كاتب غربي :هل تتكرر تجربة سقوط الشاه ولكن في الرياض؟؟
هل تقوض «رؤية 2030» النظام السعودي كما فعلت «الثورة البيضاء» بنظام شاه إيران؟
مع وصول وفود العالم إلى نيويورك لترقب اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة هذا الشهر، فإن الوفد السعودي سوف يستفيد من هذه الفرصة للترويج للعاصمة الرياض كمركز دولي متعدد الثقافات. يأتي ذلك في إطار جهود المملكة لتعزيز هويتها الجديدة، وترويج قائمة من الإصلاحات الاقتصادية التي يجري حاليا متابعتها من قبل الملك «سلمان»، وبشكل أكثر تحديدا نجله الأمير «محمد بن سلمان». أطلق نائب ولي العهد الشاب بعض الوعود الجريئة بخصوص مستقبل الاقتصاد السعودي، بما في ذلك تخفيضات كبيرة في الإنفاق العام، وتسهيلات للشركات التي ترغب في الاستثمار وإقامة أنشطة تجارية في المملكة العربية السعودية.
وبالنظر إلى سجل حافل من مشاريع الإصلاح في الشرق الأوسط الحديث، فإنه من الصعب إلقاء اللوم على المراقبين الذين يجدون صعوبة في أخذ وعود «بن سلمان» على محمل الجد. بين المحاولات الخجولة السابقة للحكومة السعودية في مجال الإصلاح، والدور الكبير للدولة في الخطة، ينقسم المنتقدون بين من يرون أن المملكة تدفع نحو الكثير من التغيير بسرعة كبيرة جدا أو أنها لا تقوم بما يكفي منه أو تديره بالسرعة المطلوبة. ومن المثير للاهتمام أن بعض الخبراء قد أشاروا إلى وجود تشابه بين حملة التحديث التي تطلقها السعودية الآن، وبين تلك الحملة التي قامت بها إيران في الستينيات والمعروفة باسم الثورة البيضاء. شرعت إيران آنذاك تحت قيادة الشاه «محمد رضا بهلوي» في حملة ((إصلاحات)) اقتصادية مدعومة من الولايات المتحدة كلفته عرشه في نهاية المطاف.
ظاهريا، تبدو أوجه التشابه بين إيران في الستينيات، وبين المملكة العربية السعودية اليوم ماثلة للعيان. حكمت إيران في عهد «بهلوي» من قبل نظام ملكي يتمتع بعلاقة وثيقة مع الولايات المتحدة. وفي الواقع فإن طهران والرياض كانتا تمضيان قدما كي تصبحا ركيزتي استراتيجية نيكسون لإبعاد السوفييت عن الشرق الأوسط. ومع وقوعها على الحدود مع الاتحاد السوفييتي، تدفقت المساعدات والأسلحة على إيران في عهد الشاه بشكل متتابع منذ عهد «أيزنهاور». من جانبه، قام شاه إيران باستغلال موقع دولته على الخطوط الأمامية للحرب الباردة وارتفاع أسعار النفط من أجل الحصول على الدعم السخي من شركائه الأمريكيين. التشابه مع السعودية واضح جدا الآن. على الرغم من الانتقادات المتزايدة، لا تزال السعودية هي الشريك الأكثر أهمية للولايات المتحدة وبريطانيا في منطقة الخليج. أنفقت المملكة العربية السعودية 9 مليارات دولار على شراء الأسلحة لاستمرار حربها في اليمن، وكانت شركات الدفاع الأمريكية والبريطانية على رأس قائمة الموردين.
فيما وراء أبعاد الجغرافيا الاستراتيجية تبدو الأمور مختلفة بعض الشيء. كانت الثورة البيضاء الإيرانية نتاجا مباشرة للعلاقة المتشابكة بين الشاه والولايات المتحدة. بدأت إدارة «كينيدي» ضجة حول الحاجة إلى الإصلاحات الليبرالية لاسترضاء الجماهير الساخطة، ما دفع شاه إيران إلى تصميم برنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي يبدو مثل الموسيقى في آذان صناع القرار في واشنطن. شملت هذه الإصلاحات منح حق التصويت للنساء، وتفتيت الملكيات الإقطاعية الكبيرة، ونقل ملكية الأراضي إلى الفلاحين. كان هذا كافيا لإرضاء واشنطن، ولكن سوء التنفيذ أدى إلى تضخم جامح. والأسوأ من ذلك أن منح المرأة حق التصويت بموجب مرسوم ملكي قد أدى إلى تعبئة المعارضة لنظام الشاه داخل صفوف المؤسسة الدينية، في الوقت الذي تسبب فيه الإصلاح الزراعي في تقويض العلاقات الإقطاعية التي يقوم عليها النظام الإمبراطوري الإيراني. تميزت الثورة البيضاء أنها استوردت جملة من الأساليب والقواعد الغربية في بلد كان لا يزال محافظا ومتدينا. بعد خمسة عشر عاما، فإن المظالم الناتجة عن ذلك دفعت «آية الله الخميني» إلى السلطة.
على العكس من إيران، فإن خطة الإصلاح السعودية ليست ناجمة عن ضغوط خارجية من واشنطن أو من لندن، ولكنها تأتي مدفوعة بتقييم داخلي واقعي حول موقع المملكة في مرحلة ما بعد النفط في القرن الحادي والعشرين. تجعل أسعار النفط المنخفضة «رؤية 2030» مزيجا ما بين الواقعية الاقتصادية والحاجة الملحة للاستفادة من طاقات السكان الشباب. عن طريق خفض استهلاك الوقود والإعانات الأخرى التي اعتاد السعوديون على الحصول عليها كنصيب من الثروة النفطية، فإن النظام الملكي السعودي يعترف لرعاياه أن أيام الوظائف الحكومية السهلة وما يتفقون على انه حق مسلم لهم في الثروات قد ولت.
الأهم من ذلك أن المخططين الاقتصاديين السعوديين يقومون بنشاط باستبدال دولة الرفاه من خلال تسهيل القيام بأعمال تجارية في المملكة والتماس الاستثمار في الصناعات غير النفطية المتخلفة في البلاد. لا تزال العلاقات العسكرية وصادرات النفط تهيمن على العلاقات بين الرياض من ناحية وبين الولايات المتحدة وبريطانيا من ناحية أخرى. ولكن «محمد بن سلمان» يسعى لإقامة شراكات تجارية طويلة الأمد كذلك. سافر الأمير للولايات المتحدة في وقت سابق من هذا العام، وقام بتمثيل بلاده في الجمعية العامة. ووظف مجلس التعاون الخليجي الذي تقوده المملكة العربية السعودية . وبطبيعة الحال، وظف «محمد بن سلمان» حضوره في قمة مجموعة دول العشرين في وقت سابق هذا الشهر لترويج الرياض كوجهة استثمارية في الصين واليابان. وفي حين كان الشاه يتهم بأنه رهينة للأمريكيين، فإن حكام المملكة سوف يتعبون في إثبات أنهم لا يعتمدون على واشنطن.
الفرق الرئيسي الآخر بين إيران الستينيات والسعودية في العصر الحديث هو أن الشاه قام بتدشين التغيير الاجتماعي بمفرده، في حين أن العائلة المالكة السعودية تسعى للحاق بركب قوى مجتمعية قوية تطالب بمجتمع أكثر انفتاحا منذ سنوات. 70% من سكان المملكة تقل أعمارهم عن ثلاثين عاما والعديد منهم تلقوا تعليمهم خارج البلاد. المملكة العربية السعودية لديها بعض من أعلى نسب انتشار وسائل الإعلام الاجتماعي في العالم. وأصبح تويتر مكانا للنساء السعوديات في حملة من أجل مزيد من الاستقلالية ووضع حد لقوانين الولاية التي تمنعهم من العمل، والسفر، والوصول إلى الخدمات الصحية وغيرها دون موافقة من أحد أفراد الأسرة الذكور.
تظهر التجربة الإيرانية مدى صعوبة التغلب على المقاومة من قبل قاعدة دينية قوية. ومع ذلك، فإن القيود التي تم فرضها على الشرطة الدينية والإصرار على زيادة نسب توظيف النساء تشير إلى نشوء بعض الثغرات الاجتماعية. نظرا لمدى عمق التدين المحافظ في السعودية، فإن التغيير التدريجي ربما يكون هو الطريق الأسلم لتجنب الانهيار.
في نهاية المطاف، فإن تغيير النموذج الاقتصادي في المملكة العربية السعودية هو الطريق الوحيد للتأكد من أن البلاد يمكن أن تتعايش مع الواقع العالمي الجديد في مجال الطاقة. لعبت السعودية دور حاضن الثورات المضادة في أعقاب الربيع العربي، ولكنها ليست في مأمن من الضغوط الاجتماعية التي دفعت الى الثورات التونسية والمصرية. في هذه الحالات، تسبب الركود الاقتصادي في تقويض الأنظمة السياسية المتصلبة. ومع كونهم يحكمون جيلا أقل عمرا وأكثر تطورا، فإن على العائلة المالكة السعودية أن تتيقن أن من هذا الشباب سوف يجد الوظائف والفرص. الطريق لتحقيق ذلك قد يكون مشابها (ظاهريا) لإيران في عهد الشاه.
المصدر | ناشيونال إنترست
ارسال التعليق