خفايا قنوات الاتصالات السرية بين آل سعود و"إسرائيل".. هذا هو الدور القذر لتركي الفيصل في مقاربة وجهات النظر
التغيير
عزز الصمت الرسمي لنظام آل سعود على اتفاق التطبيع الأخير بين دولة الإمارات وإسرائيل الحديث عن خفايا قنوات الاتصالات السرية بين نظام آل سعود وإسرائيل.
وعلى مدى عقود كانت هناك تسريبات تحدثت عن قنوات خلفية رتبت العلاقات الخفية بين تل أبيب والرياض.
وقد مثلت مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة والاستراتيجية التي تدار بها هذه المصالح المحور الأبرز الذي دارت حوله أغلب العلاقات مع اسرائيل.
كما مثل صعود إيران الإسلامية في ثمانينيات القرن الماضي تهديدا مزدوجا لإسرائيل وحلفئها من آل سعود، مما سخن عددا من القنوات الخلفية وجعلها تظهر للعلن أكثر شيئا فشيئا، لكن بقيت حالة السرية تحيط الاجتماعات بين الطرفين بسبب حساسية وحراجة العلاقة مع الكيان المغتصب، خصوصا وأن آل سعود طرحوا أنفسهم في العلن كقيادة دينية للعالم الإسلامي السني ينافس إيران وقيادتها للعالم الإسلامي الشيعي في الدفاع عن المقدسات الإسلامية المنتهكة في فلسطين المحتلة.
تصاعدت وتيرة التطبيع الخفي بين آل سعود وإسرائيل مطلع الألفية الجديدة نتيجة المتغيرات التي فرضها احتلال صدام حسين للكويت وما تبعه من حرب “عاصفة الصحراء” والمتغيرات التي رسمت الوضع الجيوسياسي للشرق الأوسط.
وطرح آل سعود عام 2002 إبان عهد عبد الله بن عبد العزيز مشروعا بائسا لحل القضية الفلسطينة يتبنى تفعيل اتفاقية أوسلو عبر استراتيجية الدولتين مقابل التطبيع بين العرب وإسرائيل وضياع حقوق الفلسطينيين للأبد وقتل حق العودة، إلا ان المشروع تعثر ووضع في أدراج النسيان ووضفها شارون وقتها بأنه لا يستأهل الحبر الذي كُتب به.
في عام 2014 أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية إلى أن المستشار السابق بالديوان الملكي سعود القحطاني، ونائب رئيس الاستخبارات الأسبق أحمد العسيري، لعبا أدوارا رئيسية في الاتصالات السرية بين آل سعود وإسرائيل.
كما يمكن الإشارة إلى الجنرال السابق أنور عشقي الذي يدير الآن مركزا للدراسات الاستراتيجية في مدينة جدة، كأبرز الشخصيات الرسمية التي خاضت جولات مفاوضات تمهيدية لتطبيع العلاقات بين آل سعود و اسرائيل.
فقد لعب أنور عشقي أدوارا غير خافية على الإعلام في مجال التطبيع، إذ التقى في 4 حزيران/يونيو 2015 مع مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد، لمناقشة فرص التعاون بين إسرائيل وآل سعود بخصوص مواجهة إيران تزامنا مع توقيع الاتفاق النووي بين إيران ودول (5+1) وقد طرح عشقي في هذا اللقاء خطة من سبع نقاط أوجزت رؤية آل سعود لمستقبل منطقة الشرق الأوسط.
وكان على رأس النقاط تحقيق السلام بين "إسرائيل" والدول العربية، وفي المرتبة الثانية السعي الجاد لـ “تغيير النظام في إيران” كما طرح عشقي فكرة إنشاء تحالف عسكري إقليمي عربي، كانت نتائجه اللاحقة تشكيل التحالف الذي قاده آل سعود في عدوانها على اليمن، كما تضمنت الرؤية فكرة إنشاء “دولة كردستان المستقلة” المكونة من أراضي كردستان في العراق وسوريا وتركيا وإيران.
وربما كان تركي الفيصل رئيس الاستخبارات العامة لدى آل سعود العتيد الشخصية الرسمية الأهم وأحد أفراد العائلة المالكة التي طالما ارتبط ظهوره بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي الخفي عبر مشاركته في المنتديات والملتقيات الدولية.
ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2015 عرض الفيصل “مبادرة الإستسلام العربية” التي طرحها آل سعود على "إسرائيل"، مقابل التطبيع الكامل، وفي شباط/فبراير 2016 نشرت صحيفة “ها آرتس” الإسرائيلية صورة لتركي الفيصل وهو يصافح وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعلون في مؤتمر الأمن الدولي في ميونخ، في جلسة خصصت لموضوع الشرق الأوسط، وقد تطرق فيها الوزير الإسرائيلي إلى العلاقات بين إسرائيل و آل سعود وتساءلت الصحيفة: “هل تقاربت العلاقات بين إسرائيل و آل سعود أكثر من أي وقت مضى؟”.
وفي المناظرة التي نظمها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في حزيران/يونيو 2016 أجرى تركي الفيصل مناظرة مع الجنرال الإسرائيلي يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لحكومة بنيامين نتنياهو، وابتدأت المحاورة بمصافحة على منصة الندوة.
ثم طرح الجنرال رؤيته للتطبيع بين آل سعود و الكيان الإسرائيلي وأهميته الاستراتيجية للمنطقة، بينما عبر الفيصل عن تمسكه برؤية دولته التي تعتبر حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر قيام الدولتين خطوة أولى يجب أن تسبقها خطوات تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعرب.
ونشرت وزيرة خارجية الإحتلال الإسرائيلي السابقة تسيبي ليفني، في كانون الثاني/يناير2017 عبر حسابها الرسمي على “تويتر” صورة تجمعها مع تركي الفيصل، خلال تواجدهما معا في المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في مدينة دافوس بسويسرا.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2017 كشف الناشط اليهودي جيفري ستيرن، عن مشاركة تركي الفيصل، في لقاء عقد بولاية نيويورك، جنبا إلى جنب مع مسؤول الاستخبارات الإسرائيلي السابق إفرايم هاليفي.
الضغوط الأمريكية
يبدو إن ادارة ترامب تمارس ضغطا واضحا على آل سعود، وتحديدا على رجلها في المملكة، محمد بن سلمان لدفعه باتجاه الإسراع باتخاذ خطوات إعلان تطبيع العلاقات مع الكيان المحتل.
إذ حث جاريد كوشنر مستشار الرئيس ترامب والذي تربطه علاقات مميزة مع بن سلمان، حث آل سعود على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، معتبرا أنّ هذه الخطوة ستصب في صالح اقتصاد ودفاع آل سعود، وستساهم في الحد من قوة إيران في المنطقة حسب زعمه.
وأكد كوشنر في تصريحات صحافية أن الملك سلمان بن عبد العزيز ومحمد بن سلمان أبلغاه بأنهما يريدان رؤية دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب فرص اقتصادية للفلسطينيين.
وقال كوشنر عن احتمال تطبيع العلاقات بين آل سعود وإسرائيل “سيكون أمرا مفيدا جدا للأعمال و الاقتصادي في مملكة آل سعود، وسيكون مفيدا جدا لقطاع الدفاع ايضاً”.
من جانبه صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين لمجلة “نيوزويك” الأميركية قائلا؛ “إن مملكة آل سعود ربما تكون الدولة التالية التي ستطبّع علاقاتها مع إسرائيل بعدما أقدمت على ذلك الإمارات الأسبوع الماضي”.
كما أشار أوبراين في حواره مع قناة “CNBC” إلى؛ “وجود توجه في المنطقة لإقامة علاقات مع إسرائيل” مشيرا في هذا الصدد إلى أنه “يعتقد أن تطبيع الإمارات مع إسرائيل أحدث زخما قد يدفع بعض الأطراف الأخرى للانضمام إلى الإمارات وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل”.
وأضاف؛ “وقد تحدثت أنا عبر الهاتف إلى بعض زعماء المنطقة كما فعل ذلك الرئيس دونالد ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، فضلا عن وزير الخارجية مايك بومبيو، فنحن نأمل أن نتمكن من البناء على هذا الزخم” على حد تعبيره.
إلا إن موقف آل سعود الرسمي بدا أكثر تحفظا تجاه خطوة الإسراع في التطبيع مع إسرائيل، إذ أعلن فيصل بن فرحان آل سعود وزير الخارجية خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الألماني هايكو ماس في برلين؛ إن “ مملكة آل سعود تؤكد التزامها بالسلام خيارا استراتيجيا، واستناده على مبادرات السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية”. وأضاف”حين يتحقق ذلك، تصبح كل الأمور ممكنة”.
إلا إن المراقبين يرون أن البوابة التي فتحها محمد بن زايد في أبو ظبي سيكون لها دورا كبيرا في التعاملات المستقبلية بين إسرائيل و آل سعود، وربما سيتأخر افتتاح سفارة إسرائيلية في الرياض لمدة زمنية، لكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال عدم تطور علاقات التعاون التسليحي والاقتصادي بين آل سعود وإسرائيل.
وفي هذا السياق تتم الإشارة إلى استراتيجية محمد بن سلمان المعروفة باسم “رؤية 2030” ومحورها الأهم مشروع “نيوم” الذي سيمثل بوابة لدخول إسرائيل لعالم التطبيع مع محيطها العربي.
وقد أشار وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهن في حواره مع صحيفة “ايلاف” الإلكترونية في حزيران/يونيو 2020 إلى؛ “أن هناك ثمة كلاما متبادلا بين إسرائيل و آل سعود، فهناك الكنوز الطبيعية الكثيرة وإسرائيل رائدة في العالم في المجال التقني، وهذا يمكننا من أن نكون شركاء أقوياء في المنطقة” وفي التأكيد على ما يبدو على مشاركة إسرائيل وتعاونها في مشروع “نيوم”.
وتابع كوهن حديثه للصحيفة واصفا المشروع بأنه؛ “عظيم جدا ولإسرائيل خبرة وتقنيات هي الأكثر تطورا والرائدة في العالم في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي”.
والمحصلة النهائية عدم الحاجة إلى إعلانات رسمية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل و آل سعود في الوقت الحالي منعا لإحراج حكام الرياض وحفاظا على ما تبقى من ماء الوجه، لذلك تم تبني أطروحة ربط تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل بحل القضية الفلسطينية عبر تنفيذ استراتيجية حل الدولتين الذي يضمن حقوق الفلسطينيين في دولة ذات سيادة، لكن لا مانع من أن تتم كل الصفقات المقبلة بين الرياض وتل أبيب عبر بوابة أبو ظبي حتى يحين الموعد المناسب لإعلان التطبيع الرسمي.
ارسال التعليق