خيبات محمد بن سلمان الاقتصادية
بقلم: عبدالهادي خلف / كاتب بحريني...
في بداية هذا الشهر، خفضت "وكالة موديز للتصنيف الائتماني" تصنيف السعودية من مستقر إلى سلبي. وأرجعت الوكالة ذلك التخفيض إلى ارتفاع المخاطر المالية التي تواجهها السعودية، بسبب انهيار أسعار النفط، والغموض بشأن قدرة الحكومة على تعويض خسائر عائدات النفط، واستقرار ديونها على المدى المتوسط. ربطت الوكالة هذا التصنيف السلبي بأمرين:
- أولهما المخاطر التي تحيط بالأوضاع المالية السعودية جراء تزامن الهزة الناجمة عن انخفاض الطلب على النفط وتدهور أسعاره مع تداعيات جائحة كورونا.
- ثانيهما الشك في قدرة الحكومة السعودية على معالجة تداعيات خسائرها في سوق النفط وعجزها عن ضبط أعباء ديونها.
يضيف تقرير وكالة "موديز" الأخير خطوطاً حالكة إلى الصورة المظلمة التي يتداولها دارسو الوضع الاقتصادي السعودي. وهو وضعٌ تدفعه عوامل كثيرة، منها سوء الإدارة والارتهان إلى الخارج، نحو أزمة اقتصادية لم تعهدها البلاد منذ دخولها عصر النفط.
فقرار السعودية الأخير بالالتزام بخفض إنتاجها من النفط يعني - حسب تقديرات متفائلة - أن عوائدها ستنخفض بنسبة 33% في هذه السنة، وبنسبة 25% في السنة القادمة مقارنة بعائداتها النفطية في 2019.
سيتبع ذلك انخفاض إجمالي الناتج القومي، وتسارع إنكماش عوائد قطاعات الإنتاج غير النفطية التي يعتمد نشاطها ونموها في السعودية، كما في بقية بلدان الخليج، على الإنفاق الحكومي.
"إجراءات صارمة... شديدة ومؤلمة لكنها ضرورية"
في الثاني من هذا الشهر (مايو/أيار) أعلن وزير المالية السعودي أن حكومته "ستتخذ إجراءات صارمة جداً، وأن هذه الإجراءات قد تكون مؤلمة". فالسعودية، حسب الوزير، تواجه أزمة لم تواجهها من قبل. فإيراداتها النفطية انخفضت إلى النصف، ويتوجب عليها أن تقوم بتخفيض نفقاتها.
وكان الوزير قد أعلن في تصريح سابق عن خفض ميزانية العام الحالي بمقدار 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار)، أي ما يمثل 5% من ميزانية الإنفاق العام. لم يحدد الوزير نوعية وتفاصيل تلك الإجراءات الصارمة والمؤلمة، إلا أنه أشار، دون تفاصيل، إلى تخفيض شديد في بند النفقات في الميزانية.
اعتمدت السلطات السعودية تقليدياً على ثلاثة مصادر تمويل أساسية لتعويض النقص في عوائد النفط جراء تقلبات السوق. وهذه المصادر هي الاستدانة، والسحب من الاحتياطي، وخفض الإنفاق الحكومي في انتظار عودة عوائد النفط إلى الارتفاع.
ويبدو أن السلطات هناك تتصرف كما تصرفت في السابق، دون أن تأخذ بعين الاعتبار أن وضع السعودية الآن ليس كوضعها السابق.
ستأتي الإجراءات "الشديدة والمؤلمة" التي ستتخذها الحكومة السعودية منسجمة مع السياسة الاقتصادية التي اعتمدها محمد بن سلمان منذ وصوله إلى السلطة. إلا أنها لن تؤدي إلى معالجة مكامن الخلل البنيوية في الاقتصادالسعودي. بل هي قد تفاقم تداعيات ذلك الخلل وتزيد من معاناة الناس.
يستسهل وزير المالية وغيره من المسؤولين السعوديين تبرير اللجوء إلى فرض إجراءات شديدة ومؤلمة، كما يستسهلون دعوة الناس إلى شد الأحزمة، بالإشارة إلى"الظروف الاقتصادية والعالمية الناتجة عن تبعات تفشي الوباء العالمي كوفيد–19 وانخفاض سعر النفط".
وبهذا يتحاشون التعاطي مع الواقع، ومعالجة أخطاء السياسة الاقتصادية المعتمدة وتخبطها. ولعل آخر تلك الأخطاء القراراتُ التي أشعلت النزاع المدمر في سوق النفط، ودور السعودية، وبخاصة محمد بن سلمان، في تأجيج ذلك النزاع الذي أدى إلى إغراق سوق النفط وتدني سعره وانخفاض عوائده.
لقد كان ذلك النزاع مقامرة وحماقة في آن. فلم تحقق السعودية أهدافها السياسية من قراريها في 8/3/2020 برفع إنتاجها النفطي إلى أكثر من 12 مليون برميل يومياً، وإعطاء حسومات معتبرة لزبائنها في سوق النفط. لقد غامرت السعودية وخسرت كما خسر غيرها من منتجي النفط.
إلا أن خسائرها أكبر بكثير من خسائر غيرها بحكم أنها أكثر أعضاء "الأوبك" إنتاجاً وتصديراً للنفط. وتتفاقم آثار تلك الخسائر في السعودية بسبب أن عائدات النفط هي موردها المالي الرئيس. فلقد كانت تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار ينخفض من سعر برميل النفط، فما بالك حين ينخفض سعر البرميل من 80 دولاراً فما فوق إلى 20 دولاراً فما دون.
مضاعفة الدين واستنزاف الصندوق السيادي
لقد تضاعفت ديون السعودية في السنوات الأربع الماضية، أي منذ بداية تولي محمد بن سلمان ولاية العهد. ففي 2016 كانت ديون السعودية في حدود 23 مليار دولار أمريكي. وفي 2019 بلغ إجمالي الديون المستحقة على الحكومة السعودية 149 مليار دولار، نصفها ديون خارجية.
وسيستمر هذا التوجه في 2020 طبقاً لمصادر وزارة المالية السعودية، التي تشير إلى استدانة ما قد يزيد على خمسين مليار دولار إضافية. علاوة على ذلك، تعتمد السياسة المالية السعودية على اللجوء أيضاً إلى السحب من الاحتياطيات المالية المتمثلة في الصناديق السيادية.
أهم صناديق الثروة السعودية هو "صندوق الاستثمارات العامة" الذي أصبح أحد الأذرع التنفيذية، التي وضع محمد بن سلمان يده عليها مباشرة بعد وصوله إلى ولاية العهد. سارت الأمور في البداية بشكل إيجابي. فلقد خطط الصندوق لنمو سنوي ليصل إلى 400 مليار دولار بحلول عام 2020.
وبالفعل ازدادت أصول الصندوق خلال سنتين (ديسمبر/كانون الأول 2015 وسبتمبر/أيلول 2017). إلا أن تلك الصورة الزاهية والمبشرة بالخير كانت مضللة في الوقت نفسه. إذ لم تشكل أرباح الاستثمارات التي يديرها الصندوق سوى جزءٍ محدودٍ من نموه.
بل كان نموه ذاك معتمداً بالأساس على ضخ رأس المال من قبل الحكومة إلى الصندوق وتحويل بعض الأصول الحكومية إليه. ولهذا أصبح الصندوق حسب دراسة الباحث الألماني ستيفان رول "صندوق ثروة سيادي خاص بالأمير".
فبدلاً من أن يقوم بما يُفترض بالصناديق السيادية أن تقوم به كاحتياطي للأجيال القادمة، وكأداة لتحريك مشروعات التنمية الاستراتيجية، وكأداةللاستثمار، أصبح خزنة خاصة يستطيع محمد بن سلمان أن يسحب منها ما يشاء لتغطية احتياجات طارئة.
ولهذا لم يستغرب أحدٌ في الإعلام السعودي حين كشف وزير المالية أن الحكومة السعودية سحبت تريليون ريال (أي ما يزيد على 266 مليار دولار) من احتياطي الصناديق السيادية خلالالسنوات الأربع الماضية.
ارسال التعليق