قراءة للاتفاقيات المعقودة بين الولايات المتحدة الأمريكية وآل سعود
سعيد سيف
الحضور العسكري الأمريكي الكثيف إلى منطقة الخليج العربي منذ النصف الثاني من عام 1987، قاطراً معه سفن وكاسحات الألغام الأوروبية المتعددة الجنسيات، لم يكن وليد الساعة، وتطورات الحرب العراقية ـ الإيرانية، والرغبة الكويتية لحماية ناقلات نفطها من الهجمات الجوية، وإنما هو تتويج لعلاقات الهيمنة الأمريكية على دول المنطقة من جهة، وعلاقات التبعية الذليلة من قبل هذه الأنظمة للمركز الإمبريالي من جهة ثانية. كما أنها الترجمة الحقيقية، ليس فقط للإتفاقيات العسكرية والوجود العسكري في دول المنطقة، وإنما أيضاً للإتفاقيات المتعددة الأشكال والحضور المتعدد النواحي للإمبرياليين الأمريكان.
فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية أنها لا يجب أن تستمر في تعاملها مع المملكة العربية السعودية عبر البوابة البريطانية، وأن عليها أن تحضر مباشرة بقواتها العسكرية بعد أن تعززت أوضاع شركاتها النفطية التي استخرجت النفط في منطقة لم يكن البريطانيون يتصورون أنها تحتوي على قطرة منه، فإذا بها تسبح على بحار نفطية!
وإذا استثنينا سلطنة عمان التي سعى الأمريكان، إلى توقيع اتفاقية معها في سبتمبر 1833، مؤكدين اهتمامهم بهذه الدولة ذات الموقع الإستراتيجي، فإن علاقات الولايات المتحدة مع بقية دول المنطقة قد بدأت منذ الثلاثينات من هذا القرن، وانطلقت بعد الحرب العالمية الثانية، وامتدت لاحقاً لتشمل كافة دول المنطقة، مطبقة على كافة جوانب الحياة العسكرية والسياسية والاقتصادية والإدارية وسواها.
وإذا كان الدخول الإستعماري الأوربي(البرتغالي، الفرنسي، الهولندي... البريطاني) إلى منطقة الخليج، قد تم نتيجة موقعها الإستراتيجي في شبكة خطوط المواصلات البحرية للدول الإستعمارية الأوروبية، فإن الدخول الأمريكي قد جاء من خلال النفط، وفي مرحلة انحسار الإستعمار التقليدي، وبروز الولايات المتحدة كقوة إمبريالية عظمى ورثت سائر الإمبرياليات، واحتدام الصراع بين معسكر الإشتراكية والتحرر والتقدم من جهة، ومعسكر الإمبريالية والصهيونية والرجعية من جهة ثانية.
وبالرغم من متانة العلاقات بين غالبية الدول الخليجية والولايات المتحدة الأمريكية، فإن هذه الدول تخاف أن تطلع الجماهير على الإتفاقيات التي تربطها مع هذه الدول الإمبريالية العدوة للأمة العربية، بل إن غالبية هذه الدول تنكر غالبية الإتفاقيات بينها وبين واشنطن، وتصمت عندما تنكشف الفضيحة، وإذا اضطرت للرد فإنها توزع التهم على (المتصيدين في الماء العكر الذين يريدون الإساءة إلى العلاقات مع الدول الصديقة)!!
لذلك وجدنا أن من المفيد لجماهيرنا وحركتها الوطنية أن تطلع على الإتفاقيات المعقودة بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية، لترى حجم التنازلات التي قدمتها هذه الأنظمة لواشنطن في مسيرة العلاقات التبعية، ومقدار التدخل والتغلغل الأمريكي في كل بلد من بلدان مجلس التعاون الخليجي.
ولم نتمكن من الحصول على كافة الإتفاقيات، وخاصة الأخيرة، (منذ 1980) ولم نترجم كلها، وخاصة تلك المدرجة في الإتفاقيات النهائية. ولكن ما حصلنا عليه يسلط الأضواء الكافية لمعرفة حجم واتساع العلاقات وتشعبها بين أبرز بلدان المجلس وهي المملكة السعودية وسلطنة عمان والبحرين، والولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى أن بعض الإتفاقيات مع الكويت والإمارات تسلط الأضواء على الميادين التي تغلغلت فيها الولايات المتحدة في هذه البلدان على الأصعدة الأمنية والإدارية، عدا عن الصعيد الاقتصادي الواضح للعيان من خلال الشركات والبنوك.
ولقد وجدنا حاجة إلى قراءة هذه الإتفاقيات لربطها مع بعضها البعض على نطاق البلد الواحد، وعلى صعيد المنطقة برمتها، وتبيان الترابط بين الهيمنة السياسية والعسكرية والتبعية الاقتصادية، وما تريد الولايات المتحدة أن تثبته من هياكل إدارية، ونمط سلوك في كافة نواح الحياة في هذا البلد أو ذاك، لاستمرار النظام السياسي المشيخي المتخلف، التابع لها، مع قدرتها على معرفة اتجاهات التطور والإمساك بها لتسير في الإتجاه الذي يخدم المصالح الأمريكية لا ليتعارض معها.
ومن المملكة السعودية نبدأ:
كانت الولايات المتحدة تتعامل مع المملكة السعودية من خلال بريطانيا التي اعتبرت منطقة الخليج والمملكة العربية السعودية من مناطق نفوذها، وقبلت على مضض الدخول الأمريكي للتنقيب عن النفط في الثلاثينات ـ إلا أن النتائج التي تمخضت عنها الحرب العالمية الثانية، وبروز الولايات المتحدة الأمريكية كقائد للمعسكر الإمبريالي، قد جعلها تتعامل مباشرة مع الملك السعودي، عبد العزيز وتقدم له المساعدات المالية بدلاً عن الوسيط البريطاني، وتم أول لقاء بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت على ظهر السفينة الأمريكية في عرض البحر الأحمر، وصرح الرئيس الأمريكي بعد ذلك بأن الولايات المتحدة مهتمة بأمن المملكة العربية السعودية وتطورها.
وفي 23 يونيو 1947 تم توقيع أول اتفاقية عسكرية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة السعودية، وتم تجديدها عام 1949، وجاء في مطلع اتفاقية 1951 للتجديد الثاني بأن (رغبة من الحكومة العربية السعودية في تقديم تسهيلات لحكومة الولايات المتحدة ـ بعد ذلك التاريخ ـ أتشرف بأن أبعث لسعادتكم فيما يلي المواد التي تم الإتفاق عليها لاستمرار استعمال الطائرات العابرة والمعنية التابعة لحكومة الولايات المتحدة لبعض التسهيلات والخدمات في مطار الظهران...).
وكان واضحاً تحديد مساحة القاعدة بأنها (خمسة أميال من كل جانب مكون بذلك مربعاً نقطة مركزه الوسطى بناية مدخل المطار الحالي).
كانت قاعدة الظهران من أول القواعد العسكرية الأمريكية في الوطن العربي، بل ويمكن القول في جنوب غرب آسيا، وحرصت الولايات المتحدة على إنشائها، وتطويرها وتعزيز الإمكانيات العسكرية فيها، لتكون جزءاً من مسلسل القواعد الموجهة ضد الإتحاد السوفيتي في مرحلة احتدام الحرب الباردة ومحاصرة الإتحاد السوفيتي وعدم السماح له بتحقيق نجاحات في هذه المنطقة النفطية.
لم يكن هناك شك في وجود قاعدة أمريكية في الظهران، سرى الحديث لاحقاً عن أنها تحتوي على أسلحة ذرية، إلا أن السلطات السعودية كانت تنكر وجود القاعدة، وتقول بأن الفريق العسكري الأمريكي جاء ليدرب الجيش السعودي! إلا أن هذا الفريق الأمريكي الذي نصت عليه الإتفاقية في البند(2 ـ أ) لا علاقة له بالقاعدة الأمريكية ـ رغم ارتباطه بها، ورغم أن الإتفاقية قد نصت على أن تبعث الولايات المتحدة على حسابها بعثة لاستخدامها في تدريب الرعايا السعوديين، لتنظيم عمليات إدارة مطار الظهران الفنية). حيث كانت القاعدة جزءاً من مخطط العدوان الأمريكي العالمي لزرع القواعد العسكرية في مختلف البلدان المحيطة بالبلدان الإشتراكية.
ولقد احتوت الإتفاقية على امتيازات كبيرة للبعثة من حيث المعاملة المفضلة ومن حيث إقامة المنشآت والسكك الحديدية والطرق لتسهيل أعمالها، والإعفاء من كافة الرسوم والضرائب.
وقد نصت الإتفاقية على (أنه إذا أرتكب أحد اعضاء القوات المسلحة التابعة للولايات المتحدة أي جرم من الجرائم داخل مطار الظهران، يخضع للتشريع الأمريكي).
(وفي حالة ما إذا ارتكب أحد أعضاء القوات المسلحة التابعة للولايات المتحدة أي جرم خارج مطار الظهران في الخبر أو الدمام أو الظهران أو رأس تنورة أو شواطئ الخبر الجنوبية إلى خليج نصف القمر والطرق المؤدية إلى هذه الأماكن، فإن السلطات العربية السعودية تلقي القبض على مرتكب الجريمة، وبعد استكمال التحقيقات الأولية معه تسلمه بسرعة للبعثة في مطار الظهران لمحاكمته وتوقيع العقوبة عليه طبقاً للتشريع العسكري الأمريكي).
هكذا حولت الإتفاقية منطقة كبيرة لتخضع للتشريع الأمريكي، مما يعني أن تلك المنطقة لا تسري عليها القوانين السعودية!!
ومنذ اللحظة الأولى وافقت الولايات المتحدة على تدريب أقصى عدد من الطلبة، ويتم ارسال 20 طالباً تختارهم البعثة (لمواصلة تدريبهم الفني على أعمال إدارة المطار وصيانته في إحدى مدارس القوة الجوية التابعة للولايات المتحدة) وقد كان ذلك تغطية لكون هذا البند عملياً قد سعى لتدريب الطيارين السعوديين وتشكيل الأنوية الأولى لسلاح الطيران لاحقاً.
وشكلت قاعدة الظهران والبعثة الإستشارية الأمريكية الركائز الأساسية للوجود العسكري الأمريكي، والإشراف العسكري على تطور القوات السعودية لاحقاً. حيث توقفت البعثات الأمريكية لدراسة احتياجات السعودية من الأسلحة والمعدات.
فخلال شهري سبتمبر ـ أكتوبر 1949 زارت بعثة أمريكية برئاسة الجنرال ريتشارد اوكييف المملكة، لدراسة احتياجاتها العسكرية وتقديم تقرير عن ذلك إلى وزارة الدفاع الأمريكية.
وتلخصت مقترحات اوكييف بالتالي:
(1ـ إرسال 460 مستشار أمريكي لتدريب القوات السعودية.
2ـ العمل على تشكيل قوة سعودية تصل إلى 143 ألف جندي.
3ـ تخصيص ميزانية قدرها 107 مليون دولار للبرنامج المذكور)
وارسلت الولايات المتحدة الأمريكية في مارس / 1950 وفداً عالي المستوى من مساعد وزير الخارجية جورج ماكجي ورئيس هيئة الأركان البرية الجنرال لوتن كولنز، التقى بالملك عبد العزيز وأكد له اهتمام أمريكا بالإستثمارات في نفط السعودية ورغبتها في دعم الدفاع السعودي.
وفي 18 يونيو 1951، تم التوصل إلى اتفاقية شكلت مع اتفاقيات قاعدة الظهران حجر الزاوية في العلاقات الأمريكية ـ السعودية في مجال التبعية والإلحاق العسكري، وكانت المملكة السعودية أول بلد عربي يحصل على السلاح والدعم الأمريكي بموجب قانون الدفاع المشترك الصادر عن الكونغرس عام 1949.
وقد أكدت السعودية مجدداً على (الصداقة القائمة بين البلدين، كما أكدت الإتفاقية بأن (تقديم مساعدة الحصول على الأسلحة) للمملكة تندرج في المخطط الأمريكي لتقديم السلاح للدول(التي تعتبر مقدرتها للدفاع عن نفسها أو الإشتراك في الدفاع عن المنطقة التي هي جزء منها مهمة لسلامة الولايات المتحدة!
وتضمن البند الثاني: (إنّ الحكومة العربية السعودية ترغب في أن تستفيد من مساعدة الحصول على الأسلحة، وأن يرسل إليها من الولايات المتحدة بعثة مؤلفة من رجال الجيش والبحرية والقوة الجوية، لتتفق مع الجهات العربية السعودية المختصة على برنامج التدريب).
وأكد البند الثالث بأن الولايات المتحدة سترسل(بعثة مؤلفة من أشخاص ذوي مقدرة وكفاءة من جيش الولايات المتحدة البري والبحري والجوي للتدريب...).
وألزمت الإتفاقية حكومة المملكة بأن الأسلحة المقدمة لها لن تسخدم ضد دول حليفة أو صديقة للولايات المتحدة وتعنى بذلك (إسرائيل) وأن المطلوب هو المحافظة على أمنها الداخلي والدفاع الشرعي عن نفسها) أي حماية آل سعود.
وأعطت الولايات المتحدة لنفسها كافة الحقوق في التنصل من أية التزامات طبقاً لما تراه، فقد نصت المادة 10 على أن (من المفهوم لدى الحكومة العربية السعودية بأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ملزمة بأن تحتفظ بالحق في تحويل المواد والمعدات أو عدم إكمال الخدمات التي تعهدت بها إذا أملت عليها اعتبارات الإهتمام الوطني اتخاذ ذلك.).
هكذا بات التسلح السعودي جزءاً من استراتيجية الولايات المتحدة العالمية في نشر أسلحتها دفاعاً عن مصالحها الخاصة بالدرجة الأساسية، وأن الدفاع عن عملائها لا يتضمن المطابقة المستمرة بين رغباتهم وما تريده الولايات المتحدة، وبالتالي فإن عليهم أن يتعودوا ذلك منذ البداية ويتكيفوا عليه ولا تصيبهم ردود فعل عندما يطلبون شيئاً فلا تستجيب الإدارة الأمريكية بالكامل لرغباتهم!
اتفاقية(المساعدة ـ المتبادلة)! الأنفة الذكرى التي تم توقيعها عام 1951،جرى تجديدها عام 1953، وتم استبدال (بعثة التدريب العسكري التابعة للولايات المتحدة) بـ(الهيئة الإستشارية) للمساعدة العسكرية الأمريكية للبلاد العربية السعودية، وتضمنت الإتفاقية الجديدة الإمتيازات التي يحصل عليها العسكريون الأمريكان، على غرار ما وجدناه في اتفاقية الظهران! بما في ذلك المقاضاة عن أي جرم يرتكبه أفراد البعثة، حيث سيخضعون للتشريع الأمريكي وليس لسواه.
وبموجب هذه الإتفاقية يمكن للطائرات والبحارة وسواهم من القوات الأمريكية ومعداتها الدخول والخروج دون قيود.
وجددت الإتفاقية مرة أخرى عام 1955.
ودمجت الإتفاقية المجددة عام 1957، اتفاقية المساعدة للحصول على السلاح وتلك المتعلقة بقاعدة الظهران، وقد نصت المادة (3) من هذه الإتفاقية على أن (توافق حكومة الولايات المتحدة الأمريكية على تزويد حكومة المملكة العربية السعودية بدون مقابل ببعض المنشآت الإضافية في مطار الظهران لغرض تحسين تسهيلات المطار المدني، وتوافق حكومة الولايات المتحدة أيضاً على تقديم برنامج لسلاح طيران المملكة العربية السعودية وتوسيع برنامج التدريب الإستشاري الحالي الخاص بالجيش العربي السعودي، وكذلك تدريب أفراد البحرية.
وهكذا حصلت الولايات المتحدة على مقاولة شاملة لبناء الجيش السعودي منذ ذلك الوقت
وأكدت المادة (5) على تجديد اتفاقية قاعدة الظهران على النحو التالي:
(4 ـ وبنفس الروح وإعادة لتوكيد التعاون الوثيق بين البلدين، يسر حكومة الولايات المتحدة أن يكون في استطاعتها الإستمرار في استخدام التسهيلات الممنوحة لها في مطار الظهران بمقتضى اتفاقية 18 يونيو 1951، التي تمدد لمدة خمس سنوات من تاريخ هذا التبادل).
ولم تقتصر الإتفاقية على هذه الميادين، بل شملت (توسيع ميناء الدمام) لأغراض عسكرية ولا شك، وبدأت الولايات المتحدة تنفيذ سلسلة من المشاريع المرتبطة ببناء القوة العسكرية السعودية التي تشرف على كل مفاصلها، وترعى كل خطوة من خطوات توسعها.
في 26 سبتمبر 1962 انتصر الشعب اليمني، وأسقط حكم الإمامة، وأقام أول نظام جمهوري في شبه الجزيرة العربية، مما أثار الفزع في قلوب الأسرة الحاكمة في الرياض.
ولذلك أرسلت الولايات المتحدة سرباً من طائرات الفانتوم(إعارة) للمملكة العربية السعودية لإعادة الإطمئنان إلى نفوس الأسرة الحاكمة، وكان ذلك في نوفمبر من العام نفسه!
وأكدت الإتفاقية الموقف بخصوص الطائرات على أن (مدة الإعارة لا نهائية)!
وإنّ الهدف هو للدفاع المشروع عن أراضي المملكة العربية السعودية) وفي عام 1965 نقلت ملكية هذه الطائرات إلى المملكة العربية السعودية هدية من البيت الأبيض!
ومنذ منتصف الستينات، شكل سلاح المهندسين الأمريكي الأداة المصممة والمنفذة لكافة المشاريع العسكرية للمملكة، وذلك بموجب اتفاقية (المساعدة المتبادلة للدفاع) تم توقيعها في 24 مايو 1965، وجاء في الإتفاقية أن (حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ستقوم بتقديم خدمات هندسية وإدارة عمليات الإنشاءات من حيث التصميم، وضع وإبرام المقاولات وإنشاء بعض المرافق للقوات المسلحة السعودية.
إنّ سلاح الهندسة الأمريكي سيتولى هذه المسؤوليات نيابة عن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية!!
وعينت الولايات المتحدة (كبير مهندسي فرقة الهندسة التابعة للجيش الأمريكي في البحر الأبيض المتوسط) ليكون مفوضاً عن سلاح المهندسين لدى الحكومة السعودية.
وأعطت الإتفاقية صلاحيات كبيرة لسلاح المهندسين فيما يتعلق بالتصاميم حيث (يقوم السلاح بإجراء دراسة الجدوى الاقتصادية والمتطلبات الهندسية للمرافق المراد إنشائها في الموقع الذي تحدده الحكومة السعودية. وتكون هذه الدراسات من نوع شامل وتتضمن طريقة الوصول إلى موقع العمل، وتوافر كمية ونوعية المياه والمواد الإنشائية وأحوال الطقس والأحوال الأرضية والجوفية... وتحديد معايير التصميم وتجهيز المخطط الرئيسي ومخطط الترسيم..).
(... وسيكون السلاح مسؤولاً عن إجراء المفاوضة من حيث أسعار الخدمات الهندسية ومن حيث تنفيذ وإدارة مقاولة الهندسة المعمارية..)
ويكون السلاح صاحب القرار في عمليات الإنشاء حيث سيكون مسؤولاً بشكل كلي عن إدارة جميع مقاولات الإنشاءات التي تمت ترسيتها...)
ولتسهيل مهمات فريق السلاح الأمريكي فقد وضعت الحكومة السعودية تحت تصرفه كافة الأراضي السعودية لتلبية احتياجاته!
وتنطبق الإمتيازات العسكرية والدبلوماسية على هذا الفريق الذي لا يخضع للقوانين السعودية، فعندما يرتكب أحد اعضاء سلاح المهندسين أية جريمة (تخطر السلطات السعودية في الحال كبير ممثلي سلاح المهندسين في حال القاء القبض على أي عضو من سلاح المهندسين أو من عوائلهم... وتحيل الشخص المتهم بأسرع ما تسمح به الظروف إلى كبير ممثلي سلاح المهندسين أو من ينوب عنه لاتخاذ ما يلزم من إجراءات معه طبقاً لقوانين الولايات المتحدة!!
وبالرغم من الإشراف الكامل على المشاريع المعهودة لسلاح المهندسين, من الألف إلى الياء فإن الإتفاقية تنص على أنه: ( لا تتحمل حكومة الولايات المتحدة أو أعضاء السلاح مسؤولية أي تلف أو خسارة أو تدمير في الممتلكات أو إصابة أو حادث وفاة تلحق بأي برنامج عسكري أو تدريبي للحكومة السعودية يقدمه أو يشير به أو يشترك فيه السلاح أو أعضاءه...)
إن على المملكة السعودية أن تتحمل هذه المسؤولية أو تتركها معلقة للحساب إلى يوم الحساب!
وتم تجنيد الإتفاقية مرة أخرى لمدة خمس سنوات حتى 24 مايو 1978.
وفي سياق وضع اليد على كامل آلة الدفاع السعودية، فقد تم توقيع اتفاقية أخرى في 19/3/1973 لتحديث الحرس الوطني، وتم اعتبارها امتداداً لاتفاقيات 1952، و 1965 السالفة الذكر، وقد نصت هذه الإتفاقية على أن الحكومتين قد استعرضتا أمور عدة منها:
(3) رغبة الحكومتين في التعاون المشترك لتمكين حكومة المملكة العربية السعودية من الحفاظ على أمنها الداخلي، والدفاع المشروع عن النفس، والإسهام في الدفاع عن المنطقة التي هي جزء منها.
4ـ رغبة حكومة المملكة العربية السعودية في تحديث حرسها الوطني لتحسين مقدرته في حفظ النظام العام وصيانة أمن وحكومة وشعب المملكة).
وكان البرنامج شاملاً، فقد عهدت وزارة الدفاع الأمريكية إلى مجموعة من الشركات الأمريكية ذات الخبرة في فيتنام في مجال كسب ولاء القبائل إلى النظام العميل، للقيام بهذا المشروع، وكان من أبرز الشركات التي أشرفت على تحديث الحرس السعودي هي: شركة فينيل كوربويشن وجنرال الكتريك وكاديلاك كيج.
وتم التنسيق بين الأجهزة الأمريكية العاملة في المملكة حيث عهد إلى كبير المندوبين العسكريين الأمريكيين في المملكة تولي الإختصاصات التي كان يؤديها كبير مندوبي سلاح المهندسين الأمريكان.
إنّ كافة هذه الإتفاقيات العسكرية وسواها من الاتفاقيات الاقتصادية ليست إلا مقدمات للإتفاقية الجامعة، الشاملة، الكاملة، التي وقعها الأمير فهد عام 1974، ليضع المملكة برمتها، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وإدارياً تحت تصرف الولايات المتحدة.
إنّ اتفاقية 8 يونيو 1974 هي اتفاقية التسليم الكامل لمشيئة البيت الأبيض ليعيد صياغة المملكة السعودية حسب ما تراه الدوائر الأمريكية.
إنها فضيحة لم يتم التوصل إليها في أي بلد من بلدان العالم الثالث، وسنكتفي هنا باستعراض القسم العسكري منها على أن نعود إليها في معرض تطرقنا لتطور العلاقات الأمريكية ـ السعودية في النواح الأخرى.
فقد نص البيان المشترك الذي صدر أثر زيارة الأمير فهد(النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية) في 8 يونيو 1974، على (إقامة لجنة مشتركة لاستعراض البرامج الجاري تنفيذها لتطوير القوات المسلحة للمملكة العربية السعودية على ضوء الإحتياجات الدفاعية للمملكة، وخاصة فيما يتعلق بالتدريب. ويرأس اللجنة من الجانب الأمريكي مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي، ومن الجانب السعودي صاحب السمو الملكي نائب وزير الدفاع والطيران، ويعقد الاجتماع الأول لهذه اللجنة في المملكة العربية السعودية في خريف هذا العام).
وجاءت الإتفاقيات العسكرية لاحقاً لتستكمل ما رسمته اتفاقيات قاعدة الظهران والمساعدة المتبادلة والبيان المشترك، حيث نصت اتفاقية 8 فبراير 1977 على:
(مادة (1) ستؤمن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية مواداً وخامات دفاعية لحكومة المملكة العربية السعودية حسبما يتفق عليه الطرفان. وستسعى الحكومة الأمريكية إلى الجمع ما بين إنتاج المواد الدفاعية للمملكة العربية السعودية، والإنتاج اللازم لاحتياجات الولايات المتحدة الأمريكية بغية تحقيق أقصى الوفورات في التكاليف...).
وفي حقيقة الأمر فإن احتياجات المملكة أصبحت جزءاً من احتياجات الولايات المتحدة الدفاعية في المنطقة.
(مادة(2): ينشأ بمقتضى هذه الإتفاقية بعثة تسمى بعثة التدريب العسكرية الأمريكية للمملكة العربية السعودية).
وأوضحت الإتفاقية الخطوط العامة لبعثة التدريب الأمريكية التي يبدو أنها تتزايد باستمرار مع تزايد الإحتياجات العسكرية السعودية ـ الأمريكية على السواء.
وأعطت الحكومة السعودية كافة الإمتيازات للعسكريين الأمريكان التي منحتها للسلك الدبلوماسي ورسمت الخطوط العامة لمهمات اللجنة التي شملت:
( ـ تقديم الخدمات الإستشارية في مجالات التخطيط والتنظيم والتدريب والتسليح والإمدادات والتموين.
ـ تقديم الدراسات والتوصيات التي يطلبها المسؤولون في القوات المسلحة السعودية أو التي تتقدم بها بعثة التدريب العسكرية الأمريكية.
ـ إدارة برنامج التعاون العسكري الأمريكي بما في ذلك التنسيق مع وزارة الدفاع الأمريكية والقوات المسلحة الأمريكية في جميع نواحي البرنامج مثل صفقات المبيعات العسكرية الأجنبية لتأمين المعدات وتقديم التدريب والقيام بالخدمات لمساندة برنامج التعاون العسكري).
هل بقي شيء لم يشمله عمل بعثة التدريب العسكري الأمريكية؟ وهل يمكن القول بأن القرار العسكري السعودي مستقل عن الإرادة الأمريكية؟ وهل يمكن القول بأن هذه البعثة لا علاقة لها باحتياجات أمريكا الدفاعية في المنطقة، وتعمل بناء على المصلحة السعودية والعربية العليا؟
إنّ اتفاقية 1977 قد تضمنت مادة للتعويض عن كافة المساعدات المالية والعسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة خلال العقدين المنصرمين.
فلماذا تضمنت هذه الإتفاقية نصا يقول: (تعوض حكومة المملكة العربية السعودية، اعتباراً من يوليو 1976″لاحظ بأثر رجعي″ حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عن جميع مصاريف بعثة التدريب العسكرية الأمريكية بالمملكة العربية السعودية، وذلك من خلال صفقات المبيعات العسكرية الأجنبية والمساعدة العينية؟
إنّ تفسير ذلك يعود إلى ارتفاع أسعار النفط عام 1973 والهجمة الأمريكية لتدوير هذه العائدات إلى جيوب الإحتكارات. وهكذا تريد الإدارة الأمريكية أن تدفع المملكة السعودية عداً ونقداً كافة المصاريف والمساعدات التي قدمت لها!
وإذا كانت الإتفاقيات العسكرية التي أشرنا إليها قد غطت مرحلة ثلاث عقود من الزمن في العلاقات الأمريكية السعودية، فإن التطورات اللاحقة وخاصة بعد اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية وتقديم 4 طائرات اواكس لمراقبة الأجواء السعودية، ثم التعاون الأمريكي السعودي الشامل مع تصاعد حرب الناقلات، يكشف بوضوح أن المملكة بكاملها قد أصبحت تحت الإدارة العسكرية الأمريكية، وأن الحديث عن استقلال القرار العسكري ليس إلا وهماً لا يصدقه حتى مطلقيه.
ارسال التعليق