دول الخليج وحرب غزة.. 3 مواقف متباينة من إسرائيل
سلط الزميل غير مقيم في المركز العربي بواشنطن، كريستيان كوتس أولريشسن، الضوء على مواقف دول الخليج العربية من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مشيرا إلى تباين تلك المواقف بناء على تصورات ومصالح متباينة.
وذكر أولريشسن، في تحليل نشره بموقع المركز وترجمه "الخليج الجديد"، أن الحرب على غزة أعادت مركزية القضية الفلسطينية في السياسة الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط، إذ أن كلا من عدد القتلى والكارثة الإنسانية المتكشفة تجعل من صراع 2023 أخطر اندلاع للقتال في الساحة الإسرائيلية الفلسطينية منذ عقود.
وأضاف أن حجم هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول كان سبباً في تغيير جذري للخطاب في إسرائيل فيما يتصل بالقضايا الفلسطينية على نحو من المرجح أن يستمر لسنوات قادمة.
وفي المقابل، برزت مخاوف بشأن احتمال حدوث تهجير جماعي للفلسطينيين من غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية وزيادة كبيرة في أعمال العنف ضد المجتمعات المحلية في الضفة الغربية المحتلة.
واختبرت الحرب على غزة إلى أقصى حد نهج التطبيع العربي مع إسرائيل، والذي توج في اتفاقيات إبراهيم لعام 2020 وسعي إدارة بايدن للتوصل إلى صفقة سعودية إسرائيلية.
وفي حين جرى احتواء نطاق الصراع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة والمناوشات التكتيكية على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ولم يتخذ حتى الآن بعداً إقليمياً، فقد كان للحرب بالفعل تأثير على العلاقات الأوسع بين دول الخليج وإسرائيل.
ويشير أولريشسن، في هذا الصدد، إلى أن دول الخليج لم يكن لها موقف واحد تجاه إسرائيل أو فلسطين، فالكويت مثلا ترفض إقامة أي علاقة مع الدولة العبرية، فيما تتبنى دول مثل: السعودية وقطر وسلطنة عمان نهج "التعايش العملي" معها، فيما تتبنى الإمارات العربية المتحدة والبحرين نهج تطبيع العلاقات الكامل.
ورددت التصريحات الأولية لحكومات الخليج هذه المواقف ردا على عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، إذ أدانت الإمارات والبحرين حماس، في حين ركزت الدول الأربع الأخرى، بما فيها السعودية، على الاحتلال الإسرائيلي باعتباره المسؤول عن التصعيد.
وتطورت مواقف دول مجلس التعاون الخليجي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفقاً للتطورات على الأرض، وتصلبت المواقف القطرية مع اشتداد القصف الإسرائيلي على قطاع غزة للشهر الثاني، وانحاز مجموع المواقف تدريجياً لصالح دعم وقف إطلاق النار.
وفي هذا الإطار، استفاد السعوديون من قوتهم في العالمين العربي والإسلامي، وعملت الإمارات العربية المتحدة من خلال وجودها كعضو غير مصوت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وركزت قطر على الوساطة مع حماس.
أما الدول الثلاث الأخرى: البحرين والكويت وعمان، فلها مواقف أقل أهمية، على الرغم من أنه يتعين على جميع المسؤولين في جميع أنحاء الخليج الموازنة بين المواقف السياسية وبين الاستجابة لمستويات عالية من الغضب العام بشأن الوضع في غزة.
واتخذت القيادة السعودية موقفا أكثر صرامة في انتقاد إسرائيل بأكثر مما توقعه المراقبون والمدافعون عن احتمالات التطبيع السعودي الإسرائيلي.
فقد كانت "طوفان الأقصى" بعد أقل من 3 أسابيع على مقابلة ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، مع قناة فوكس نيوز، التي قال فيها عن التطبيع مع إسرائيل: "في كل يوم نقترب"، واصفا الاتفاق بأنه سيكون "أكبر صفقة تاريخية منذ نهاية الباردة".
وفي أعقاب أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، سعت القيادة السعودية إلى قيادة استجابة عربية وإسلامية جماعية من خلال تنظيم اجتماع طارئ لدول منظمة المؤتمر الإسلامي بمدينة جدة في 18 أكتوبر/تشرين الأول، وقمة مشتركة بين جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي في الرياض يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول.
وسلطت الانقسامات داخل جامعة الدول العربية وبين دول منظمة التعاون الإسلامي (والتي أوضحت سبب دمج القمتين المنفصلتين المخطط لهما في البداية في قمة واحدة) الضوء على الافتقار إلى الإجماع على مستوى المنطقة حول المدى الذي يمكن الذهاب إليه في التراجع عن التطبيع مع إسرائيل وفرض تدابير عقابية ضدها.
ومهما كانت خلافاتها الإقليمية حول التطبيع، لم تشكل أي من دول الخليج جزءًا من المعسكر "الراديكالي" في القمة، المؤلف من إيران وسوريا ولبنان والجزائر، أو اقتربت من مستوى تصريحات القادة الليبيين والأتراك.
ولم تتبن السعودية ولا الإمارات العربية المتحدة المطالب باتخاذ إجراءات صارمة تجه إسرائيل، حتى مع اعتماد المسؤولين لغة أكثر صرامة في انتقادهم للإجراءات الإسرائيلية، ولم يتم تناول قضايا مثل المساعدات وإعادة الإعمار والتعافي أو المشاركة في أي ترتيبات لمرحلة ما بعد الصراع في غزة.
وتتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بقوة من نوع مختلف بفضل وجودها في مجلس الأمن، الذي سينتهي في 31 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وقدم المسؤولون الإسرائيليون دعمًا استخباراتيًا للإمارات في أعقاب هجمات الحوثيين على أبوظبي في أوائل عام 2022، على عكس الغضب الذي أظهره القادة الإماراتيون تجاه ما شعروا أنه رد أمريكي باهت ومتأخر.
ويفسر القلق بشأن فك الارتباط الأمريكي الملحوظ من الشرق الأوسط والرغبة في تنويع وتوسيع الشراكات الأمنية والدفاعية والسياسية والاقتصادية، سبب محافظة المسؤولين في الإمارات العربية المتحدة، حتى الآن، على اتفاقيات إبراهيم وعلاقة طويلة الأمد مع إسرائيل.
ووجد المسؤولون القطريون أنفسهم في موقف مختلف بشكل ملحوظ، إذ أصبحت الدوحة قلب المفاوضات الدبلوماسية لتأمين إطلاق سراح أكثر من 200 أسير احتجزتهم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وتضع المادة 7 من دستور قطر لعام 2003 "تسوية النزاعات الدولية" في قلب السياسة الخارجية للدولة، وعلى مدى عقدين من الزمن، قام المسؤولون القطريون بدور الوسطاء الذين يربطون بين الأطراف التي لا تستطيع أو لا ترغب في التفاوض بشكل مباشر.
وكان دور قطر محوريا في اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين إسرائيل وحماس والذي بموجبه سيتم إطلاق سراح السجناء الإسرائيليين والفلسطينيين ودخول هدنة حيز التنفيذ لمدة 4 أيام.
كما كانت الوساطة القطرية بارزة في الحرب الإسرائيلية التي استمرت 50 يوما على غزة في صيف عام 2014 عندما تعامل الدبلوماسيون القطريون على نطاق واسع مع المسؤولين الأمريكيين والأتراك وحماس خلال الصراع.
ويقيم وفد من قادة حماس السياسيين في الدوحة، بموافقة الولايات المتحدة، منذ عام 2012، عندما انتقلوا من دمشق في المراحل الأولى من الحرب الأهلية السورية. وكان وجودهم في الدوحة موضوع جولات مكثفة من الاجتماعات القطرية مع مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين.
وإزاء ذلك، يلفت أولريشسن إلى أن دول الخليج تواجه تحديات متعددة في ظل المضي قدمًا في تعاملها مع غزة، إذ قد يكون القادة السياسيون متحفظين في الانفصال علنًا عن إسرائيل على أعلى المستويات، ويجب عليهم، في الوقت ذاته، أن يستجيبوا لغضب الجماهير المتزايد.
وفي هذا الإطار، يقرأ أولريشسن إصدار مجلس النواب البحريني بيانًا مفاده أن المملكة قطعت علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل، وهو ما كان بمثابة أول انسحاب من اتفاقيات إبراهيم الموقعة في عام 2020.
ورغم تراجع الحكومة البحرينية عن مضمون البيان لاحقا، إلا أن ذلك سجل مؤشراً على عمق الغضب الذي يتعين على القادة في الخليج مراعاته عندما يفكرون في الخطوات التالية، خاصة في البحرين التي تتمتع بساحة سياسية داخلية أكثر حيوية وإثارة للجدل مقارنة بالإمارات.
وكان الغضب والفزع العميق إزاء المعايير المزدوجة الملحوظة في ردود الفعل الغربية على إسرائيل وأوكرانيا واضحاً أيضاً في تصريحات شخصيات عامة في البلدان ذات البرلمانات الأقل نشاطاً.
فقد استخدم رئيس المخابرات السعودية السابق، تركي الفيصل، خطابا ألقاه في هيوستن في أكتوبر/تشرين الأول، لانتقاد إسرائيل وكذلك حركة حماس، كما استخدم حوار المنامة في نوفمبر/تشرين الثاني ليعلن بوضوح أن حرب غزة كشفت "النفاق والمعايير المزدوجة لأولئك الذين يزعمون أنهم حراس ما يسمونه النظام الدولي".
وفي قطر، توجهت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي، لولوة الخاطر، إلى منصة إكس لتسأل الجمهور الأمريكي: "كيف تعتقد أننا يجب أن نشعر الآن ونحن نرى رد فعلك على الإبادة الجماعية في غزة؟ أين ذهبت إنسانيتك؟".
كما أظهرت التصريحات الصادرة عن سلطنة عمان، من المسؤولين والشخصيات العامة على حد سواء، مستويات من الغضب الكبير، تبتعد عن التفضيل العماني الذي يتم قياسه عادة لإدارة الدبلوماسية الإقليمية.
وإزاء ذلك، لا يرجح أولريشسن عودة الأوضاع في الخليج إلى ما قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ لم يعد بإمكان المسؤولين الإماراتيين أو البحرينيين الحفاظ على أي ادعاء بأن قرار الاعتراف بإسرائيل دون أي تقدم ملموس في القضايا الفلسطينية جعل المنطقة أكثر أمنا واستقرارا.
ورغم أن المسؤولين السعوديين أعلنوا عن توقف مؤقت لحوارهم حول التطبيع مع إسرائيل، إلا أن تركهم الباب مفتوحاً لاستئنافه يمنح المملكة نفوذاً محتملاً في ربط عملية التطبيع بالتقدم في مسار حل القضية الفلسطينية.
فقد بات واضحا للغاية بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول وما تلاها أظهرت أن التكامل العربي الإسرائيلي لا يمكن فصله بشكل مستدام عن القضية الإسرائيلية الفلسطينية، بحسب أولريشسن، مشيرا إلى أن أسئلة ستكون مطروحة بشأن مستقبل حماس، ليس فقط من زاوية موقعها ودورها، ولكن أيضاً فيما يتعلق بموقع مكتبها السياسي في الدوحة.
وهنا يلفت أولريشسن إلى أن الأدلة المستمدة من صراعات أخرى، مثل ذلك الذي جرى في أيرلندا الشمالية بتسعينيات القرن الماضي، إلى فائدة الحفاظ على قنوات الاتصال مع الأجنحة السياسية للحركات المسلحة، مشيرا إلى أن الحوار مع ممثلي حماس في الدوحة بشأن إطلاق سراح الأسرى لن يكون ممكناً إذا عادت الحركة إلى سوريا أو انتقلت إلى دولة مثل إيران.
وأضاف أن ما سيحدث بعد ذلك مع القيادة السياسية لحماس سيكون واحداً من قضايا "اليوم التالي" لحرب غزة، التي يجب أخذها في الاعتبار، خاصة إذا تقرر أن ممثلي الحركة في الدوحة أصبحوا مكبلين بقرار من وصفهم بالمسلحين المتشددين في غزة.
وأشار إلى أن ديناميكية مماثلة، إلى حد كبير، تكشفت في أفغانستان بعد سقوط كابول في عام 2021 عندما أصبح من الواضح أن ممثلي طالبان الذين كانوا متمركزين في الدوحة لم يكن لهم تأثير على الحركة في الداخل.
ولفت أولريشسن أيضا إلى أن التأثير طويل المدى للحرب في غزة، والانزعاج في العواصم الإقليمية بشأن موقف بايدن والبيت الأبيض منها، قد يكون سببا في تسريع تعدد الأقطاب في علاقات دول الخليج الدولية، خاصة بعدما انضم وزير الخارجية السعودي إلى نظرائه من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وإندونيسيا، بالإضافة إلى رئيس منظمة التعاون الإسلامي، في اجتماع مع وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، في بكين في 20 نوفمبر/تشرين الثاني.
كما تلقت السعودية والإمارات دعوات لحضور قمة افتراضية لقادة بريكس في 21 نوفمبر/تشرين الثاني قبل الانضمام إلى مجموعة "بريكس+" الأكبر في عام 2024.
ويخلص أولريشسن إلى أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت المشاركة الأكبر في مثل هذه المبادرات متعددة الأطراف ستؤدي إلى نتائج جوهرية، لكن المؤكد أن دول مجلس التعاون الخليجي مستعدة لتوسيع دائرة المؤثرين على الساحة العالمية بما يتجاوز علاقاتها التقليدية للولايات المتحدة.
ارسال التعليق