حلمها بالزعامة والقلق من تراجع الالتزام الأمريكي.. السعودية تدمر المنطقة (مترجم)
في أواخر يناير، احتفل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وابنه، نائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالذكرى الـ50 لافتتاح كلية الملك فيصل الجوية. وبهذه المناسبة، أفادت التقارير أن السعوديين أضافوا إلى أسطولهم الجوي عددا من طائرات F-15SAs التي هي جزء من صفقة بقيمة 29.4 مليار دولار وقعت أواخر عام 2011.
ورغم ضخامة الصفقة، لم تكتف السعودية. قدمت الرياض منذ عام 2014 طلبات صفقة أخرى بقيمة 30 مليار دولار من الأسلحة الأمريكية، معظمها تم طلب إمدادها بعد أن بدأ التدخل السعودي في اليمن مارس 2015
في الآونة الأخيرة، استضافت المخابرات الأمريكية نقاشا حول عما إذا العلاقة الأمريكية- السعودية تجاوزت مدة صلاحيتها. في نهاية النقاش، الذي وضع فريقين من الخبراء ضد بعضهما البعض، أقر 56% من الحضور أن السعودية يجب أن تظل حليفا استراتيجيا.
استنادا إلى مبيعات الأسلحة وحدها، المملكة بلا شك شريكا استراتيجيا – بل وحيويا – لصناعة الدفاع الأمريكية، لكن السؤال الأكثر ملائمة لهذا الحدث ربما كان “هل السعودية هي حليف كفؤ؟”.
قبل بضع سنوات، بدأت السعودية إعادة صياغة عقيدتها الدفاعية ردا على ما كان يخشاه مسؤولون في الرياض وهو ضعف الالتزام الأميركي بالأمن السعودي. أعربت المملكة طويلا عن مخاوف بشأن ما يقال في واشنطن من أن اتجاه “الانخراط” مع طهران يعود إلى عهد جورج دبليو بوش، وأن الولايات المتحدة تسعى إلى استبدال السعودية بإيران كمحور أساسي لها في منطقة الخليج.
حقيقة أن الرئيس السابق باراك أوباما لم يدعم الرئيس المصري حسني مبارك خلال ثورة 25 يناير 2011، وانه قاوم التدخل الأمريكي المباشر في الصراع الدائر في سوريا وأشار بصوت عال أن التهديد الحقيقي للأمن السعودي هو داخلي عزز فكرة الرياض أن واشنطن أصبح لا يمكن الاعتماد عليها وقد تميل لصالح إيران.
الاتفاق النووي الإيراني كان بالنسبة للسعوديين وحلفائهم في الخليج الخلاصة المنطقية لسياسة موالية لإيران يعتزمها أوباما منذ دخوله البيت الأبيض. وخلصت القيادة السعودية إلى استنتاج مفاده أنه إذا كانت الولايات المتحدة غير مستعدة لاحتواء ودحر النفوذ الإيراني في المنطقة، فالسعودية يجب أن تفعل ذلك من تلقاء نفسها.
كان هذا تغيرا دراماتيكيا للقيادة السعودية. على مدى سنوات، اعتقد السعوديون أنه يمكنهم التعويل على التعهدات الأمريكية بأن الولايات المتحدة ضامنة أمن المملكة النفطية التي يرجع تاريخها إلى الرئيس فرانكلين روزفلت. تلك الضمانات كانت، بالطبع، ذات صلة مباشرة بالنفط السعودي الذي على أساسه يكمن الاهتمام الأمريكي.
مساهمة السعودية في الحفاظ على أمنها لم تكن من خلال القوة العسكرية، على الرغم من أنها مشتري كبير للأسلحة الأمريكية. بدلا من ذلك وظفت “سياسة الريال” التي بموجبها يستخدم السعوديون عائدات صادرات النفط للضغط على الخصوم وبالتالي ضمان أمن واستقرار بلدهم.
لكن ذلك لم ينجح دائما، ولعل أفضل مثال على ذلك هو عندما قام آل سعود بتمويل الرئيس العراقي صدام حسين في حربه ضد إيران في 1980. ولكن بعد ذلك، عندما غزا صدام حسين الكويت عام 1990 وبالتالي هدد أمن السعودية، جاء فرسان الولايات المتحدة للإنقاذ.
حشد الأسلحة وإعادة صياغة العقيدة الدفاعية كانت طريقة السعودية لإظهار التصميم والقيادة الإقليمية، والأهم من ذلك، التقليل من الاعتماد على الولايات المتحدة.
بدأ هذا المسار في ربيع عام 2011 عندما أرسل السعوديون والإماراتيون 1500 جندي إلى البحرين لمساعدة العائلة المالكة الحاكمة في إنهاء الانتفاضات الشعبية، التي تقتنع السعودية أن إيران لها يد عليا فيها. كانت غزوة السعودية إلى البحرين المجاورة – من وجهة نظرها- ناجحة. عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة لم يسقط ولم تأت البلاد تحت النفوذ الإيراني.
في لبنان، كان التنافس أيضا بين السعودية وإيران على مدى سنوات، على الرغم أن طهران وحليفها، حزب الله، كانا دائما أقوى من حلفاء الرياض. ومع انشغال الإيرانيين بشكل أعمق من أي وقت مضى في الصراع السوري، أندفع السعوديون بشكل كبير في محاولة لأخذ زمام المبادرة في لبنان.
في ديسمبر 2013، أعلنت السعودية أنها تستثمر 3 مليارات دولار لإعادة تجهيز القوات المسلحة اللبنانية، في محاولة واضحة لتحويل الجيش اللبناني إلى قوة معادلة أمام حزب الله، إلى جانب جهود كبيرة لكسب موالاة شخصيات سياسية لبنانية. لكن هذا لم ينجح. ففي أوائل عام 2016، ألغت الرياض التزامها السابق بسبب إخفاق لبنان في إدانة الهجمات على السفارة السعودية في طهران.
في سوريا، لعبت السعودية دورا حاسما في محاولة إسقاط النظام السوري. بداية من عام 2012، ذكرت تقارير أن الأمير بندر بن سلطان – السفير السعودي في واشنطن – أشرف على جهود تقديم الأموال والأسلحة للمسلحين في سوريا عبر كرواتيا والأردن. وليس واضحا تماما متى انتهى هذا البرنامج أو من كانوا المستفيدين المباشرين من هذا السخاء، بالنظر لطبيعة الجماعات التي تقاتل في سوريا. وعلى الرغم من الذرائع لقيادة المنطقة ضد إيران، لم تستطع السعودية صياغة الأحداث لصالحها. وحتى هذه اللحظة، يبدو من المرجح أن الأسد سيستمر في سوريا.
ثم هناك اليمن. تدخلت السعودية في اليمن في مارس 2015 بعد أن سيطرت حركة أنصار الله على السلطة من حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي. رأت الرياض الصراع المجاور تماما كما ترى كل شيء آخر في المنطقة – من منظور صراعها مع إيران. وفي تصميم على عدم السماح لإنشاء حزب الله اليمني وتوسع النفوذ الإيراني في عقر دارها، شنت السعودية هجوما عسكريا ضد اليمن.
تدخل السعوديين في اليمن سارع وتيرة أسوأ التطورات التي كانوا يخشوها، حيث أصبحت حركة أنصار الله أقرب من أي وقت مضى للإيرانيين، ومع استمرار أمد مستنقع المعركة، هذا الصراع لديه القدرة على زعزعة أمن المملكة السعودية.
ومن المهم التأكيد على التكلفة البشرية لهذه المغامرة في اليمن، التي هي أفقر دولة في المنطقة وتتعرض للقصف السعودي على مدار ما يقرب من سنتين. ليس من المفترض للحملة الجوية أن تكون عشوائية، ولكن من المؤكد أنها تبدو على هذا النحو.
التزمت السعودية بـ 10 مليار دولار لإعادة إعمار اليمن، ولكن هذا مبلغ رمزي نظرا لحجم الكارثة الإنسانية التي تسببت فيها الرياض – وضع إنساني قاسي غير مسلط عليه الضوء وسط جميع التغطية الإعلامية للسوريين وكفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة.
تجربة السعودية مع نهج عسكري أكثر نشاطا وعدوانية في المنطقة باءت بالفشل. الخطط العسكرية غير محكمة والقوات المسلحة في المملكة غير مؤهلة بما فيه الكفاية للقيام بعمليات عسكرية معقدة. هذا هو السبب في أن الإعلان السعودي في الآونة الأخيرة أنها مستعدة لنشر قوات برية في سوريا قوبل بالسخرية.
وعلى المستوى السياسي، فشلت السعودية في تحقيق نجاح أفضل عندما سعت إلى تشكيل البيئة السياسية في المنطقة من بيروت إلى القاهرة إلى الدوحة، وتواجه المقاومة والإحباط عند كل منعطف.
حتى الآن، الخبراء في الحلقة النقاشية للاستخبارات الأمريكية كانوا على حق تماما في ضرورة استمرار التحالف الأمريكي مع السعودية، ولكن الأسباب كانت خاطئة. ليس الأمر بشأن أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تنسحب من علاقتها مع السعودية لأنها منتج رئيسي للنفط وشريك في مكافحة الإرهاب، أو لأن العلاقة الثنائية تحقق استفادة لواشنطن. رغم صحة كل ما سبق، إلا أن القضية الأكبر هي أنه إذا تم ترك السعودية إلى الخطط الخاصة بها والتصرف من تلقاء نفسها، فإنها ستزرع المزيد من الفوضى في الشرق الأوسط.
ترجمة : شيماء محمد
ارسال التعليق