية بن سلمان 2030. ومن المتوقع أن يكون مشروع آخر من هذا القبيل، وهو نيوم، موقعًا لملعب واحد على الأقل لكأس العالم. لكن لم يتم بناء لا نيوم والا القدية إلى الآن، وإلى جانب المشاريع العملاقة وكأس العالم، تلتزم السعودية ببناء البنية التحتية لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029 ومعرض إكسبو العالمي في عام 2030. وهذا مطلب كبير، حتى بالنسبة لدولة لديها صندوق ثروة سيادية يزيد عن 600 مليار دولار.
ووفقاً لإد جيمس من شركة ميد لاستشارات ذكاء الأعمال، فإن القدرة على تسليم كل هذه المشاريع، دفعة واحدة، هو واحدا من المواضيع المثيرة للقلق داخل البلاد. ويقول: "أعتقد أن هناك اعترافاً في المملكة العربية السعودية بعدم وجود موارد كافية".
ويستطرد متوسّعا " لن يكون هناك ما يكفي من المواد والمعدات لتنفيذ كل هذه المشاريع بالتوازي. ومن الواضح أن ذلك يخلق ضغوطًا على التكلفة"، ويتطرّق إلى ما يتعلق بالمواد الكثيرة المطلوبة، سواء كانت خرسانة أو زجاج أو فولاذ أو معدات، وأشياء مثل الحفارات والرافعات المتحركة وما إلى ذلك.
ويقول جيمس إن الحكومة السعودية تحاول التغلب على تحدي توفير الموارد من خلال تشجيع الشركات من عدد من الصناعات على إقامة عمليات في البلاد. ويقول: "سواء كان ذلك زجاجاً أو فولاذاً أو سيارات كهربائية أو كابلات، فإنهم يقولون: "سوف نساعدكم على الدخول، وإنشاء منشآتكم في المملكة، ويمكننا أن نضمن قدراً معيناً من إنتاجكم".
كما يتم توجيه دعوات مماثلة للمهندسين وشركات البناء والاستشاريين المطلوبين لتسليم المشاريع، لكنهم ليسوا وحدهم في صنعها. يعلق جيمس على هذه المسألة: "أنت ترى تلك الهجرة، لكن الكثير من هؤلاء المهندسين عادوا إلى دبي لأنها تشهد ازدهارًا الآن أيضًا.. من المهم أن نعرف أن دولة الإمارات العربية المتحدة تشهد أيضًا ازدهارًا وأن هناك سوقين متنافسين للبناء يحاول كل منهما جذب نفس المواهب."
يُذكر في هذا السياق، أن موقع Middle East Economic Digestسبق أن ما أسمتها "أزمة البحر الأحمر" ترفع تكاليف أسعار مواد البناء في السعودية بنسبة 25-50٪ في الأسابيع الأخيرة، ومن شأنها أن تؤثر على توريد مواد البناء إلى المشاريع العملاقة في البلاد، بما في ذلك ميناء أوكساجون ومدينة ذا لاين في نيوم، وهو ما يمكن أن يمتدّ إلى مشاريع بناء الملاعب المرتقبة لاستضافة كأس العالم.
ارسال التعليق