لماذا تُعاقب أمريكا السعودية.. باسم “العدالة ضد رعاة الإرهاب”؟
لماذا تُعاقب أمريكا السعودية.. باسم “العدالة ضد رعاة الإرهاب”؟
ناصر أبو عون
لماذا يتلقى السعوديون ضربات متوالية وتحت الحزام من (الحليف الأمريكيّ) كان آخرها موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع قانون يقضي بالسماح لذوي ضحايا هجمات الـ11 من سبتمبر/ أيلول 2001 بمقاضاة المملكة العربية السعودية بعد تسريب “وثائق تشير إلى مشاركة 15 سعوديا من أصل 19 شخصا شاركوا في تنفيذ الهجمات” على الرغم من عدم وجود أدلة مادية لا من قريب أو من بعيد تؤكد على (تورّط حكومة المملكة في صناعة الأحداث أو تنفيذها أو تمويلها او حتى القبول بها). وقُبيل التصويت بأغلبية جمهوريّة على هذا القانون بأيام كشفت وزارة الخزانة الأمريكية عن حجم السندات السعوديّة المستثمرة داخل أروقة المال والأعمال الأمريكية والتي تُقَدّر بـ(116.8 مليار). والسؤال الملّح والذي ينبغي أن يسأله السعوديون لأنفسهم: هل المملكة قلقة من انتهاء (ثمانين عامًا من الصداقة مع الأمريكيين) بجرة قلم، وخاصةً بعد حديث الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته «باراك أوباما» لمجلة «ذى اتلانتيك» موجها إليها أصابع الاتهام وبطريقة فظّة مشددًا على “أن المنافسة بين إيران والسعودية أدَّت لحروب بالوكالة والفوضى من سوريا إلى العراق واليمن”.
وهل المملكة لديها “مخاوف من تحولات السياسة الأمريكية”، وهل سيتأثر مستقبلها إذا ما تَمَّ شطبها من خانة (أصدقاء أمريكا المقربين)؟ وهل ستكون الضربة مؤلمة إذا ما أعرض الأمريكيون بوجههم عن المملكة وتركوها تواجه مصيرها، وأداروا دفة (سفينة المصالح) صوب شواطئ (إيران أو تركيا)؟
ووراء الكواليس ما هو خفيّ، وجليّ وما يمنع قانون تداول المعلومات الأمريكي من نشره غير أنّ هذه الضربات الأمريكية للصديق السعوديّ يمكن استكناه بعض دوافعها، وكشف ما وراء الأكمة من خبايا وأسرار:
أولا – ويبدو أن مشروع مجلس الشيوخ المعنون باسم “العدالة ضد رعاة الإرهاب”؟ جاء ليكشف عن بعض نوايا الولايات المتحدة الأمريكية، وتسريبات لبعض بنود الخطة الأمريكية الموضوعة للتعامل المستقبلي مع منطقة الخليج وعلى ما يبدو فإنّ الولايات المتحدة الأمريكية – كما ذكرنا في مقالات عديدة سابقة- سوف تسعى لبسط نفوذها على المنطقة عبر (وكلاء جدد) بعد أن تغسل يديها من الدماء وتنسل بجنودها ومستشاريها من المنطقة وتكتفي بإدارة الصراع داخل المنطقة من خلف الستار وتقويض منظومة الاستقرار فيها وذلك بالضغط على الدول الإقليمية الكبرى للدخول في مناوشات عسكرية والضغط على السعوديّة لتكون بمثابة مخلب قط في مواجهة الإيرانيين وفق نموذج “الحرب العراقية الإيرانية” بهدف استنزاف القوى الكبرى في الخليج. ومن ثَمَّ نجد أوباما في تصريحه لمجلة ذي أتلانتيك يعطي ضوءًا أخضرا للسعوديين بالاستعداد للدخول في مناوشات مع الإيرانيين لتكون سببًا وجيها لتدخل أمريكا لصالح أصدقائها وهو ما عناه بقوله: “إن الوقوف إلى جانب شركائنا الخليجيين سيجبر الولايات المتحدة على استخدام القوة العسكرية لتعديل النتائج”.
ثانيًا – إزاحة الستار عن “الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة والمستخدمة من قِبلها بعد خروج القوات الأمريكية من العراق” وجاءت على لسان الرئيس الأمريكي باراك اوباما في حديثه لمجلة “ذي أتلانتيك” موجهًا حديثه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ناصحًا إياه: “بأنّ القوة الحقيقية تعني أنه يمكنك الحصول على ما تريد دون الاضطرار لاستخدام العنف”.
ثالثًا – يبدو أنّ الأمريكيين كشفوا عن وجههم للسعوديين والعالم في ظل علاقات دوليّة (صار اللعب فيها على المكشوف) أحد شروط اللعبة السياسية وهو المعنى الذي عبّر عنه ترامب بقوله: السعوديّة ليست غير بقرة حلوب لأمريكا، ومتى ما جف ضرع هذه البقرة ولم يعد يعطي الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا بذبحها أو نساعد مجموعة أخرى على ذبحها وهذه حقيقة يعرفها أصدقاء أمريكا وأعدائها”. مؤكدًا أن الاستثمارات السعودية وصفقات شراء الأسلحة وغيرها من العلاقات التجارية ليست إلا نظير “حماية” تمارسه أمريكا برأسماليتها الأكثر توحشًا مع السعوديّة وغيرها من دول العالم.
رابعًا – وضع الحكومة السعوديّة وحلفائها وأتباعها تحت ضغط نفسي على مدار الساعة، وإشغالها بالدفاع عن نفسها أو دفعها إلى اتخاذ خطوات غير مدروسة للانفلات من (ربقة حبل الصداقة الأمريكية) بيديها لا بيد الأمريكي أو الإذعان أكثر للشروط الأمريكية والرضوخ والانزواء تحت سقف الحماية الأمريكيّة والقبول بالإملاءات حلوها ومُرِّها على السواء.
خامسًا – استخدام (أحداث الحادي عشر من سبتمبر) حاليًا، ومعلومات (حرب اليمن، وعاصفة الحزم) لاحقًا، وصفقات (تمويل المعارضة السورية المسلحة) تباعًا كـ(وثائق تهديد) نشطة على مدار الساعة، و(أوراق إدانة) للأطراف كافة التي ورد ذكرها في هذه الأحداث وعلى أرسها السعوديّة إمّا للتخلص منها أو إعادتها إلى (بيت الطاعة الأمريكيّ) وابتزازهم بتقديم أوراقهم أمام المنظمات الأممية والمحكمة الجنائية الدوليّة وتدبيج عرائض اتهام – سابقة التجهيز – تدينهم بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.
سادسًا – ابتزاز الحكومة السعوديّة والسيطرة على (صناديق الاستثمار السيادية)، و(محاصرة الاستثمارات السعودية والحفاظ على آلية تدويرها في ماكينة الاقتصاد الأمريكي)، والحرص على أن تتدفق عوائد النفط ومشتقات الطاقة والثروات السعودية وحلفائها إلى خزائن البنوك الأمريكية وتتحرك على مؤشرات (وول ستريت)، وتشغيلها في المشاريع الأمريكيّة للإبقاء على الدولار الأمريكيَّ متربعًا على عرش العملات العالمية مما يضمن (لأمريكا) السيادة والريادة العظمى على قلب هذا العالم مع الإبقاء على مستوى أمريكيّ لا يكاد يُذكَر في سُلّم درجات البطالة العالميّ.
وكعهدنا بها دائًما تضع (بلاد العم سام) أصدقاءها، وأتباعها، والسائرين في ركابها في زاوية الحلبة لتسدد لهم (الكلمات واللكمات) بما يخالف (دستور الإذعان) المبرم في (عقود مكتوبة، وكلمات منطوقة) والأنكى من ذلك أنَّ الولايات المتحدة مازالت تمارس ضرباتها (تحت الحزام)، وكأنّ لسان حالها يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}؛ ساعيةً إلى تحقيق العديد من الأهداف المعلنة والخفيّة.
باحث بمركز الدراسات والبحوث – مسقط
ارسال التعليق