عام على اعتقالات الرأي.. محاكمات سرية ومطالبات بالإعدام
تمخضت "اعتقالات سبتمبر" فولدت اتهامات "فضفاضة" ومطالبات بـ"القتل تعزيرا" لنخبة السعودية من المفكرين والمعارضين السياسيين والناشطين والشعراء والأدباء والخبراء الاقتصاديين والأكاديميين.
في سبتمبر/أيلول 2017، انطلقت حملة الاعتقالات السعودية، المستمرة حتى اليوم، لتطال العشرات، على الرغم من التنديد الحقوقي.
ومع مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، ومع مرور عام كامل على اعتقالات، طالتها عشرات الانتهاكات، بدأت المحاكمات السرية للمعتقلين، تحت اتهامات وصفها حقوقيون بأنها "فضفاضة"، لاقى الكثير منها سخرية الناشطين، داعية إلى "قتل المعتقلين تعزيرا".
عام على الاعتقالات"سنة على اعتقال نخب الوطن"، هو الوسم الذي دشنه ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، لتفعيل قضية المعتقلين، الذين لا يعرف حتى الآن العدد الكلي لهم، لكن منظمات حقوقية رصدت أسماء أكثر من 250 شخصا، تم الإعلان عن اعتقالهم، فيما يتوقع أن يكون آخرون قد اعتقلوا من دون إفصاح ذويهم، خوفا على سلامتهم الشخصية، وأملا في إفراج السلطات السعودية عنهم.
بدأت حملة الاعتقالات عندما أوردت وكالات الأنباء العالمية والصحف السعودية والقطرية نبأ يفيد باتصال هاتفي بين أمير قطر "تميم بن حمد آل ثاني"، وولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، برعاية أمريكية، للجلوس على طاولة حوار، وبحث مآلات الأزمة الخليجية.
وحينها بارك الداعية "سلمان العودة"، عبر حسابه بموقع "تويتر"، هذه الخطوة داعيا للوحدة بين الخليجيين، ليعلن بعدها اعتقاله، ومن ثم اعتقال الداعية "عوض القرني"، وتبدأ سلسلة الاعتقالات.
ولم توجّه السلطات السعودية أي تهمة رسمية علنية حتى الآن، لكن صحف ووسائل إعلامية مقربة منها، اتهمت المعتقلين بالعمالة لجهات خارجية، والسعي لتخريب البلاد.
ويمكن تقسيم حملة الاعتقالات إلى ثلاثة أنماط: الأول، هو اعتقال أعضاء "تيار الصحوة"، وهو تيار فكري لا تنظيمي، والذي سبق أن شهد دعما حكوميا وانتشارا هائلا في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.
أما النمط الثاني فهو اعتقال المحللين الاقتصاديين والأكاديميين المعترضين على "رؤية 2030".
بينما يعد النمط الثالث، وهو العشوائي التأديبي، والذي طاول آخرين، قد يكون بعضهم مقربين من أي من النمطين الأول والثاني، أو قد يكون اعتقالهم مرتبطا باعتراض أبدوه على عدد من التغييرات التي شهدها المجتمع السعودي مؤخرا، كالسماح بحفلات غنائية مختلطة، أو فتح دور للسينما، أو مرتبطا باعتراضات سياسية كالتطبيع مع (إسرائيل) أو الحرب في اليمن.
ولعل العامل المشترك بين الأنماط الثلاثة، التي ضمت ليبراليين، هو عدم خضوعهم الكامل للسلطة الحاكمة في المملكة، واعتراضهم على قيام السلطات بتبني رؤية سياسية أو اقتصادية مخالفة لتوجهاتهم.
محاكمات سريةوبعد عام من الاعتقال وانتهاك حقوق هؤلاء النخبة، بالتعذيب والحبس الانفرادي ومنع التواصل مع ذويهم، وحرمانهم من حقوقهم كمسجونين، بدأت الأسبوع الماضي، محاكمات سرية لعدد منهم.
وقدم الداعية "سلمان العودة"، الثلاثاء، للمحاكمة، في جلسة سرية أمام المحكمة الجزائية؛ حيث وجهت له النيابة 37 تهمة، فيما قدم الداعية "علي العمري" للمحاكمة، الأربعاء، ووجهت له أكثر من 30 تهمة، وطالبت النيابة بإعدام الرجلين.
والخميس، انضم الداعية "عوض القرني" إلى قائمة المحاكمين سرا، حيث وجهت له النيابة أيضا لائحة تهم طويلة، وطالبت بما سمّته "قتله تعزيرا".
ولم تقتصر المحاكمات على هؤلاء، بل طالت أيضا الأكاديمي "عبدالعزيز العبداللطيف"، و"محمد الهبدان"، و"إبراهيم اليماني"، وآخرين تم الكشف إعلاميا عن بدء محاكمتهم، دون ذكر أسمائهم.
اتهامات فضفاضةوهنا، تجب الإشارة إلى أن 3 عوامل مشتركة برزت في هذه المحاكمات، الأول هو سريتها، وعدم إصدار بيان رسمي حتى الآن، بخصوصها، ليؤكد أو ينفي ما نقلته الصحف المقربة من السلطات.
العامل الثاني، هو تقديم السلطات السعودية عشرات الاتهامات الفضفاضة بحق المعتقلين، في خطوة رفضتها جماعات حقوق الإنسان.
"العودة"، كمثال لهذه التهم الفضفاضة، وجهت له النيابة 37 تهمة؛ بينها "الإفساد في الأرض"، و"دعوته للتغيير في الحكومة السعودية والدعوة للخلافة في الوطن العربي"، و"دعوته وتحريضه للزج بالمملكة في الثورات الداخلية ودعم الثورات في البلاد العربية من خلال ترويجه لمقاطع تدعم الثورات".
فيما قال "عبدالله" نجل "العودة"، إن من بين التهم الموجهة لوالده "عدم الدعاء لولي الأمر بما فيه الكفاية، وأنه استقبل رسالة في هاتفه تُحرّض على ولي الأمر".
وأضاف أن من بين التهم أيضا، تهمة حيازة كتب وصفت بأنها محظورة في مكتبته، والتحريض على الفتنة، والانضمام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمشاركة في تأسيس منظمة النصرة في الكويت للدفاع عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد أزمة الرسوم المسيئة.
أما التهم التي وجهت إلى "العمري"، فكان أبرزها تشكيل "منظمة شبابية لتحقيق أهداف تنظيم سري إرهابي داخل المملكة"، دون أن تذكر اسم التنظيم، و"لقاء الداعتين يوسف القرضاوي وعلي الصلابي".
واتهمت النيابة "العمري" أيضا بـ"استهداف فئة الشباب واستقطابهم وتدريبهم تحت غطاء ديني بالمشاركة في الحلقات والبرامج التربوية والأعمال التطوعية والأنشطة الدعوية، وإنشاء مكاتب تابعة لتنظيم الإخوان تعنى بفئة الشباب واستقطابهم".
تهم أخرى وجهتها النيابة للمحاكمين سرا، كـ"زيارة مخيمات النازحين وتقديم مساعدات إغاثية"، وتأييد "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس"، و"التعاطف مع موقوفين والدعوة لإطلاق سراحهم"، وغيرها من التهم.
القتل تعذيراأما العامل الثالث، فهو مطالبة النيابة السعودية، بما سمته "القتل تعزيرا" للمحاكمين، على الرغم أن الاتهامات التي وجهتها إليهم تستوجب "عقوبة تأديبية"، يقررها القاضي بحيث لا تصل إلى عقوبة الحد.
وقد كتب في تجلية الفرق بين "التعزير" و"الحد"، أحد كبار العلماء في المملكة الشيخ "محمد صالح المنجد"، وهو من المعتقلين حاليا.
يقول "المنجد"، إن الحدود، وهي العقوبات المقدرة شرعا: كحد الزنى، السرقة، ونحوهما، أما التعزير، فهو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود.
فإذا ارتكب أحد مخالفة شرعية لم يرد الشرع بتقدير عقوبة خاصة بها، ورأى القاضي أنها من الخطورة بحيث تستحق العقوبة عليها، فإن له أن يعاقب هذا المتعدي بما يراه مناسبا لجرمه وذنبه، وهذا ما يسميه الفقهاء بـ"التعزير"، وله أحكام وتفصيلات كثيرة مذكورة في مطولات الفقه.
ولما كان مقصد "التعزير" هو التأديب، كان الأصل ألا يبلغ التعزير حد القتل بحال من الأحوال.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيرا في جرائم معينة بشروط مخصوصة، من ذلك: قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس على المسلمين.
وإذا كان القتل تعزيراً قد جاء استثناء من القاعدة، فإنه لا يتوسع فيه، ولا يترك أمره للقاضي ككل العقوبات التعزيرية، بل يجب أن يعين ولي الأمر الجرائم التي يجوز فيها الحكم بالقتل.
وقد اجتهد الفقهاء في تعيين هذه الجرائم وتحديدها، ولم يبيحوا القتل إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك، بأن كان المجرم قد تكررت جرائمه ويُئِس من إصلاحه، أو كان استئصال المجرم ضرورياً لدفع فساده وحماية الجماعة منه.
وقد جعلت الشريعة القتل عقوبة في أربع جرائم من جرائم الحدود، وهي: الزنى، والحرابة، والردة، والبغي، وجعلته عقوبة في جريمة واحدة من القصاص، وهي القتل العمد.
وتقول جماعات حقوق الإنسان، إن العديد من الاعتقالات في المملكة، "سياسية" أكثر من كونها ذات صلة بأي أنشطة، تعتبر عادة جرائم في أماكن أخرى من العالم.
في وقت اعتبرت فيه "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" في بريطانيا، أن تلك المحاكمات هدفها الانتقام من الصامتين عن مدح النظام أو المنتقدين له، على حد سواء.
ارسال التعليق