كاتب يمني يؤكد: السعودية لا تعطي بالمجان وموضوع قداحي شماعة ليس الا
صلاح السقلدي
إخفاق السعودية العسكري باليمن طيلة السنوات السبع الماضية – هي عُــمر حربها باليمن- وفشل أهدافها المعلنة (إعادة الحكومة المعترف بها الى صنعاء وهزيمة الحركة الحوثية، وغير المعلنة المتمثلة قطع يد إيران باليمن)، وفشل شركاؤها المحليين في تقديم نموذجا ناجحا للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني في مناطقهم المعروقة بـــ ( المُــحررة)، ليكون نموذجا يدين الحوثيين في صنعاء ويسحب البساط الجماهيري من تحتهم ويغريها لتنتفض بوجوههم،جعل المملكة العربية السعودية تتصرف بعنف سياسي ثائر ،وبحساسية مفرطة إزاء أية انتقادات تتحدث ولو بشكل منطقي ومحايد عن سبب طول مدة الحرب وطبيعتيها ومشروعيتها ،وعن الأضرار التي تلقي بها على الوضع الإنساني والمعيشي في هذا البلد المنهك المُــدمّــر… فهذه الحساسية وردود الأفعال العصبية المتشنجة تدل قطعا على أن الحالة المعنوية لصانع القرار بالرياض ليست على ما يرام، مُــضطربة للغاية، وفي أدنى مستوى لها، وأفقدت المملكة رزانتها السياسية المعهودة، وهذا أمرٌ متوقع، لا غرابة فيه – على الأقل لدى من يتابع صعوبة الأوضاع التي تمر بها السعودية بحرب اليمن من انكسارات تجاه قوات الحوثيين, و من تصدعات في معسكر حلفائها المحليين هناك- شعور سعودي متفجر جّراء الخيبة العميقة والفشل الواضح صار سمة ملازمة لهذه الحرب… هذا الشعور يبلغ ذروته حين يتعلق الأمر بتسليط الأضواء عبر تصريحات إعلامية وسياسية وتقارير حقوقية ناقدة للحال الذي بلغ فيه الجانب الإنساني وعلى ضحايا الهجمات الجوية وصعوبة الوضع المعيشي وحالة الفقر المتفاقم الذي تضاعفه ويلات حرب السنوات السبع العجاف، في بلد مُــعدم وفقير أصلا، تًـــتهم السعودية اليوم بتعميق مأساته بحربها التي طال أمدها.!
التصريح الأخير لوزير الإعلام اللبناني السيد\ جورج قرداحي والذي أطلقه قبل توليه منصبه لم يكن له أن يــحدِثَ كل هذا الغضب السعودي الطاغي ويخرج صانع القرار عن طوره لو لم يكن لدى السعودية أصلا توجسا وحساسية من هكذا انتقادات لمعرفتها أن ثمة صحة ومنطق بهذه الانتقادات، تخشى الرياض من أن تعمق مأزقها بالحرب وتفاقم سخط اليمنيين بوجهها، وبالذات القوى المتحالفة معها- بين صفوف السُــلطة المعترف بها دوليا- والتي بدأت تشعر بتذمر كبير من مآلات هذه الحرب ومن تقاعس التحالف من تقديم دعم عسكري حقيقي -بحسب مبررات تلك القوى لفشلها أمام الحركة الحوثية – مع تقدم متسارع لقوات هذه الأخيرة واسقاطها لمناطق استراتيجية تباعاُ، في محافظات: مأرب وشبوة والبيضاء.
ومع ذلك ليس هذا هو السبب الرئيس للغضب السعودي من تصريح السيد قرداحي، وأن كان واحدا من أهم أسباب غضبها وتبرمها. فالسعودية لم تغضب فقط من فحوى التصريح بحد ذاته، فكان بمقدورها أن ترد عليه بالمثل وتفند ما ورد فيه عبر وزير إعلامها أو جيشها الإلكتروني الجرار أن كانت لا تريد أن تستثمره خارج خصوماتها مع القوى اللبنانية، وكفى المؤمنين شر قطع العلاقات ،خصوصا وقد سمعنا انتقادات شديدة لهذه الحرب وللسياسة السعودية برمتها باليمن وبالشرق الأوسط كله، من قِــبل رؤساء دول كثيرة منها أمريكا وكندا وفرنسا بل ومن الأمين العام للأمم المتحدة الحالي الذي وصف هذه الحرب بنفس العبارة التي استخدمها الوزير قرداحي:( يجب أن تتوقف هذه الحرب العبثية)،بل لأن هذا التصريح -تصريح قرداحي – أتى من وزير الجمهورية اللبنانية التي للسعودية خصومة شديدة مع بعض قواها الحزبية والسياسية والفكرية، وبالذات حزب الله الخصم اللدود للرياض والذي يعتبر الوزير قرداحي من أقرب المقربين له، ولهذا رأت السعودية في هذا التصريح فرصة سانحة لتوجيه السهام صوب منافسها الرئيس:( إيران) من خلال ممارسة مزيدا من الضغوطات السياسية والابتزاز الاقتصادي على لبنان الذي يعاني من ضائقة اقتصادية حادة لنبذ حزب الله وحلفائه من الملعب السياسي- في مشهد تنمر صريح -وللانتقام من المساندة الإيرانية للحوثيين الذي تعاني السعودية من بأس وجلادة قتالهم.
– السعودية كما هو معروف عنها لا تُــقدًم أية معونات ،وأن كانت فُـتات إلّا مقابل موقف سياسي أو نظير تنازل الطرف المتلقي عن أمرٍ ما، ولجعله تابعا لها، وصدى لصوتها بكل المحافل وعند كل أزمة تجابهها… هذا المتلقي ينقاد وراءها حيثما اتجهت، يطرب لطربها ويغضب لغضبها،يؤيد من تؤيد ويخاصم من تخاصم .وهذه السياسة طبقتها السعودية بحذافيرها باليمن منذ عقود، ونراها بالسنوات الأخيرة تتطبق بذات النسخة مع بعض دول المنطقة الضعيفة، التي يرميها حظها العاثر لطلب الدعم المالي والسياسي السعودي، وما دولة البحرين إلا نموذجا وضحية لهكذا سياسة جائرة ،خصوصا من بعد التدخل السعودي العسكري الذي وصل الى دوار اللؤلؤة في قلب العاصمة المنامة, التدخل انقذ الأسرة الحاكمة هناك من السقوط على وقع صخب العاصفة الشعبية قبل سنوات، فالبحرين منذ ذلك التاريخ وهي تدور في الفلك السعودي بشكل واضح وتتبنى السياسة السعودية قلبا وقالبا، بشكل جعلها تبدو تابعا مطيعا لا حول له ولا قوة إلا بالموقف السياسي السعودي، تماما كما تتعاطى ( السعودية) مع اليمن منذ عقود بجعلها مجرد حديقة خلفية لها مسلوبة القرار والسيادة نظير ما يتلقاه من دعم، مع أن هذه الدعم لا يذهب لخزانة الدولة ليصير تنمية واقتصاد، بل لجيوب قوى سياسية وحزبية وجماعات جهادية وشخصيات قبلية وعسكرية عبر ما يُــسمى باللجنة الخاصة وغيرها من المسارب المادية والمالية الأخرى.
*صحافي من اليمن-عدن
ارسال التعليق