سلمان و"الإسلام المعتدل".. محاولة لتشويه الدين وتحقيق مآرب شيطانية
تضمنت كلمة "سلمان بن عبد العزيز" التي ألقاها قبل ایام(13/12/2017) في ما یسمى"مجلس الشورى" مقاطع حول ما أسماه "الإسلام المعتدل" قائلاً: "رسالتنا للجميع أنه لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً ويستغل عقيدتنا السمحاء لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال واستغلال يسر الدين لتحقيق أهدافه، وسنحاسب كل من يتجاوز ذلك".
فماذا أراد سلمان بـ"الإسلام المعتدل" وما هي التداعيات التي يمكن أن تترتب على هذه المقولة؟ خصوصاً وأن البلاد تمر بظروف متأزمة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب أزماتها الخارجية وفي مقدمتها الحرب ضد اليمن والتورط بدعم الإرهاب والتطرف في المنطقة والعالم، وهو أمر موثق بالأدلة والبراهين وقد واجه انتقادات شديدة من منظمات حقوقية وقانونية إقليمية ودولية بل حتد من حلفاء الرياض.
قبل الدخول في تفاصيل هذا الموضوع لابدّ من الإشارة إلى أن مصطلح "الإسلام المعتدل" قد كثر تداوله في البلاد في الآونة الأخيرة لاسيّما على لسان "محمد بن سلمان" في وقت يسعى فيه لتعزيز سلطته، وتهميش دور رجال الدين الذين فشلوا في دعمه - بحسب وصفه - في إشارة إلى أنهم رفضوا تقديم الولاء المطلق له.
ومن أبرز الخطوات التي سعى بن سلمان لتمريرها في هذا المجال فكّ الارتباط بين رجال الدين المحافظين وآل سعود، وقصّ أجنحة الشرطة الدينية المعروفة بـ"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" كونها لا تتماشى مع الحكم القائم في المملكة، و إعادة فتح دور السينما، وإقامة حفلات غنائية في دور الموسيقى بالرياض وعرضها على شاشة "القناة الثقافية" الرسمية.
إذن هكذا يعرّف آل سعود "الإسلام المعتدل" بعد عقود من تبني النهج الوهابي المتزمت الذي يبيح تكفير وقتل الآخرين لمجرد الاختلاف في الرأي، بفتاوى أطلقها شيوخ الوهابية وراح ضحيتها الكثير من الأبرياء في داخل المملكة وخارجها دون ذنب سوى عدم إيمانهم بهذا الفكر المتطرف.
وينبغي التذكير بأن السعودية تدرك تماماً بأن الشعوب والدول الإسلامية ترفض الفكر الوهابي، وقد تجلى ذلك في مؤتمر علماء أهل السنّة الذي عقد بالعاصمة الشيشانية "غروزني" في آب/أغسطس 2016 وأكد فيه المشاركون عدم اعترافهم بالوهابية كمذهب إسلامي.
ولم يكتفِ المؤتمر الذي حضره شيخ الأزهر "أحمد الطيب" وأكثر من مئتي عالم مسلم من مختلف أنحاء العالم باستبعاد الوهابية من السنّة والجماعة؛ بل حمّلها مسؤولية تشويه الإسلام وتقديمه بصورة سيئة من خلال نشر التطرف ودعم التنظيمات الإرهابية كـ "داعش" و"القاعدة" في المنطقة والعالم.
وبالعودة إلى كلام سلمان أمام مجلس الشورى "غير المنتخب" حول "الإسلام المعتدل" يمكن الاستنتاج بأن هذا الكلام ستكون له تداعيات خطرة على المجتمع وقد يتعداه إلى مجتمعات أخرى بفعل عوامل متعددة منها قيام المبلغين الوهابيين بالترويج لهذا النوع من الإسلام - إن صح التعبير- وتخصيص أموال طائلة لشراء الذمم وتكريس ما يريده الملك سلمان وابنه محمد والمقربون منهم في هذا المجال.
وتضمن كلام سلمان تهديداً مباشراً لمن وصفهم بالمتشددين في إشارة إلى السلفيين، ما يعزز الاعتقاد بأن هذا الكلام سيثير حفظية قطاعات واسعة لاعتقادها بأن "الإسلام المعتدل" الذي تدعو له السلطات هو محاولة للالتفاف على الثوابت الدينية والنكوص عن التقاليد المذهبية بحجة الإصلاحات تارة وعصرنة البلاد تارة أخرى.
ويعتقد المراقبون بأن الرهان على الوهابية التي اعتمدتها الرياض وسعت لتصديرها إلى بلدان أخرى لم يعد ينفع في تحقيق مكاسب سياسية، ولذلك بدأ آل سعود بالقمع التدريجي لرجال الدين "المتشددين"، فيما يرى آخرون بأن "الإسلام المعتدل" الذي دعا له الملك وولده محمد يرجع لأسباب عديدة، في مقدمتها الخلافات المستمرة بين السلطات والطيف المحافظ من رجال الدين الذي ينتقد آل سعود لتهربهم من المسؤوليات الدينية والثقافية والاجتماعية بحجة الإصلاحات.
ولابد من التذكير أيضاً بأن معظم المراقبين يعتقدون بأن وعود الملك وولي العهد بإجراء تغييرات في إطار "الإسلام المعتدل" ليست سوى محاولة لخلط الأوراق وذرّ الرماد في العيون ولا علاقة لها بأية إصلاحات لا من قریب ولا من بعيد، فيما يرى آخرون بأن هذه الوعود غير حقيقية وغير صادقة كونها مرتبطة بظرف زمني معيّن يهدف لإنقاذ المملكة ممّا هي فيه من أزمات خانقة، هذا في حال سلّمنا بوجود "إسلام معتدل" وآخر "متشدد"، لأن الدين الإسلامي يرفض هذه التصنيفات ويرى فيها إساءة كبيرة لتعاليمه السامية التي هي أحكام القرآن والسنّة النبوية الشريفة، وليست تقوّلات يأت بها من هبّ ودبّ كالملك ونجله ومن يسير في فلكهم. وبعبارة أخرى أن الدين لايخضع لفهم القاصرين أو المتطفلين؛ بل هو يستند إلى قواعد محكمة وأسس رصينة لا شأن لها بترهات الحكّام والساعين لتكريس سلطانهم ونفوذهم على حساب الدين ونقائه ونزاهته، والادعاء بأنهم يمثلون الدين من خلال مسميّات مريبة كـ "خادم الحرمين الشرفين" وما شابه من ألقاب يراد منها الضحك على الذقون وتمرير المؤامرات ضد الإسلام والمسلمين وباسم الدين والدين منها براء.
وستثبت الأيام أن سلمان وابنه الذي يلقبه البعض بـ"الأمير الصغير" ومن معهما سينهون حقبة آل سعود بالقرارات الفضّة التي يحاولون إضفاء نوع من الصرامة عليها، والتي أسهمت في رسم خارطة سياسية وفكرية جديدة للملكة في أعقاب زيادة رقعة الاضطهاد والتنكيل بكل من يفكر أن يخرج عن عباءة التأييد والولاء المطلق للنظام وقراراته.
ارسال التعليق