عندما يتم ازدراء شعب الجزيرة العربية! الكاتب محفوظ التهامي
بقلم محفوظ التهامي
من المقاربات السياسية الخاطئة والماكرة للشأن السعودي، تلك التي تنطلق من مسلمة مضمرة ومفادها أنه لا وجود لشعب في الجزيرة العربية، وبالتالي فهي تحاول قارئة المتغير السياسي ضمن صراع المحاور بين أمراء الأسرة الحاكمة، وما يمكن أن ينتج عن هذا الصراع من توجهات قد تمس ببعض التحالفات الإقليمية دون المساس بالأدوار الاستراتيجية التي رسمتها الولايات المتحدة الامريكية لحكام آل سعود.
وقد كان رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز محطة تناول فيها المحللون والمتابعون للشان السعودي كل الفرضيات وكل السيناريوهات لمرحلة ما بعد الملك عبد الله..لكن الملفت أن لا احد طرح فرضية سياسية تخص الاصلاح السياسي الداخلي بما يفسح المجال ولو قليلا للإرادة المقموعة والمغيبة؛ إرادة شعب الجزيرة العربية بأن تسري في بعض مفاصل الدولة!
وتغييب هذه الارادة السياسية لشعب يسكن ارض الجزيرة العربية وتجاهلها في المحطات السياسية الكبرى التي تفتح على مجال التكهن السياسي الغبي او المتغابي عن الجناح الذي سيحكم وكيف سيحكم، هي سياسة مقصودة بذاتها تريد ان تشكك هذا الشعب المقموع والمحروم في أهليته لممارسة حقوقه السياسية التي تكفلها له شريعة الاسلام ومعها المواثيق الدولية، وتوحي له بأن يبقى خارج دائرة القرار السياسي بل وبعيدا عن أبسط مستوى من مستويات الطموح في ممارسة هذه الارادة التي من المفروض أن تكون حرة وممثلة عبر كل اشكال التمثيل الديمقراطي وليس فقط مجالس محلية صورية وبلا سلطة حقيقية .
إنها لمؤامرة محكمة أن يتم إسقاط مطلب الاصلاح السياسي من التداول السياسي والإعلامي في سياق استعراض كل سيناريوهات المرحلة التي ابتدأت مع سلمان بن عبد العزيز، ولا تتم الإشارة إلى أي صوت من الاصوات الوطنية التي تعبّر عن تطلعات شعب الجزيرة العربية ولو في حدود الممكن السياسي والمقبول السياسي تنزلا.
يتم تجاهل حق شعب في أن يحكم نفسه بنفسه، كما هو مضمون التعريف الديمقراطي، ويمارس الغرب نفاقه في دعم نظام لا يشبه حتى انظمة القرون الوسطى، نظام يتقاسم فيه الأمراء مواقع المسؤولية والقرار ورئاسة المؤسسات، ويتصرفون في الثروة وكأنها حق خالص لهم، وما يخرج من حساباتهم الشخصية هو للضرورة وما تتطلبه حاجات الإدارة والتجهيز في بنية كل دولة مهما كانت درجة تخلفها، نظام ثابت راسخ متجدر بمنطق القوة والتغييب أنسب لرعاية مصالح دول الغرب حيث يأتي الرئيس فيها عبر الانتخابات كنتيجة للإرادة الشعبية عبر برنامج متكامل يُحسم فيه بالاختيار الحر والنزيه، رئيس يخضع للمحاسبة والمساءلة المستمرة عبر البرلمان الذي هو تجسيد لضمير الأمة في المراقبة والتشريع.
والحقيقة ان الحديث عن الغرب هنا هو فقط لاستشعار درجة الجريمة ومستوى الشراكة فيها، وهذا يبقى للتاريخ ليقول كلمته فيه.
أما المسؤولية الحقيقية فيما وقع ويقع، وفي استمرار هذا الحكم البئيس المستبد وفي هذا الاستهتار بالشعب من طبقة الحكم الفاسد ومن الغرب المنافق، فهي تقع على عاتق شعب الجزيرة نفسه والذي يتعرض لأنماط من الإذلال والمهانة عبر مقايضة صمته واستكانته برشاوي هي من ماله وثروته، وهي قبل كل شيء مطعن في شرفه وكرامته.
انه مشهد مستفز ان يتحول الشعب إلى شاهد على مسرحية ترتيب البيت الداخلي وتصفية الحسابات الناعمة بين اجنحة الحكم السعودي، فيما يبقى الشعب مقصيا عن اي مشاركة لا في السلطة ولا في الثروة ولا في التوجهات الاستراتجية للدولة، ولا في نمط الدولة التي تجعل من السلطة في (السعودية)، رأسمالا سياسيا واستراتيجيا خاضعا للأعداء ومسخرا لخدمة أهداف أمريكا في المنطقة وأهداف حليفتها (إسرائيل).
أليس من العار ان توضع مساقط الضوء الاعلامي بعد موت الملك عبد الله؛ على الامير محمد بن نايف مثلا وموقعه من ترتيبات الحكم والسلطة، فيما لا احد يخالجه السؤال حول الغائب الاكبر وهو الشعب او بعض من يعبّر عن تطلعات هذا الشعب في الإصلاح السياسي وانهاء استئثار الأمراء بالسلطة والثروة؟!!
ان تغييب كهذا من المفروض أن تعلو معه بعض الأصوات الجريئة التي تطالب بالإصلاح، وان يتحسس شعب الجزيرة العربية مكامن الاحساس في قلبه وضميره، وأن ينظر إلى نفسه في مرآة التاريخ، فالمسؤولية تتجاوز الحاضر إلى المستقبل؛ مستقبل الاجيال القادمة، والمسؤولية التاريخية تتجاوز افتكاك الدولة من اسرة آل سعود واستعادة الحق في إدارتها؛ إلى الخروج بها من أدوار التآمر والتبعية للأمريكي، والشراكة والحلف المتين مع الإسرائيلي ضدا على موجبات الانتماء الديني والقومي.
يتحدث بعض المحللين عن القيادات الشبابية ضمن الطبقة الأميرية من الجيل الثاني من احفاد الملك عبد العزيز والتي ستجد لها طريقا سالكا للحكم قريبا، لأنهم يفترضون ان فترة حكم سلمان بن عبد العزيز ستكون قصيرة. ويتجاهلون مكر التاريخ، مع أن درسه كان قريبا في الزمن كما في الجغرافيا، وتحديدا في مصر، ففي الوقت الذي اعتقد فيه علاء مبارك ان مشروع وراثته لموقع السلطة قد حظي بقبول دولي من البوابة الإسرائيلية، وفي الوقت الذي سخر من ارادة شعب مصر واحتقر شعبها؛ جاءه وأبوه، بأس الشباب الثوري من حيث لم يحتسبا، لا من حزب ثوري أو طليعي، بل من الفيس بوك أولا، ومن ثم إلى الساحات والميادين. قال الشعب كلمته وعوض كرسي الرئاسة كان القفص في انتظار علاء جنبا الى جنب شقيقه وابيه والطغمة الفاسدة من حكام مصر سيئي الذكر.
فمن قال أن تاريخ لا يكرر نفسه؟!
ارسال التعليق