سياسات ابن سلمان تقمع المعتدلين وتقوي المتشددين
نشر موقع مجلة “فورين بوليسي” مقالاً مشتركاً لعبدالله العودة الباحث في الشؤون القانونية، والزميل في مركز العلاقات المسيحية – الإسلامية بجامعة جورج تاون، وعلا سالم، الصحفية البريطانية- المصرية وطالبة الدراسات العليا بجامعة نيويورك، حلّلا فيه حملة محمد بن سلمان المزيفة ضد التطرف. وقال الكاتبان إن الحملة ضد المتطرفين متناقضة في أهدافها؛ لأنها لم تطل إلا دعاة الإسلام المعتدل دون غيرهم. وذكّر الكاتبان بتعهدات ولي العهد عندما وصل إلى ولاية العرش بمحاربة التشدد والعودة بالسعودية إلى “الإسلام المعتدل” والذي زعم أن المتشددين قاموا باختطافه عام 1979. وقال: “لن نضيع ثلاثين عاماً من حياتنا للتصدي إلى الأفكار المتطرفة” مضيفاً: “سندمرهم اليوم”. وخلافاً لهذه المزاعم والتعهدات، فسجل ولي العهد على مدى العامين الماضيين يظهر أن رجال الدين الذين استهدفهم كانوا أي شيء إلا متطرفين. ومن بين الذين رماهم في السجن عدد كبير منهم دعاة للاعتدال الذي يزعم أنه يدافع عنه. في وقت واصل فيه المتشددون الدينيون والناقدون المعروفون لخطواته الإصلاحية نشاطهم في المملكة دونما عقبات.
ففي سبتمبر 2017، اعتقلت قوات الأمن السعودية العشرات من الصحفيين والأكاديميين. وعلى مدى العام الذي تلاه أجبر 5000 شيخ دين على تقديم تعهد بعدم انتقاد الحكومة، حسبما قال مسؤول عربي مقرب من الحكومة السعودية. وعلى خلاف الصورة التي قدم فيها محمد بن سلمان حملة ملاحقة التشدد للغرب، فإنها لم تستهدف في الحقيقة أراء المتشددين. بل على العكس تلاحق الحكومة من يعارضون سياساته ولديهم القدرة على تعبئة الجماهير ضدها. وأحسن مثال عن هذه المعايير المزدوجة هي هيئة كبار العلماء في السعودية، التي تعد أعلى مؤسسة دينية في البلاد. ومهمة المجلس المكون من 21 عضواً بارزاً هي تقديم النصح للملك فيما يتعلق بالشؤون الدينية وإصدار الفتاوى. ويختار الملك أعضاء المجلس بعناية وتدفع الحكومة رواتبهم. ومن بين أعضاء هذه المؤسسة المحافظة جداً، أثار عضوان فيها الجدل بسبب أيديولوجيتهما المتطرفة. فصالح الفوزان الذي يحترمه ولي العهد تحدث عام 2017 على التلفاز الرسمي بآراء دينية متشددة. أما صالح اللحيدان الذي ترأس مؤسسة القضاء حتى عام 2008، فقال مرة أنه يجب قتل أصحاب المؤسسات الإعلامية التي تبث برامج مخالفة للإسلام والأعراف الأخلاقية معتبراً فعلهم خروجاً عن الإسلام. وخلافاً للعلماء المعتدلين الذين اعتقلوا عام 2017، أصدر العلماء المعروفون بقربهم من ولي العهد، فتاوى عدة تحرم على المسلمين الاحتجاج أو حتى انتقاد الحكام علانية، ولا حتى قيادة تمرد يعتبر مبرراً لاستخدام الحكام العنف ضدها.
ففي عام 2017 أصدر المفتي العام للسعودية عبد العزيز آل الشيخ عدداً من التصريحات والفتاوى الداعية إلى طاعة ولي الأمر واتباع سياساته دون مساءلة لها. ولم يكن هؤلاء فقط من رجال الدين الذين تدعمهم الدولة ممن عملوا على تصوير حملة ابن سلمان ضد المعارضين له والاعتدال الإسلامي بأنها حملة ضد التشدد. ومثل اللحيدان ذهب آخرون من طبقة المتشددين أبعد في دعوة وتثبيط همة المواطنين عن انتقاد حكام البلد. ففي فيديو انتشر بشكل واسع أعطى الشيخ عبد العزيز الريس، تبريرات لا تتوافق مع فحوى الدين من أجل طاعة الحاكم وكان ذلك على التلفزيون لمدة 30 دقيقة في اليوم. وكانت مجمل التبريرات التي طرحها أفعال تعاقب عليه الشريعة، لكن الريس يرى أن انتقاد الحاكم هو بمثابة تحريض عليه وهذا محرم. وتتناقض هذه الآراء بشكل كبير مع مواقف وآراء العلماء والدعاة المعتدلين والذين كان مصيرهم السجن. أما الصحفي جمال خاشقجي الذي لمّح إلى هذه الموضوعات عن بعد، فقد نال ما ناله من النظام حيث قتل بطريقة بشعة وقطع جسده في القنصلية السعودية في إسطنبول العام الماضي. كما اعتقل من دعا لحقوق الإنسان والديمقراطية والمشاركة السياسية. أما بالنسبة لعبد الله، المشارك في كتابة المقال، فقد اعتقل والده الشيخ سلمان العودة رغم سجله الطويل الداعي للتسامح الديني ورفضه دعوات الجهاد في العراق وسوريا وأماكن أخرى. وطالب بتغيير ديمقراطي ودعم تقوية وضع المرأة وقاتل ضد التمييز واحترام الأقليات الدينية التي تعرضت للتهميش في المملكة. واعتقل في سبتمبر، حيث لم يتم التحقيق معه بشأن أي من هذه المعتقدات والمواقف بل سئل عن تغريدة (لديه 3 ملايين متابع) تساءل فيها عن الحصار الذي فرضته بلاده ودول أخرى على الجارة دولة قطر. ويواجه إمكانية الإعدام لا لأنه متطرف ولكن كما قال خاشقجي مرة بسبب آرائه التقدمية.
ويقول الكاتبان إن الحكومة السعودية تواصل دعم والترويج للشخصيات المتشددة وعلى الجانب الآخر تقوم باعتقال والتحرش وتعذيب الأصوات المعتدلة، من المثقفين والناشطات النسويات. وتطالب الحكومة في بعض الحالات بحكم الإعدام وفي محاكمات سرية تنقصها الإجراءات القانونية والمستقلة عن التأثير السياسي. وتؤدي هذه السياسة لتشويش موقف السكان من الإرهاب وتجرم أي دعوة لاحتجاج مدني أو التجمع. فالمساواة بين حالات التطرف والنشاط السلمي باتت متجسدة في عدة قوانين أصدرتها الدولة مثل قانون مكافحة الإرهاب الذي يجرم النشاط ويعتبر نقد سياسات الحكومة عملاً إرهابياً. ومن هنا فمن الصعب معرفة عندما تقول الحكومة أنها تقاتل التطرف فيما إن كانت فعلاً تواجه التطرف العنيف والحقيقي أم النشاط السلمي. وتعهد سياسي سعودي الشهر الماضي بوضع النشاط النسوي ضمن قائمة الأعمال الإرهابية.
وفي النهاية يقول الكاتبان إنه على العالم التعامل مع سياسات ولي العهد في سياقها، فما يقوم به محمد بن سلمان منذ عامين، لا علاقة له بمكافحة الإرهاب والتطرف بل استهداف الاعتدال وإضعاف الخطاب المستقل والذي كان من الناحية التاريخية حاجزاً ضد التطرف. وفي الوقت نفسه يقوم بتقوية وتعزيز مواقف المتشددين الذين أضفوا الشرعية على حكمه القمعي. وربما عملت هذه السياسة ولو مؤقتاً على إسكات الأصوات الناقدة لكنها تخلق جواً يسمح بنمو التشدد في المملكة.
ارسال التعليق