درْس الاستحماق السعودي: كيف تخسر حرباً؟
لقمان عبدالله-الاخبار اللبنانية
ستُّ سنوات من الحرب على اليمن، انتهت إلى كارثة ستلقي بتداعياتها، طويلاً، على مستقبل السعودية وصورتها. دخلت المملكة الحرب في غياب خطّة متكاملة الأركان، وها هي تبحث عن مخرج يحفظ لها ماء وجهها، بعدما فشلت في تحقيق أيٍّ من أهدافها المعلنَة وغير المعلَنة. وذلك عاملٌ رئيس يضاف إليه غياب العقيدة العسكرية، والخواء المعلوماتي والاستخباري عن حجم قدرات «العدو» وتقدير قوّته. هذه العوامل مجتمعةً أسهمت، بصورة مباشرة، في انتصار اليمن في حربٍ ستحفر ندوباً عميقة في وجه أمراء آل سعود، وتطيح مقولة التفوّق النوعي للسعودية، فضلاً عن كونها ستؤثّر سلباً على «ريادتها» في الجزيرة العربية.لعلّ الاستعلاء، وهو سِمةٌ سعودية متأصّلة، منَع المخطِّطين للحرب - إن وجدوا - من رؤية «أنصار الله» كمنظّمة تتوافر فيها عناصر النجاح والانتصار، لكونها تمتلك العقيدة الإيمانية، والقضية العادلة، والإرادة الصلبة، والمثابرة والتخطيط، وتحديد الأهداف، والمهارة في استخدام الأسلحة المناسبة، وتطويع التضاريس المتنوّعة والمعقّدة، والبراعة في اعتماد تكتيكات قتالية، غير تلك التي اعتادتها الجيوش الخليجية، ومَن يشرف على هيكلياتها وتدريبها وتسلحيها. في المقابل، فُرضت على الجيش السعودي، وجمع كبير من جيوش دول «التحالف»، منازلة مع القوات العسكرية اليمنية، في الوقت الذي كانت فيه بنوك معلومات تلك الجيوش وخزائنها الاستخبارية والمعلوماتية خالية من البيانات الضرورية لخوض الحرب. وبناءً على ذلك، شُنَّت الحرب وفق أساليب وطرائق قتال لا تتوافق واستراتيجيات الجيوش الخليجية، ولا تتلاءم مع كفاءة وتدريب وروحية الأفراد القائمة على الراحة ووفرة المستلزمات الشخصية والعسكرية، ما أدى إلى تَعطُّل قدراتهم وإمكاناتهم، وأفقدهم فعالية عنصرَي التفوُّق الجوي والتفوُّق التكنولوجي اللذين لطالما اعتدّوا بهما. وتبيَّن لاحقاً أن معظم ما يملكه السعوديون من معلومات، يحصلون عليه من خلال المشاركة الأميركية والغربية الاستخبارية في الحرب، وأغلبها صور جوية للأقمار الاصطناعية والطائرات المسيَّرة، تعتبر فعّالة على الجبهات من دون شك، لكنها غير كافية لتحقيق الغلَبة.أظهرت الوقائع لاحقاً أن العمل الاستعلامي السعودي أقرب ما يكون إلى فعل الهواة منه إلى عمل الاستخبارات. ومجدَّداً، نشطت الاستخبارات الأميركية والبريطانية في عملية التجنيد البشري للتعويض عن النقص الحاصل، متّخذة من مطار الغيضة في محافظة المهرة مقرّاً لها. وعلى رغم ذلك، ظهرت عاجزة عن تقديم أجوبة عن العدّة العسكرية، والإعداد، بمعنى كيف تنظم قوّات صنعاء نفسها، وكيف بمقدورها أن تُحوّل تلك الأسلحة والذخائر إلى درجة من الفعالية والجودة والتأثير. وكان من نتائج ذلك الخواء الاستخباري، أيضاً، أن نجحت «أنصار الله» في الصمود لسنوات طويلة أمام أغنى دولة في الشرق الأوسط، يُصنَّف جيشها من بين الأفضل تسليحاً في العالم. خواءٌ برهن أن التفوّق التكنولوجي وحده، على رغم أهميّته الكبيرة، لن يُربّح السعودية الحرب، بينما تواجه معضلة غياب عقيدة عسكرية مبنيّة على أساس متطلّبات الدولة والتهديدات الخارجية التي تواجهها، فضلاً عن تراجُع الحافزية القتالية للجندي السعودي، وهو ما مكَّن الحركة من تحييد الفارق التكنولوجي الكبير الذي كان مختلّاً لغير مصلحتها، إلى جانب براعتها في صناعة المقاتل الفرد، والتي أدهشت المحلّلين والمهتمّين والمراقبين، الذين يتوقّعون أن تُدرَّس تكتيكات «أنصار الله» العسكرية، وخصوصاً دمجهم بين الطرق والنظم التكتيكية الكلاسيكية، والأخرى غير المُنظَّمة، والتي تُسمَّى بحرب العصابات.
ربّما أدرك السعوديون حقيقة عجزهم عن المبادرة أمام الصمود اليمني وانتقاله إلى مرحلة المبادرة والهجوم والوقوف أمام أعتى دول المنطقة، المدعومة سياسياً وعسكرياً من الغرب، بعدما تمكّنت «أنصار الله» من خلْق معادلات ردع جديدة بين ضفّتَي الجزيرة العربية، من خلال توجيه ضربات مؤلمة للعمق السعودي وتهديد منظومته النفطية المتمثّلة في منشآت «أرامكو»، درّة اقتصاده، ونجحت في استهداف مطاراته وإيقاف الرحلات فيها لساعات. ومن شأن ذلك أن يخلّف تداعيات مُقلقة، وأن يطيح كلّ إنجازات السعودية لعقود، فضلاً عن أنه يسيء إلى سمعتها ومكانتها وحضورها، ويرسم صورة قاتمة لمستقبلها.حين اندلعت الحرب، كانت السعودية تتمتّع بتفوُّق عسكري ساحق على المستوى الجوي، فيما أدّت الظروف السياسية المتواطئة معها، من قِبَل معظم الدول العربية والغربية، إلى توفير الغطاء لمجازرها واستباحتها لكلّ نواحي الحياة في اليمن. مع ذلك، فإن حماقاتها الاستراتيجية وعيوبها العملياتيّة التي استمرّت طوال الحرب، أظهرت فشلاً واضحاً، وغيَّبت عناصر الحسم، حتّى باتت تتلمَّس الأبعاد الكارثية لحربها.
ارسال التعليق