كيف ابتهج الإعلام والنخب بمملكة آل سعود بتطبيع أبوظبي و"تل أبيب"؟
التغيير
من جديد عادت موجة من الهجوم السعودي ضد فلسطين وشعبها، بالتزامن مع إعلان اتفاق السلام بين الإمارات و"إسرائيل"، في وقتٍ لم تعلن فيه الرياض موقفها الرسمي من ذلك الاتفاق.
وعلى هامش الإعلان الإماراتي الإسرائيلي كان لافتاً الهجوم المتوقع من قبل صحفيين ونشطاء سعوديين ضد القضية الفلسطينية ومن يخالف ذلك الاتفاق، في حين لجأت وسائل إعلام سعودية إلى نشر مقالات تُثني على ما تم إعلانه.
وخلال السنوات الماضية، تصاعدت حدة الإساءة للقضية الفلسطينية على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بمملكة آل سعود، مروراً باعتقالات واسعة شنتها السلطات في المملكة ضد عشرات الفلسطينيين ممن يوجدون على أراضيها.
صمت رسمي ومباركة إعلامية
على الرغم من أهمية الحدث وحساسيته لدى العرب والمسلمين فإن ما كان لافتاً هو الصمت الرسمي السعودي وعدم الخروج بأي تصريح حول إعلان واشنطن، (13 أغسطس 2020)، التوصل رسمياً لاتفاق سلام بين أبوظبي و"إسرائيل".
لكن في المقابل فإن وسائل الإعلام بمملكة آل سعود كان موقفها مختلفاً؛ فقد اهتمت بشكل كبير بنشر الأخبار التي تتحدث عن ترحيب عددٍ من الدول بتلك الاتفاقية، وأفردت لها اهتماماً واسعاً على مواقعها الإلكترونية وصفحاتها على "تويتر".
ليس ذلك فقط، بل نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" عدة مقالات ترحب بتلك الخطوة؛ حيث نشرت مقالاً للكاتب السعودي مشاري الذايدي بعنوان "الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.. اختراق لحاجز الوهم"، قائلاً: "إن الإمارات قطفت مكسباً ملموساً للقضية الفلسطينية، ليس بالشعارات، بل بالعمل"، وأعادت قناة "العربية" الممولة من الرياض نشره أيضاً في موقعها الإلكتروني.
وهاجم "الذايدي" من ينتقد ما قامت به الإمارات، وقال: "إن المزايدات المتوقعة ضد الإمارات هدفها احتكار التفاهم والتفاوض مع إسرائيل".
كما نشرت صحيفة "إيلاف" مقالاً للكاتب السعودي خالد تركي آل تركي، بعنوان "الإمارات تسير والأعداء يصرخون"، استخدم فيه هجوماً كبيراً ضد منتقدي خطوة الإمارات التطبيعية.
واعتبر أن الاتفاق "سيكون مفتاح خير للوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وسيضع حداً للمنتفعين والمسترزقين بالقضية الفلسطينية من دول وأحزاب وأشخاص".
دفاع عن الإمارات
وبرز كتاب وصحفيون سعوديون يهاجمون على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي من ينتقد الإمارات، ويثنون على ما قامت به أبوظبي من توقيع الاتفاق مع دولة تحتل أرضاً عربية.
وكتب عثمان العمير، الناشر في صحيفة "إيلاف"، والمقرب من الديوان الملكي، قائلاً: "ما يحدث من هجوم على الخطوة التاريخية للشيخ محمد بن زايد بعبارات لا تليق وبمزايدات في كل أفق وطريق وبشعبوية هي من الطبيعة قبل التطبع، تعرض لها زعماء دخلوا التاريخ بجلال".
وكالعادة أصبح حشر قطر و"الإخوان" أولوية في مختلف القضايا، حيث كتب الكاتب السعودي سلمان الدوسري قائلاً: "القطري أو الإخواني الذي يشتم الإمارات بسبب علاقاتها مع إسرائيل ينطبق عليه المثل (شين وقوي عين)!.. فأنت أبو التطبيع والعلاقات الثنائية سواء كنت في قطر أو تركيا، لكنك تمارس الازدواجية كالعادة".
أما عضوان الأحمري، رئيس تحرير صحيفة "إندبندنت عربية" التي يملكها آل سعود، فهو يرى أن "إسرائيل دولة أصبحت واقعاً لا يمكن محوها من الخارطة"، مضيفاً: "كل رفض لمبادرة سلام يعني قضم تل أبيب لمزيد من الأراضي الفلسطينية. كانت المطالبات بحدود ما قبل 67، والآن وصل الحديث عن غور الأردن. الفرص تضيع بسبب الشعارات".
بدوره يرى الكاتب في صحيفة "عكاظ"، خالد السلمان، أن "السلام كان مقابل عودة فلسطين، ثم مقابل عودة القدس، ثم مقابل عودة الضفة وغزة، ثم مقابل وقف ضم المستوطنات! قضية ترخص بتقادم الزمن!"، معتبراً أنها قضية تحولت إلى "سلعة في دكاكين عرب الشعارات، أما المثير للسخرية فهو أن تصدر اتهامات وانتقادات التطبيع من عواصم يرفرف فيها العلم الإسرائيلي!".
هجوم على فلسطين
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً عاود "الذباب الإلكتروني"، بمشاركة نشطاء سعوديين، شن حملة ضد الفلسطينيين من خلال وسم "#ابوك_لابو_كضيتك"، في إشارة للقضية الفلسطينية، والذي تصدر الترند في "تويتر".
ونشر حساب "يزيد الشهراني" كاريكاتيراً مرفقاً بتعليق قال فيه: "هذا أنتم وهذه نتيجة فعلة أيديكم، أنتم من بعتم أراضيكم وبيوتكم ووطنكم ثم رميتم باللوم على مملكة آل سعود (..) جاحدين وناكرين المعروف".
ولم يتوقف الأمر عند الهجوم، بل وصل إلى حد التقليل من أهمية عدد الشهداء الفلسطينيين، ومقارنتهم بآخرين قتلوا في حروب في بلدان عربية وإسلامية؛ حيث علق أحدهم بقوله: "80 سنة من الاحتلال الصهيوني لفلسطين لم يستشهد سوى 20 ألف فلسطيني، سوريا في 6 سنوات 500 ألف شهيد، الجزائر مليون شهيد (..) الفلسطيني أكبر من تاجر بالقضية لتعبئة أرصدته البنكية".
وعلق عايد العتيبي على صفحته: "الفلسطينيون ما فيهم أحد انتفض على إسرائيل أو تهجم عليهم من سنوات، همهم الوحيد كيف يصيرون تجاراً وكيف يوصلون للتبرعات بأي طريقه كانت".
هجمات سابقة واعتقالات
لم يكن هذا هو الهجوم الأول ضد الفلسطينيين والقضية الفلسطينية من قبل السعوديين؛ فقد سبق ذلك حملات من قبل تبنتها أحياناً وسائل إعلام سعودية.
وخلال الأعوام الثلاثة الأخيرة تصدرت وسوم مختلفة في مملكة آل سعود؛ كان أبرزها "فلسطين ليست قضيتي"؛ رداً على رسم كاريكاتيري لموقع فلسطيني يظهر رجلاً يهرول هارباً من برميل نفط متدحرج نحوه، قال منشئو الوسم إن المقصود من هذا الرسم الشماتة من مملكة آل سعود بعد تدهور أسعار النفط.
كما تبنت كتائب النظام الإلكترونية بمملكة آل سعود، كما يصفها البعض، وسماً (#بالحريقه_انت_وكضيتك)، إضافة إلى ترويج أن الفلسطينيين هم من باعوا قضيتهم للإسرائيليين.
وتأتي المواقف التي تتبناها وسائل الإعلام والنشطاء متماهية مع الموقف الرسمي السعودي؛ ففي مارس 2018، بثت "القناة الإسرائيلية العاشرة" تقريراً تضمن حديثاً لمحمد بن سلمان، في لقاء بزعماء منظمات يمينية يهودية أمريكية عُقد في نيويورك، قال فيه: "لدينا قضايا أكثر أهميّة من القضية الفلسطينية التي لم تعد من أولوياتنا".
وقال: إن "القيادة الفلسطينية تفوّت فُرص السلام منذ 40 عاماً.. لقد حان الوقت ليقبلوا بعروض التفاوض، وإلا فليصمتوا ويتوقفوا عن التذمّر والشكوى".
وخلال العامين الماضيين، زجت سلطات آل سعود بعشرات الفلسطينيين في سجونها، كما بدأت بمحاكمة عدد منهم بتهم مختلفة.
ارسال التعليق