خبير اقتصادي: ميزانية المملكة 2021 غير منطقية وتجاهلت خدمة المواطن
التغيير
كشأن كل اقتصاديات دول العالم، تأثر الاقتصاد في المملكة في 2020 بالتداعيات السلبية لجائحة كورونا. تعبر عن ذلك أرقام البيان التمهيدي لميزانية 2021 الذي صدر مؤخرًا عن وزارة المالية في المملكة.
والبيان التمهيدي هو بيان أولي، بالإمكان أن بتم تبديله وتغييره قبل أن تصدر الميزانية بشكل نهائي في ديسمبر من العام الجاري.
وتراهن تقديرات أداء اقتصاد المملكة 2021 التي تضمنها البيان التمهيدي على تحسن أداء الاقتصاد العالمي، وعودة التعافي للنشاط الاقتصادي، وتحسن خطوط الإمداد بالسوق العالمي. ولذلك، نجد أن توقعات نمو الناتج المحلي تتحول من أداء سلبي وانكماش في 2020 إلى نمو بنحو 3.2% في 2021.
وركز البيان التمهيدي على أن أداء الاقتصاد في 2021 سوف يعمل على تحقيق مستهدفات رؤية 2030 التي يتبناها محمد بن سلمان، وذكرت مجموعة من المشروعات العامة التي تؤدي إلى دعم تحقيق هذه المستهدفات، مثل برامج الإسكان، الخصخصة وتطوير القطاع المالي.
وعَرج البيان التمهيدي على أداء الاقتصاد خلال النصف الأول من عام 2020، وكيف تحول نمو الناتج المحلي الإجمالي من ايجابي بنحو 1.3% في الربع الأول من 2020 إلى أداء سلبي بنحو 8% في نهاية يونيو 2020، بعد مرور الإجراءات الصعبة التي أدت للانكماش في كافة القطاعات الاقتصادية داخل المملكة.
لكن بشكل عام يتوقع البيان أن ينتهي 2020 بمعدلات انكماش بالناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 3.8% بعد أن كانت نتائج عام 2019 إيجابية بنحو 0.03%. اللافت للنظر أنه في ظل هذا الأداء السلبي للناتج المحلي الإجمالي، اتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات التي تزيد من حالة الانكماش، وهو اتجاه غير مفهوم.
في أوقات الانكماش تعمل الحكومة على اتخاذ إجراءات تؤدي إلى زيادة الطلب للوصول إلى حالة رواج، لكن البيان يشير إلى اتخاذ المملكة قرارًا برفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى 15% بعد أن كانت 5%، كما تم إلغاء دعم بدل غلاء المعيشة الذي اعتمدته المملكة في فترات سابقة، وزيادة الرسوم الجمركية على بعض الواردات من الخارج.
صعيد المالية العامة، يتوقع البيان أنه مع نهاية 2020 سوف تنخفض الايرادات العامة إلى 770 مليار ريال (205 مليار دولار) وتصل نسبة تراجع الإيرادات إلى 16.9% عما كانت عليه عام 2019.
بينما يتوقع للنفقات العامة أن تزيد بنهاية 2020 إلى 1068 مليار ريال، وتقدر الزيادة بنحو 48 مليار ريال، وهي زيادة طبيعية في ظل ما فرضته أزمة كورونا من إنفاق على الرعاية الصحية، وكذلك بعض البنود الاجتماعية الأخرى.
ونتيجة للخلل في إدارة الإيرادات والنفقات العامة في عام 2020 بالمملكة ، من المتوقع أن يقفز العجز بالميزانية إلى 12% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ عجز نسبته 4.5% في عام 2019، ومن المؤشرات المهمة التي اتسمت بإداء سلبي كذلك ارتفع معدلات التضخم في عام 2020 ليصل إلى 3.7% بعد أن كان 2.1% في عام 2019.
وقال عبدالحافظ الصاوي خبير وكاتب اقتصادي، إن صُناع السياسة المالية في المملكة يراهنون على عودة التعافي للاقتصاد العالمي مما يؤدي إلى تحسن معدلات النمو الاقتصادي العالمي، وبالتالي زيادة الطلب على النفط، ولذلك نجد تقديرات البيان التمهيدي لميزانية 2021 بالمملكة تذهب إلى أن يصل معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.2 بالمئة.
واستدرك الصاوي: لكن ماذا لو اتخذت الموجة الثانية من كورونا اتجاهًا تصاعديًا وأدت إلى عودة الإغلاق الكامل لبعض الاقتصاديات الكبرى؟ المفترض أن يكون هناك برنامج بديل، وسيناريو آخر لإدارة الأوضاع المالية بالمملكة ، وتظل الأزمة الاستراتيجية للاقتصاد في المملكة كما هي، وهي أنه اقتصاد نفطي.
وأضاف: ثمة زيادة منتظرة فيما يتعلق بتقديرات الإيرادات العامة للمملكة في 2021 لتقدر بنحو 846 مليار ريال، على الجانب الآخر، سوف تتراجع النفقات العامة إلى 990 مليار ريال، وهو ما يجعلنا نكرر السؤال ذاته، حول إمكانية تحقيق معدلات نمو إيجابية في الناتج المحلي ، في حين هناك توجه لتقليص النفقات العامة؟
وتابع الصاوي: إن أداء القطاع الخاص في المملكة لا يقوى على أن يعوض تراجع الإنفاق الحكومي، بل المشكلة الكبرى، أن القطاع الخاص في المملكة يعيش بشكل كبير على الإنفاق الحكومي، وإمكانية أن يقود القطاع الخاص عملية الرواج مشكوك فيها بنسبة كبيرة، وهو ما يعرض تقديرات وزارة المالية عن 2021 لتكون غير واقعية.
ومن المعلومات المثيرة للغرابة في البيان التمهيدي، أن رؤية 2030 تستهدف أن يقوم القطاع الخاص في المملكة بتحقيق نسبة تتراوح ما بين 40% – 60% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، وهو مستهدف لا يقوم عليه دليل أو شاهد من الواقع.
وتساءل: أين المواطن؟ فيما يتعلق بميزانية المملكة ، وهناك عدة جوانب، منها أين هو من المشاركة في وضع التصورات والتقديرات في ميزانية 2020، حتى تعبر عن طموحاته وآماله، وحتى يكون راض عن أدائها، ويتحمل تبعات القرارات المتخذة في إطارها.
كما تساءل الصاوي: أين المواطن في ظل الإجراءات المالية التي تزيد من الأعباء المعيشية؟ ثمة توجه لتحرير أسعار النفط بصورة تدريجية خلال الفترة القادمة كما نص على ذلك البيان التمهيدي لميزانية 2021، وكذلك تم اتخاذ إجراءات في يونيو ويوليو 2020 تؤدي إلى زيادة معدلات الضرائب، إلغاء مزايا اجتماعية مثل بدل غلاء المعيشة وخصخصة بعض مشروعات ضرورية مثل محطات المياه في بعض المناطق بالمملكة.
السؤال المهم، ماذا تقدم ميزانية 2021 للمواطن حتى يستطيع مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية القائمة؟ هذا هو السؤال الذي لا توجد له إجابة بالبيان التمهيدي لميزانية 2021.
وتشير أرقام البيان التمهيدي إلى وصول الدين العام في 2020 إلى 854 مليار ريال وأن المستهدف أن يرتفع الدين العام إلى 941 مليار ريال في 2021، وتراهن المملكة على أن تكون الأسواق الدولية أحد المصادر الرئيسة لضمان الوصول لأسواق الدين وجذب الأموال.
وعلى الرغم من أن البيان التمهيدي اشار لدور لصندوق الاستثمارات العامة، إلا أن وضع الصناديق السيادية في المملكة لازال مبهمًا ويحتاج إلى المزيد من الشفافية، فالصندوق يملك نحو 300 مليار دولار ولا يعلم له دور محدد في دعم الميزانية العامة، سواء فيما يتعلق بعوائد استثماراته أو التفكير في موارده كبديل للديون الخارجية.
في الختام: لوحظ خلال عامي 2019 و2020، أن وزارة المالية تقوم بنشر بيانات مالية ربع سنوية عن أداء الميزانية، كما تصدر البيان التمهيدي للميزانية للعام الثالث على التوالي، وهذا شئ إيجابي، وسوف يؤدي إلى تحسن وضع المملكة على مؤشر شفافية الموازنة.
وأكد الخبير الاقتصادي أن الأمر يحتاج إلى أمرين مهمين، وهما مشاركة مكونات المجتمع في المملكة في الإعداد والرقابة على الميزانية، وكذلك المزيد من الشفافية فيما يتعلق بالوضع المالي للدولة، سواء كانت تلك الأموال تدرج في الميزانية أو لها مواضع أخرى.
ارسال التعليق