تونس ترفض بن سلمان
بقلم: فوزي بن يونس بن حديدلم يكن يوما عاديا في تونس يوم حطّت طائرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مطار تونس قرطاج، كان يوما عاصفا مناخيا وشعبيا، وحتى زيارته كانت خاطفة جدا لم تدم إلا أربع ساعات قضاها في أروقة المطار وقصر قرطاج، بدا الأمر مخيفا، بدا المكان وكأن مجموعة من العصابات تحرسه وتنقل ما فيه، وشدني وأنا أتابع المشهد أن رجلا منهم كان يصور الزوايا والأركان ويبحث عن الرجال المختفين في المكان، دون أن يصوب آلة تصويره مرة واحدة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مما أثر انتباهي وزاد من شكوكي أن الرجل كان على خوف من أمر ما قد يحدث، زد على ذلك كان في استقباله رئيس الجمهورية وحفنة من حزبه، ورجال غرباء لم نتعرف على وجوههم، وعندما نزل من الطائرة كانت آلا التصوير بعيدة عنه أمتار عدة، كان المشهد فعلا مربكا إلى حد ما رغم أنه كان يتظاهر بابتسامة صفراء أمام رئيس كبير في السن، وتعلو قامته وهامته جميع الموجودين، كان اللقاء سريعا جدا وسرعان ما أنهاه، شعر باختناق وكأن الشعب التونسي يلف حول رقبته حبل يريد ان يقتص من جرائمه التي قام بها في اليمن وسوريا وفي اغتيال جمال خاشقجي.
بل إن الشارع التونسي رسم لوحة الخوف أمامه ولا يريد بن سلمان أن يراها واقعا، كان يريد أن يطوي هذه الصفحة الثقيلة في تاريخه ولكنه لم يستطع، فمنذ إعلان الديوان الملكي السعودي عن الزيارة التي سيقوم بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى دول عربية ومن بينها تونس، ارتج الشارع التونسي والعربي ضد هذه الزيارة التي لا ندري ما هدفها؟ هل هو تلميع صورة ولي العهد بعد الحادثة الشنيعة التي اُرتكبت في القنصلية السعودية في إسطنبول وقتل الصحفي جمال خاشقجي بطريقة بشعة والبحث عن الدعم العربي الرسمي لقضيته؟ أو هو تقديم مساعدات مالية فورية لهذه الدول التي تعاني انهيارا اقتصاديا حتى تقوم على قدميها وخاصة البلاد التونسية مقابل أشياء لا نعلمها؟
مهما كان هدفه، فإن الشعوب العربية توقن أن الأمير محمد بن سلمان تورّط في اغتيال خاشقجي والأدلة واضحة وجلية لا تحتاج إلى شك أو تأويل، كما تورّط في عدة قضايا أخرى مثل حرب اليمن التي زعم أنها إعادةٌ للأمل بعد عاصفة سماها عاصفة الحزم، ونحن اليوم بعد أربع سنوات من الحرب أمام 14 مليون جائع أو على حافة الجوع، وأمام موت طفل كل 10 دقائق، وأمام قتل متعمد للأطفال والنساء والشيوخ، وأمام بيع القدس لليهود، وأمام اعتقال المئات من النشطاء والمفكرين والنساء في السعودية دون محاكمة، وأمام فكّ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستبدالها بهيئة الترفيه، وأمام صفقات خيالية مع ترامب وكوشنير المختفي عن الأنظار، وأمام صفقات مشبوهة بينه وبين كوشنير وهي سر دفاع أمريكا المستميت عن بن سلمان.
لا مرحبا بابن سلمان، هكذا عبّر التونسيون عن رفضهم القاطع للزيارة، ولا لتدنيس أرض الثورة بدم الشهداء الأبرار، ولا للمنشار، وكلها تعابير عن كرههم الشديد لهذه الشخصية التي اعتبروها شخصية طائشة متهورة متجبّرة ظالمة قاتلة بل وإرهابية من الطراز الرفيع، وقد صدق فيه قول أبي القاسم الشابي:
ألا أيها الظالم المستبد * حبيب الظلام عدوّ الحياةسخرت بأنّات شعب ضعيف * وكفّك مخضوبة من دماهوسرت تشوّه سحر الوجود * وتبذر شوك الأسى في رباهرويدك! لا يخدعنّك الربيع * وصحو الفضاء وضوء الصباحففي الأفق الرحب ضوء الظلام * وقصف الرعود وعصف الرياححذار فتحت الرماد اللهيب * ومن يبذر الشوك يجن الجراح
ويقول:
سيجرفك السيل، سيل الدماء * ويأكلك العاصف المشتعل
ورغم الضجّة التي حدثت على مواقع التواصل الاجتماعي وتصوير بن سلمان في أبشع صورة من القتل وتقطيع الأوصال والحرب على فلسطين، وغيرها، ورغم الاحتجاجات التي عمّت مختلف أطياف الشعب التونسي من صحفيين ومثقفين ونقابيين وحتى سياسيين والشعب كله أيضا، أصر قصر قرطاج على استقباله وتكريمه بوسام كبير، وما كان لرئيس الجمهورية أن يكرمه على جرائمه التي حلت في كل مكان ومن بينها السعودية نفسها.
هذا الرجل الذي أتى تونس، كفه مخضوبة من دماء الأبرياء في اليمن، وكفه مخضوبة من دماء جمال خاشقجي، وكفه مخضوبة من دماء الفلسطينيين الذين حرمهم من القدس عاصمة أبدية لهم وسمح للصهاينة بضربهم والاعتداء عليهم، هذا الرجل الذي يعتبر المقاومة إرهابا، وما فعله في خاشقجي ماذا يسمى في نظره؟ اعترف أخيرا بأنها جريمة شنيعة ولكنه لم يعترف أنه هو من أمر بها، وأنه هو من أرسل فريقا متخصصا للقضاء على الصوت المعارض في دقائق معدودة، وأنه هو من أمر بأن يجلب له رأسه وأجزاء من أطرافه ليكون عبرة لمن بعده، وأنه هو من يعتدي على بني جلدته رجالا ونساء في الداخل يريهم أشد العذاب حتى يثنيهم عن مواقفهم ويتنازلوا عن أموالهم ليرمي بها في سلة ترامب، وجد بن سلمان الشعب التونسي غاضبا عليه، يرفضه جملة وتفصيلا، وجد الشعب التونسي يطالب باعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية لأنه في نظر القانون مجرم حرب، وربما سيلاقي في الجزائر وموريتانيا أيضا الشيء نفسه.
ارسال التعليق