كيف تحدد اليمن مستقبل محمد بن سلمان؟
قيام ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، باعتقال العشرات من أسرته ورجال الأعمال في السعودية، بالإضافة لإجبار رئيس الوزراء اللبناني على الاستقالة بالطريقة التي شاهدنها منذ أسبوعين، وموافقة البيت الأبيض على هذا عبر ضوء أخضر أرسله الرئيس الأميركي، دونالد ترامب في تغريدات على تويتر تربط تمرير هذه الإجراءات بطرح بعض من أسهم عملاق النفط وأكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، “آرامكو”، في بورصة نيويورك حصراً، وليس في عدة بورصات عالمية في آسيا وأوربا كما اقترحت روشتة الإصلاح الاقتصادي التي وضعتها بيوت الخبرة الاقتصادية في بداية حكم الملك سلمان من حوالي ثلاث سنوات، يؤشر بقوة على طبيعة اللحظة السياسية الراهنة في الداخل والخارج السعودي، ومحددات القوة والتحرك فيما يخص مستقبل المملكة وارتباط ما يجري فيها على المستويين السابقين بواشنطن في مرحلة حكم ترامب.
هذه المحددات السابقة تتمحور حول تركيز السلطة والثروة والحكومة في يد ولي العهد السعودي والموالين له داخل الأسرة المالكة ورجال المال والإعلام السعوديين، وفي الخارج تتمحور حول تحدي الصراع مع إيران ومسارح هذا الصراع في المنطقة من اليمن- التي بدأ بن سلمان رحلته إلى العرش بشن حرب عليها لإثبات جدارته وضمن تلميعه وتقديمه للداخل والخارج على أنه المؤسس الثاني للمملكة- إلى لبنان مروراً بسوريا والعراق، وكذا استجابة الولايات المتحدة في عهد ترامب لما يجري من جانب الرياض على هاذين المستويين مقابل محددات مشابهة ورؤية ساكن البيت الأبيض الحالي أهما الاستفادة المادية المباشرة ممثلة في مئات المليارات من الدولارات تضخ للاقتصاد الأميركي لتسجل نجاحاً اقتصادياً في عهد ترامب، بخلاف تقاطع المصالح السياسية ومعادلة العلاقات بين الرياض وواشنطن وما جرى عليها من تغيرات في السنوات الأخيرة، وتطابق السابق مع كل إجراء جديد تشرع به المملكة في المنطقة وأخره ما حدث في الأسابيع الأخيرة في داخل المملكة، وخارجها في تشديد الحصار على اليمن ومحاولة تسعير الأوضاع في لبنان.
في هذا الإطار يطرح الكاتب والباحث المتخصص في الشأن السعودي، سايمون هندرسون نموذج الإخفاق السعودي في اليمن كمؤشر لمستقبل السياسة السعودية في الداخل والخارج ودافع لمسارات سياساتها الارتجالية في الخارج –مخرجات اجتماع وزراء خارجية الجامعة العربية الأخير كمثال- وكذا مستقبل المملكة ككل و. وفيما يلي نص المقال المنشور في مجل “ذي اتلانتك” الأميركية:
في الرابع من الشهر الجاري تم استهداف مطار الرياض الدولي بصاروخ أطلق من شمال اليمن، ليكون بحسب تصريحات رسمية ومصادر عسكرية مختلفة الصاروخ رقم 78 الذي يتم إطلاقه على السعودية من اليمن منذ بداية الحملة العسكرية التي بدأتها الرياض في 2015. ويذكر أن في مارس من نفس العام أبدى الملك سلمان مخاوفه لوزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري من خوفه من هجمات بصواريخ “سكود” على مكة التي تقع على بعد 350 ميلاً شمال الحدود اليمنية. أما الرياض فتبعد أكثر من 700 ميل من اليمن. ويشكل الهجوم الأخير فرقاً كبيراً ويوحي بتقدم تقني سريع ومهم.
بالنسبة إلى محمد بن سلمان والقيادة السعودية، تمثل الهجمات من اليمن خوفاً يسر الحوثيون وداعموه الإيرانيون لإثارته. وكانت صحيفة “عرب نيوز” الناطقة بالانجليزية قد أعلنت يوم في السادس من الشهر الجاري أن الهجوم الصاروخي كان “عملاً من أعمال الحرب” من جانب إيران. وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن “المملكة تحتفظ بحق الرد في الوقت المناسب على الأعمال العدائية للنظام الإيراني… لن نسمح بانتهاك أمننا الوطني”. كما نقلت المقالة عن قيادة قوات التحالف التي تقودها السعودية وصفها الهجوم “كعدوان عسكري سافر من قِبل النظام الإيراني”.
ومن الناحية التكتيكية، يتعثر السعوديون وحلفائهم في الإمارات في مهمتهم الرامية إلى إعادة هادي إلى السلطة. ومن الناحية الاستراتيجية، يشير الهجوم الصاروخي إلى أن التحالف قد يخسر – وهو منحى يتوق محمد بن سلمان إلى عكسه. ويقول أولئك الذين التقوا به أنه يريد أن يصبح أكثر حزماً حول إيران ووكلائها. كما أن الهجمات الصاروخية الأخرى مثل الهجوم الأخير، قد تدفع شركات الطيران الأجنبية إلى وقف رحلاتها إلى الرياض. إلا أن خطراً كهذا لا يتوافق مع “صورة” محمد بن سلمان الجديدة لمملكة حديثة متألقة تبنت الإسلام المعتدل، وهي رؤية كشف عنها خلال مؤتمر مهم للمستثمرين الأجانب قبل أسابيع قليلة فقط.
ويعود الصراع السعودي-الإيراني إلى ما قبل عهد محمد بن سلمان، إذ تعود الجولة الأخيرة إلى الثورة الإسلامية عام 1979. وتعتبر السعودية إيران خصماً تاريخياً وعرقياً، وعدواً شيعياً يتحدى القيادة السعودية للعالم الإسلامي السني، ومتحدياً ثورياً للوضع الإقليمي الراهن. أما هدف إيران على المدى الطويل فهو إضعاف الوضع الراهن الذي تضمنه الولايات المتحدة بشكل فعال. ويقضي هدفها على المدى القصير الاستفادة من عواقب الحرب العراقية و”الربيع العربي”. وتنتمي بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت إلى الجانب الإيراني في الوقت الراهن. أما السعودية فتتزعم الدول العربية المحافظة على الرغم من أن الصعود المطرد لمحمد بن سلمان يعني أنه يتم حالياً تقديم مستقبل حديث لهؤلاء السكان (على الرغم من كونه غير ديمقراطي). وبالنسبة إلى محمد بن سلمان البالغ من العمر 32 عاماً، يعتبر التعامل مع إيران مهماً بقدر التحول في الاقتصاد السعودي وتحت غطاء حملة ضد الفساد مع تسوية مسألة المنافسات وسط العائلة المالكة.
أما بالنسبة لإيران، فشكلت اليمن تحت حكم علي عبد الله صالح هدفاً بمحض الصدفة. وكان دعم القبائل الحوثية من خلال تزويدها بالمساعدة التنظيمية والأموال مجرد خدعة. وقد انهار حكم صالح لكنه شكل تحالفاً مع الحوثيين ضد الرئيس هادي، الذي هو قيد الإقامة الجبرية في السعودية. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها سلاح الجو السعودي، إلا أنها فشلت في طرد الحوثيين. وكانت القوات الإماراتية أكثر نجاحاً في جنوب البلاد، حول مدينة عدن الساحلية. إلا أنها تواجه مصاعب هناك من قِبل جماعات على غرار تنظيم «القاعدة» التي حولت المناطق الداخلية اليمنية إلى ملاذ لها.
ويبدو أن نجاح إيران في دعم حلفائها الحوثيين في اليمن عاقبة لتدخل ملائم، وهو رهان صغير كان له النتيجة المرجوة. وقبل عدة أشهر، سألت جنرالاً سعودياً يزور واشنطن كم هو عدد الإيرانيين في اليمن. توقعت تخمين الآلاف أو ربما المئات. فاجأني جوابه على ما قدرت أنه سؤال بديهي، إذ قال: “لا أعرف”. ويسود اعتقاد، استناداً إلى الأجوبة التي حصلت عليها بمضايقتي مسؤولين في واشنطن، أن الرقم هو في العشرات. ووفقاً لهؤلاء المسؤولين، تأتي فرق صغيرة من إيران للتدريب على أنظمة أسلحة معينة أو تشغيلها، ثم ترحل. ومن هنا تفسر الصواريخ التي أطلقت من الساحل على سفن حربية أمريكية في البحر الأحمر في العام الماضي وهجوم القارب من دون ربان على فرقاطة سعودية في يناير الماضي.
ويرجع خبراء في الصواريخ الفضل إلى إيران على المدى الطويل لترسانة اليمن المتبقية المؤلفة من صواريخ “سكود”. وقد قال لي مسئولون سعوديون إن إيران ربما أرسلت خزانات وقود أكبر وأجزاء هياكل إلى اليمن. وكان سيتم ملاحظة محاولات تهريب صواريخ كاملة وهو ما كان يأمل المرء أن يكون محظوراً من قبل الولايات المتحدة.
وكان رد السعودية سريعاً على الصاروخ الذي أطلق يوم السبت، إذ أعلنت في اليوم التالي أنها ستغلق جميع الحدود البرية والبحرية والجوية مع اليمن. كما نشرت الرياض لائحة بصور وأسماء 40 حوثياً مطلوبين بتهم “جرائم إرهابية”. وتم تقديم مكافآت أيضاً على النحو التالي: 30 مليون دولار مقابل قائد الحوثيين، عبد الملك بدر الحوثي، و 20 مليون دولار مقابل ملازميه العشرة المهمين، و10 ملايين دولار للدرجة التالية من المنفذين، وهكذا دواليك. وهنا يتساءل المرء لماذا استغرقت الرياض كل هذا الوقت لتقديم مثل هذه الحوافز، إذ تعرف اليمن بكونها مكاناً يوجد فيه ثمن حتى للولاء.
وبدلاً من النظر إلى اليمن كدولة ثانوية فقيرة لا أهمية تذكر لها، يبدو أن أمراء آل سعود يعتبرونها خنجراً يستهدف قلبهم، إذ أن ابن سعود، جد محمد بن سلمان، قد حذر كما يقال من تهديد اليمن من على فراش موته. وطالما استمرت الحرب الإقليمية بالوكالة مع إيران، ستبقى اليمن مسرحاً رئيسياً لهذه الحرب وجزءاً حيوياً من الطموحات الإقليمية لمحمد بن سلمان.
بقلم : سايمون هندرسون
ارسال التعليق