عن التمييز الطائفي في السعودية
يُعد وجود خليط ثقافي وديني واجتماعي سمة بارزة في الحضارات المعاصرة الأكثر نجاحاً وتقدماً، حيث ساعد الاعتياد على وجود التنوع الإنساني لوصول تلك المجتمعات لمرحلة التعايش بسلام مع الآخر. ومهدّ في ذات الوقت لمجال أوسع من الوعي بالاختلاف والتسامح تحت نافذة احترام الأفرد والمجتمعات، وأحقية وجود كيان يحمل معتقدات فكرية ودينية مختلفة، وبالتالي نطاق جديد من الحريات والحقوق وسيادة القانون على الجميع.
وبالتأكيد هناك في المقابل الدول التي تتحاشى الانفتاح الفكري وتجرم التعدد الديني وتنبذ الاندماج الاجتماعي وتعزز بشكل أو بآخر الفجوة بين الأطياف الواسعة التي تعيش في ذات الوطن وتتشارك ذات الأرض، بل قد تصل لمحاربة أي تقارب حقيقي ولاعتقال أي صوت مخالف ربما يشكل تحدي لأهدافها، وهذه إحدى المعضلات الأساسية التي تواجه بعض الدول العربية و"الخليجية".
تعمد الصحافة "السعودية" في الفترة الأخيرة إلى إحياء الحديث عن الوطنية والعلاقة بين المكونات والوطن الأكبر، بعد فترة كمون. حيث تستمر الحملات العنصرية ضد الحجاز، ما يعكس اعتبار التعدد لدى الذهنية الحاكمة والمستحكمة مشكلة.
وهذه المشكلة يمكن شرحها من خلال تسليط الضوء على الحجازيين من زاوية اختلاف لباسهم وأصولهم ومعتقداتهم عن الممارسة والثقافة النجدية. إذ إن التمييز يشمل مستويين الأول يتمثل في النظرة العنصرية لأهالي الحجاز باعتبارهم "طرش بحر" و"مخلفات حجاج"، أما المستوى الثاني يكمن في اعتبار الحجازيين "كفرة وروافض" لكونهم من أبناء الطائفة الشيعية في "المنطقة الشرقية".
وبالحديث عن التمييز الطائفي، دأب النظام السعودي على تذويب المكونات في شبه الجزيرة العربية والتحكم بها تحت مظلة السلطة الدينية الواحدة والحاكم الواحد.
يُستخدم الدين والظواهر الدخيلة على الثقافة الإسلامية كالطائفية والطبقية بشكل واسع لخدمة مصالح الحكومة. ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد أن في “السعودية” ينص النظام الأساسي للحكم على أن دستور الممكلة هو “كتاب الله وسنة رسوله”، مما يعطي صلاحيات واسعة النطاق لتفسير الدين والسنة على حسب أهواء الأوامر الصادرة من الجهات العليا، دون وجود سلطات أخرى تشريعية أو تنفيذية أو رقابية، بل يقتصر الأمر على وجود “مجلس شورى” صوري لا أكثر مهتمته تقديم التوصيات.
الطائفية بمواجهة رجال الدين:
لعل ما يكابده علماء القطيف والأحساء من سياسات التمييز الطائفي والتنكيل والمنع والحرمان خير دليل على الانتهاكات المذهبية التي يصر النظام السعودي أن يكيلها ضدهم وضد المنطقة بأسرها.
العلماء الذين يتبلور دورهم الرسالي التوجيهي والتوعوي في الدين والمجتمع، تعمّدت سياسة القمع والاستبداد أن تكبّلهم وتقمع دورهم وتحرمهم أداء الرسالة، نتيجة طائفيتها وتمسكها بقمع الشيعة وحرمانهم حقهم في أداء شعائرهم الدينية، ضمن مسار متصاعد من استخدام التمييز المذهبي والديني كسلاح لتكميم الأفواه والاضطهاد على الرغم من ادعاءات محمد بن سلمان حول “الإصلاح” والحريات الدينية التي لطالما طالبت الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية السلطة السعودية بالإلتزام بها، والتوقف عن انتهاك حقوق الشيعة وممارسة التمييز ضدهم.
ورغم الدعوات والمطالبات، إلا أن النظام لا يعير لذلك انتباها، ويواصل بطشه ضد العلماء ورجال الدين من دون أي رادع أو التزام بالقوانين المحلية والدولية، حتى أضحى هنالك العديد من العلماء تعتقلهم السياسة البوليسية والاستبداد والقمع والانتقام وتغيّبهم في الزنازين المعتمة ويتعرضون لمحاكمات هزلية وغير عادلة، في انتقام واضح من انتمائهم الديني ودورهم التوعوي في البلاد، وتأثيرهم في المجتمع وتوعيته، وهو ما لا يروق للنظام السعودي، الأمر الذي يجعل قضيتهم أساساً “في أعناق الجميع” للمطالبة في الإفراج عنهم والكف عن الانتقام منهم بصورة متزايدة وإطلاق سراحهم وكسر قيود سجنهم من دون قيد أو شرط.
وفي هذا الصدد نذكر بعض رجالات الطائفة الشيعية كالشيخ"نمر باقر النمر"، وصوته الصادح مطالبا بالعدالة. كما اشتهر عدد من رجال الدين ممن لاقوا التعنيف والاعتقال بسبب مواقفهم منهم الشيخ محمد بن حسن الحبيب، والشيخ حسين الراضي، والشيخ سمير الهلال وغيرهم.
"السعودية" دولة مثيرة للقلق:
يتّصل ذلك كله بسياسة حكم آل سعود الطائفيّة والإقصائيّة، لأي من المناصب المؤثّرة في الإدارة والقرار السياسي، وعدم الاعتراف بالمذهب الشيعي على المستوى الدستوري والقانوني، وتردّي حالة حقوق الإنسان، من خلال الاستهداف الممنهج لمؤسّسات المجتمع المدني في ظل عدم سن قانون تشريعي لعملها، وعبر إغلاق المؤسّسات الحقوقيّة، والمعاقبة على تأسيسها بالسجن.
كما تزداد حقوق الإنسان سوءاً من خلال سجن المعارضين والنشطاء، أو تهديدهم، بالإضافة إلى التحريض المستمرّ بالكراهية ضد الشّيعة، والحثّ على مقاطعتهم اجتماعياً واقتصادياً. فعلى سبيل المثال، سبق وأصدرت محكمة "سعودية" حكماً بالسجن سنتين و200 جلدة بحق الناشط الحقوقي مخلف الشمري عام 2013 بسبب مجالسته للشيعة ومواساته لهم والاجتماع معهم. كما ألغي في 13/08/2012 من قبل إمارة المنطقة الشرقية، حفل اجتماعي أقامه نشطاء شيعة وسنة للتقريب بين الطائفتين.
وفي السياق، اعتبر الموفد الأميركي للحريات الدينية أن "السعودية ما زالت تميّز ضد الشيعة في التوظيف والتعليم والقضاء".كما طالبت لمفوضية الحكومية الفيدرالية الأمريكية للحريات الدينية الدولية بإعادة تصنيف السعودية كـ”دولة مثيرة للقلق على نحو خاص” ومعاقبة مسؤولين فيها. وقالت المفوضية إن ظروف الحرية الدينية بـ"المملكة" عام 2021 ضعيفة. وأضافت أن الرياض "واصلت انتهاك الحرية الدينية بشكل صارخ، مستهدفة الأقليات الدينية على وجه التحديد”، مشيرة إلى إعدام الشاب الشيعي “مصطفى الدرويش”، واحتجاز رجال دين أصحاب رأي معارض مثل “سلمان العودة”، واستمرار منع أي دور عبادة لغير المسلمين.
وأورد تقرير المفوضية أن مطالبة الحكومة الأمريكية بإعادة تصنيف السعودية كدولة “مثيرة للقلق على نحو خاص” يأتي لتورطها في ارتكاب “انتهاكات ممنهجة ومتواصلة وفاضحة” فيما يتعلق بالحريات الدينية، و”فرض عقوبات موجهة على الوكالات والمسؤولين الحكوميين السعوديين المتورطين في ارتكاب انتهاكات جسيمة للحريات الدينية، عبر تجميد أصول هؤلاء الأفراد أو منعهم من دخول الولايات المتحدة”.
حرمان من الخطط الانمائية:
فصول متتالية من مشهدية استهداف السلطات السعودية للمواطنين في شرق البلاد، والقطيف والأحساء تحديداً؛ حيث معاناة الحرمان من الخطط الإنمائية تتمدد على اتساع البلدات الشيعية، لتكشف زيف ادّعاءات السلطات بشأن السياسات التنموية. سيناريو لا يُختصر باستباحة بلدة العوامية وهدم حيّ المسورة التاريخي، بل امتد إلى تقسيم محافظة القطيف وإنشاء محافظة البيضاء.
خلال السنوات العشر الماضية كان للجنة "الصمود من أجل الحدود" دوراً بارزاً في إظهار مدى خطورة تقليص الحدود الإداريّة للقطيف، وما يتّبع هذا الإجراءات من تغييرات إداريّة خاصّة على مستوى الإسكان والصّحة والتعليم والشؤون الاجتماعيّة والبلديّة وكافة المنافع الخدميّة.
اللجنة سبق وبيّنت أن التقسيم يحرم محافظة القطيف من فرص التنمية المستحقّة، بالإضافة إلى اقتطاع مساحات شاسعة من أراضي المحافظة وما لهذا الإجراء من مآلات خطرة، وهو الأمر الذي عملت اللجنة على تبيانه منذ عام2011، لكن السلطات السعودية سرعان ما حظرت نشاط اللجنة واعتقلت بعض القائمين عليها.
إن تغيير الحدود الإداريّة، جاء امتداداً لسلسلة من المشاكل السكانية التي يعاني منها الأهالي في القطيف. فمنح الأراضي على ندرتها، تقع تحت طائلة التشكيك في ذهابها لمستحقيها، إذ دائماً ما تُثار تساؤلات بشأن الآليات التي جرى من خلالها توزيع منح الأراضي في المنطقة، وسط شكوك تبيّن بأن النسبة الكبيرة من المنح أعطيت لمواطنين من خارج محافظة القطيف، وهو الأمر الذي أثار أكثر من علامة استفهام لدى الأهالي عن الآلية التي وزعت من خلالها تلك المنح.
ارسال التعليق