لماذا نفى آل سعود تصريحات سفيرهم “القوي” حول فتحها حوارا سريا مع أنصار الله لإنهاء الحرب؟
التغيير
من المفارقة أن حركة “أنصار الله” وحلفاءها تتقدم على خصومها في التحالف السعودي، ليس في ميادين القتال في حرب اليمن فقط، وإنما أيضا في ميدان العلاقات العامة، والحرب النفسية، رغم الفارق الكبير في الإمكانيات والأدوات المالية والإعلامية في هذا المضمار.
بالأمس استغل الذراع الإعلامي “المتواضع” للحركة القصف الجوي لطائرات آل سعود على العاصمة صنعاء الذي جاء ردا “نزقا” على هجوم بالصواريخ الباليستية على الرياض، ووظفه بشكل مكثف على وسائط التواصل الاجتماعي، خاصة مقتل مجموعة من الأحصنة العربية الأصيلة من جراء هذا القصف، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى تعاطف الكثيرين خاصة في الغرب معها.
كان منظرا مؤلما ان نشاهد بعض هذه الأحصنة التي كانت في إسطبل تابع للكلية الحربية وقد أثخنتها الجراح، او عندما يتفقد البعض منها الآخر صغاره وقد فارق الحياة، فمثل هذه المناظر تحدث أثرها في الغرب والشرق معا، وتحشد الملايين ضد من أطلق الرصاصة الأولى في هذه الحرب، وعمل على استمرارها خمس سنوات ودخولها عامها السادس قبل يومين.
المأزق السعودي في حرب اليمن يتفاقم بسب صمود أنصار الله، وتطور أدواتهم القتالية، وهجماتهم النوعية المؤلمة، وتركيزها في معظمها على أهداف اقتصادية، مثل القصف الصاروخي الذي استهدف منشآت أرامكو النفطية، في بقيق وخريس وينبع، علاوة على المطارات في جيزان ونجران وأبها جنوب المملكة.
العميد تركي المالكي، المتحدث باسم قوات التحالف، قال إن هجوم السبت على العاصمة صنعاء استهدف تدمير أهداف عسكرية مشروعة في صنعاء، ومخازن لتصنيع وتجميع الصواريخ الباليستية، وردا على الهجوم الصاروخي على الرياض، ولكن ما تبين بالصور أن الضحايا كان معظمهم من الخيول وسائسهم.
الطرف السعودي في هذه الحرب يبدو مرتبكا على أكثر من صعيد، ونحن هنا لا نتحدث عن إعطاء هذا القصف الجوي نتائج عكسية، ليس لأنه لا توجد أهداف عسكرية يمنية تقصفها الطائرات سواء لعدم خبرة الطيارين أو “استشهادهم” مثلما يقول خبراء عسكريون، وإنما أيضا بسبب نجاح الطرف الآخر، أي أنصار الله، بإخفاء قواعده العسكرية وتحصينها بدقة متناهية.
سيطرة الجيش اليمني التابع لحركة “أنصار الله” والمقاومة المتحالفة معه على محافظة الجوف وتقدمه المتسارع نحو جارتها مأرب، مركز الثروات النفطية والغازية اليمنية، وأكبر محطة كهرباء تغذي الشمال اليمني كله، يصّعب من الموقف السعودي في هذه الحرب أكثر فأكثر.
حكومة آل سعود تقف وحدها، بعد إكمال هذه الحرب عامها الخامس، بسبب انسحاب حليفها الإماراتي، وتقليص أعداد المقاتلين من الدول الأخرى خاصة السودان، وانهيار حكومة هادي، بسبب الصراعات والانقسامات داخل صفوفها، وانعدام الإدارة القتالية لدى الكثير من مقاتليها، واتساع دائرة تأييد الطرف المقابل شعبيا وعربيا.
لم يفاجئنا في هذه الصحيفة “راي اليوم” إعلان السيد محمد آل جابر، سفير آل سعود في اليمن، عن وجود محادثات مستمرة بين المملكة وحركة “أنصار الله” وذلك في تصريح ادلى به لصحيفة “وول تسريت جورنال” الأمريكية المقربة من الأمير محمد بن سلمان، والحاضنة للكثير من التسريبات الإخبارية، سواء في الجانب الاقتصادي أو العسكري، كما لم يفاجئنا أيضا نفيه السريع لمثل هذه المحادثات التي من المرجح أنها تمت من خلاله، لأن هذا الاعتراف قد يُفسر على انه “استسلاما” لشروط أنصار الله، ومحاولة الخلاص بأي ثمن من ذروة المعركة.
العميد يحيى سريع، المتحدث باسم الجناح العسكري لحركة “أنصار الله”، توعد برد “مؤلم” على هذا القصف الجوي للتحالف للعاصمة صنعاء، ومن الطبيعي ألا يكشف أواقه في هذا الصدد، ومن المرجح ان يُحدث القصف لمواقع استراتيجية مهمة أثرا معنويا سلبيا في أوساط الرأي العام السعودي المعارض في معظمه لهذه الحرب، ولتحقيق مكاسب أكبر في الحرب النفسية.
التصعيد الأخير في الحرب اليمينة، وضد آل سعود على وجه الخصوص، في وقت تخوض فيه حربا أخرى ضد فيروس “كورونا” لا تقل شراسة، سيربك حساباتها، ويستنزف قواها، ومن المفارقة ان اليمن الذي عاش أوبئة عديدة طوال السنوات الماضية، ومن بينها وباء الكوليرا، خالي حتى الآن من هذا “الفيروس” القاتل، ولعلها إرادة الله ورحمته، ووقوفه إلى جانب الضعيف؟
لا بديل أمام قيادة آل سعود غير الحوار وتكثيفه لإنهاء هذه الحرب، ونفيه بالطريقة التي تم بها اليوم كان “متسرعا” ولن يغير هذه الحقيقة.. والله اعلم.
ارسال التعليق