قطر تشق طريقها الخاص بعد سنة من الحصار السعودي
بقلم: ميغان أوتول
نظرا لأن قناة سلوى قريبة من الحدود القطرية السعودية، عادة ما تكون حركة المرور محدودة بشكل ملحوظ، حتى أنه لا يمكن رؤية سيارة واحدة تسير في أي اتجاه، فضلا عن أن آخر محطة بنزين قبل المعبر تبدو مهجورة تماما. خلال السنة الماضية، كان هذا الطريق يعج بالشاحنات، ولكن اليوم، لا يوجد سبب يبرر وجودها هناك. خلال الاثني عشر شهرا الماضية، فرضت الرياض وحلفاؤها الخليجيون حصارًا بريا وبحريا وجويا على دولة قطر المجاورة في محاولة لفرض هيمنتهم الإقليمية.
في الأثناء، انقطعت المبادلات التجارية بين الدوحة والتحالف الذي تقوده السعودية. ولا يزال المواطنون ممنوعين من السفر إلى إحدى دول الحصار، في حين لا يمكن لغير القطريين من هذه الدول دخول الإمارة الصغيرة. في قلب الدوحة، لا تبدو آثار الحصار في البلاد واضحة وعميقة كما كان متوقعا، حيث تمتلئ مخازن البقالة بالأغذية، ولا تزال عمليات بناء الطرق والملاعب تسير بخطى حثيثة، في الوقت الذي تنشط مراكز التسوق بشكل كبير.
في تقرير حديث، اعتبر صندوق النقد الدولي أن الآثار الاقتصادية للحصار كانت "عرضية"، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي انخفض فيه التمويل الأجنبي والودائع الخاصة بالقطاع الخاص بمقدار 40 مليار دولار، تم تعويض ذلك عن طريق النقد الذي قدمه البنك المركزي وصندوق الثروة السيادي القطري.
وفي هذا السياق، أفاد بعض المحللين أن الحصار أجبر قطر على إيجاد بدائل للسياسات المتبعة منذ فترة طويلة، سواء على صعيد الجغرافيا السياسية أو الأداء الأساسي لاقتصادها.
علاوة على ذلك، انتقلت قطر بسرعة من الاعتماد على شحنات الأغذية البرية القادمة عبر الحدود السعودية، بما في ذلك اللحوم ومنتجات الألبان، إلى استيراد هذه المنتجات من دول مثل تركيا، والسعي وراء تطوير صناعاتها المحلية. وحيال هذا الشأن، أوضح أستاذ مساعد في قسم التاريخ في جامعة جورجتاون ـ كلية الشؤون الدولية في قطر، عبد الله العريان، أنه "بهذه الطريقة، ساعد الحصار على الحد من اعتماد الدوحة على جيرانها في مجلس التعاون الخليجي".
وأضاف العريان، خلال حوار أجراه مع موقع ميدل إيست آي البريطاني أن "مجلس التعاون الخليجي كان يحاول دائما تكريس مقاربة مشتركة للمنطقة... غير أن هذه الدول لم تكن بالضرورة تتفق في الرأي". وأردف العريان، أنه "من خلال السعي إلى تحقيق اكتفائها الذاتي، خاصةً من الناحية الاقتصادية، سمح هذا الحصار لقطر في النهاية بشق طريقها الخاص واتخاذ الخطوات التي كانت ممنوعة من القيام بها في السابق".
قبل سنة، اندلعت أزمة الخليج في الثالث والعشرون من شهر آيار/ مايو، عندما تمكن بعض القراصنة من الوصول إلى منصة الإعلام الرسمية القطرية ونشر تعليقات كاذبة نُسبت إلى أمير البلاد، كانت في جوهرها تنتقد السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وفي وقت لاحق، نددت الدوحة بالدور الذي لعبته أبوظبي في هذا الاختراق، محيلة إلى "الانتهاك الواضح وخرق القانون الدولي والاتفاقيات الثنائية والجماعية الموقعة بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي".
أفاد مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، محجوب الزويري، أنه "بعد مرور سنة، أصبح من الواضح أن الحصار لم يحدث التأثير المتوقع على الدوحة".
على خلفية ذلك، تأزم الوضع بسرعة مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر بعد أن قامت هذه الدول بإصدار سلسلة متزامنة من البيانات، صباح 5 من شهر حزيران/ يونيو، تنص على قطع العلاقات مع الدوحة. في الوقت ذاته، تعهدت هذه الدول بمواصلة الحصار حتى توافق قطر على تنفيذ قائمة تتكون من 13 مطلبا تشمل إغلاق قناة الجزيرة، التي تتخذ من الدوحة مقرا لها، والحد من العلاقات التي تربطها بإيران وإغلاق القاعدة العسكرية التركية. لكن قطر رفضت هذه المطالب على اعتبارها تعد انتهاكا لسيادتها.
أدت أنباء هذا الحصار في اندلاع موجة من الذعر في الدوحة، حيث هرع الناس إلى محلات البقالة وقاموا بتفريغها، فضلا عن الصرافات الآلية من أجل سحب أموالهم. وعلى الرغم من تزويد المخازن بالسلع من جديد وفي وقت قياسي واستمرار وجود الأموال النقدية، شهدت بعض المنتجات نقصا في حين ظلت الأسعار متقلبة.
في هذا السياق، أفاد مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، محجوب الزويري، أنه "بعد مرور سنة، أصبح من الواضح أن الحصار لم يحدث التأثير المتوقع على الدوحة". وأضاف المصدر ذاته لموقع ميدل إيست آي أن "القطريين لاحظوا وجود المزيد من السلع والمنتجات المتنوعة، التي لم تكون موجودة حتى خلال فترة ما قبل الحصار".
وأردف الزويري، أن "قطر قد تمكنت من التحرك بسرعة من أجل توفير الاحتياجات الأساسية... وبالتالي، كللت جهودها الرامية إلى تقليل آثار الأزمة على مواطنيها بالنجاح. وفي نهاية المطاف، فشلت بلدان الحصار في مساعيها لعزل قطر، في حين نجحت الدوحة في تعزيز تحالفاتها مع دول أخرى في أوروبا وآسيا. علاوة على ذلك، أدى الحصار إلى توطيد العلاقات بين المواطنين القطريين والمغتربين، حيث التف جميعهم حول إحساس قوي بالهوية الوطنية".
انتهاكات حقوق الإنسان
بالنسبة للبعض، كان للحصار آثار عميقة ولا تزال مستمرة إلى الآن. وقد تطرقت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتبت عن الحصار، التي تشمل انفصال بعض العائلات عن بعضها البعض، وحجب الرعاية الطبية عن العمال المهاجرين والتخلي عنهم.
وفي سياق متصل، أوضح رجل أعمال قطري رفض الكشف عن اسم عائلته، يدعى عبد الله، أن الحصار أثّر عليه وعلى أسرته على المستوى الشخصي.
أكد عبد الله أنه وبصفته مزدوج الجنسية "نصف بحريني ونصف قطري، شأنه شأن الكثيرين غيره، فقد أدى الحصار إلى تمزيق عائلته. ففي ذلك الوقت، كان والده، الذي لا يزال يحمل جواز سفر بحريني، في البحرين، ولم يكونوا متأكدين متى سيهدأ الوضع ويتمكن من زيارتهم بانتظام، كما اعتاد.
خلال شهر كانون الأول / ديسمبر الماضي، وبعد مرور ستة أشهر من الحصار، كشفت منظمة العفو الدولية أن دول الحصار لم تبذل أي جهود لتخفيف معاناة المتضررين، بما في ذلك العديد من الأسر المختلطة التي تواجه حالة من الشتات المؤلم... فضلا عن أنه لا توجد أي مؤشرات على وجود حلول في الأفق. وفي هذا الإطار، أشارت زميلة زائرة في مركز بروكنغز الدوحة، نهى أبو الدهب إلى أنه "بعد مضي سنة على الحصار، أصبح من الواضح أنه ليس سوى جزء من لغز أكبر بكثير، وهو في الأساس من تخطيط السعودية والإمارات بهدف إعادة رسم المشهد الجيوسياسي في المنطقة".
في السياق ذاته، أردفت أبو دهب، في إشارة إلى الدعم الذي قدمته قطر لموجة الانتفاضات المناهضة للحكومات العربية التي اجتاحت المنطقة منذ سبع سنوات، الأمر الذي اعتبرته الرياض وحلفاؤها تهديدًا لها، قائلة: "لقد كان من المثير للاهتمام أن نشهد ثورات التغيير التي اجتاحت الكثير من البلدان. في البداية، كانت اللجنة الرباعية تسعى بشدة إلى توجيه اتهامات بالإرهاب إلى قطر. وفي الوقت الحالي، أصبح من الواضح أن اللجنة الرباعية تسعى في الواقع إلى شن هجوم مضاد للثورة على مستوى المنطقة، لا سيما في أعقاب الربيع العربي".
مع استمرار غياب أي دلالات تحيل إلى نهاية هذه اللعبة، استسلم العديد من الأفراد في الدوحة ببساطة للواقع الجديد والحياة في ظل الحصار، على حد تعبير العريان. وفي شأن ذي صلة، أفادت مواطنة قطرية، رحاب النعيمي، التي تعمل في القطاع المالي، في حوار أجرته مع موقع ميدل إيست آي، أن "أكبر تغيير لاحظته خلال السنة الماضي كان تدني الروح المعنوية للقطريين". وأضافت النعيمي، قائلة: "نحن محظوظون بما يكفي للعيش في بلد يتمتع بالقدرة على الحفاظ على مستويات معيشية جيدة... لذلك لم يكن التأثير المادي للحصار مصدر قلق كبير لنا".
وتابعت النعيمي، قائلة: "ما لا نستطيع السيطرة عليه هو الضغط الذي فرضه هذا الحصار على العلاقات الأسرية التي تجمع مواطني دول مجلس التعاون الخليجي. ففي الغالب، يعد واحد من أفراد الأسرة أو أكثر في قطر من مواطني أحد بلدان الحصار أو متزوجا من أحد أفراد هذه البلدان.
ونتيجة لذلك، ولد تسبب الحصار حالة من التشاؤم في نفوس الأفراد في مختلف بلدان مجلس التعاون الخليجي، حيث يشعر معظمهم بالقلق إزاء إمكانية حدوث مصالحة في المستقبل القريب ويتوقعون استمرار الحصار لسنوات عديدة".
وفقا لبعض المحللين، بينما تستمر شكوك الكثيرين بشأن إمكانية التوصل إلى حل، يمكن أن يتطور الوضع بسرعة، على غرار ما حدث في الأيام الأولى للحصار. وبغض النظر عما سيحدث بعد ذلك، أشارت أبو الدهب، إلى أن "هناك أمرا واحدا مؤكدا يتمثل في أن المفهوم الاجتماعي والسياسي لمجلس التعاون الخليجي لن يظل على حاله بالتأكيد".
ارسال التعليق