لن نتحدث عن فساد ابن سلمان.. “نزاهة” السعودية تعلن عن حملة توقيفات جديدة في 10 قضايا فساد.. ماذا عن الأمير بندر بن سلطان وفضيحة صفقة اليمامة؟؟
التغيير
أعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) في المملكة، توقيف عدد من الموظفين والضباط، في نحو 10 قضايا تحقق فيها بتهم فساد.
أكدت الهيئة، في بيان لها الأحد، استمرارها في مباشرة قضايا الفساد الإداري والمالي وضبط المتورطين فيها لاتخاذ الإجراءات النظامية بحقهم.
وذكرت الهيئة في بيان أنها باشرت خلال الفترة الماضية عدداً من القضايا، تمثلت إحداها في "إيقاف موظفين اثنين بأمانة إحدى المناطق وموظف بنك، لحصول موظفي الأمانة على مبلغ 5.174.000 ريال، واستخدام حسابات بنكية خاصة بمؤسسة تجارية عائدة لموظف البنك في تمرير تلك الأموال، مقابل ترسية مشروع بقيمة 60 مليون ريال () على أحد الكيانات التجارية".
بينما أوقفت في "3 موظفين بإحدى الجامعات (مدير إدارة التشغيل والصيانة، ومدير قسم الأنظمة الميكانيكية، وأمين مستودع) ومدير فرع أحد البنوك، ورجل أعمال، لحصول الموظفين على مبلغ 4.404.995 ريالاً، مقابل ترسية عدة مشروعات بقيمة إجمالية 13.844.579 ريالاً".
وأضافت أنه جرى "إيقاف موظف سابق بإحدى الجامعات (مدير إدارة السلامة ورئيس اللجنة الفنية لمتابعة المشاريع) ورجل أعمال، ومهندس مقيم، لحصول الأول على مبلغ 240 ألف ريال من الثاني مقابل تمرير تجاوزات بتواطؤ من الثالث في 3 مشروعات للجامعة، نُفِّذَت من قبل مؤسسة مملوكة للثاني بمبلغ 7.696.185 ريالاً".
كما أوقفت السلطات "موظف سابق بإدارة العقود والمشتريات بمطار دولي، ورجل أعمال، بالتعاون مع هيئة الطيران المدني، لقيام الأول بحكم صلة قرابته بالثاني بتمكين كيانات تجارية عائدة للثاني من الحصول على 218 أمر شراء مباشر بطريقة غير نظامية".
وأوقف أيضا "موظف سابق بهيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية، ورجل أعمال، لحصول الأول على مبلغ 225.750 ريالاً، من الثاني، مقابل إفادة مقر عمل الأول بعدم وجود شركات منافسة للشركة المملوكة للثاني وتفردها بمجالها ما مكَّن الشركة من الحصول على مشروعات بتلك الهيئة".
كما تم "إيقاف موظف بهيئة الجمارك، ومعقب يعمل مُخَلِّصاً جمركياً لحصول الأول على مبلغ 574.300 ريال، مقابل فسح حاويات تحتوي على مادة التبغ، مستخدماً حسابات بنكية عائدة لأقاربه".
وشملت القضايا "إيقاف 4 ضباط صفّ أحدهم متقاعد، بالتعاون مع وزارة الداخلية، يعملون في إدارة المرور بإحدى المناطق لاستيقافهم وافداً وتمكين زميلهم (ضابط صفّ متقاعد) من تفتيش مركبة الوافد، وسلب مبلغ 200 ألف ريال منها".
وكذلك تم "إيقاف ضابط صفّ متقاعد من شرطة إحدى المناطق، بالتعاون مع وزارة الداخلية، لقيامه خلال فترة عمله كأمين مستودع بأخذ مبلغ 219.750 ريال وسبائك ذهب والمتاجرة بها في بيع وشراء السيارات، وإيداع المبالغ والأرباح الناتجة في حساب بنكي خاص بمعرض سيارات عائد لأحد أقاربه ومن ثم تحويلها لحسابه البنكي بهدف إخفاء مصدر الأموال".
كما أوقفت السلطات "مواطنا بالتعاون مع وزارة الداخلية، لقيامه بعرض مبلغ 200 ألف ريال لفرقة القبض التابعة لمديرية مكافحة المخدرات في أثناء القبض عليه وبحوزته مواد مخدرة".
وأوقفت السلطات أيضا، "ضابط برتبة عقيد وضابط صفّ من منسوبي مديرية الجوازات بإحدى المناطق لقيام الثاني بتسجيل دخول وهمي للمملكة لأحد أقارب الأول بناءً على طلبه".
وأكدت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد أنها مستمرة في رصد وضبط كل مَن يتعدّى على المال العام أو يستغل الوظيفة؛ لتحقيق مصلحته الشخصية أو للإضرار بالمصلحة العامة ومساءلته حتى بعد انتهاء علاقته بالوظيفة، كون جرائم الفساد المالي والإداري لا تسقط بالتقادم، مشددة على أنها ماضية في تطبيق ما يقضي به النظام بحق المتجاوزين دون تهاون.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، كشفت المملكة، عن تورط ضباط في الحرس الملكي وموظفين بالديوان الملكي في تهم فساد وتلقي رشاوي.
كما أعلنت توقيف توقيف 241 شخصا بينهم موظفون في 5 وزارات؛ بتهم فساد.
وبشكل دوري، تعلن المملكة عن قضايا فساد متورط بها مسؤولون وضباط ورجال أعمال وموظفون عموميون.
وأنشأت المملكةهيئة مكافحة الفساد عام 2011، ومنحتها صلاحيات كشف الفساد في كل المؤسسات الحكومية، قبل أن تنال دعما رسميا بارزا في السنوات القليلة، بعد احتجاز الرياض العشرات من رجال الأعمال والأمراء في فندق "ريتز كارلتون" بالرياض، في حملة قالت إنها تهدف لمكافحة الفساد عام 2017.
وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال "محمد بن سلمان"، في تصريحات نقلتها "واس"، إن مجموع التسويات التي تحصل عليها جراء حملاته التي أعلن عنها لمكافحة الفساد في المملكة بلغت 247 مليار ريال (65.8 مليار دولار)، بما يوازي 20% من الإيرادات غير النفطية للمملكة.
وقاد "ابن سلمان" حملة قال إنها لمكافحة الفساد، قبض خلالها على أمراء ووزراء ورجال أعمال وسياسة ومستثمرين، وتحفظ عليهم داخل فندق "ريتز كارلتون" بالرياض، ولم يطلق سراح إلا من وافق على التنازل عن جزء من ثروته للحكومة، في حملة اعتبرها حقوقيون ومسؤولون حول العالم وسيلة عنيفة لتثبيت أقدامه ونفوذه في المملكة وسط العديد من خصومه.
ولكن اللافت في حملة الريتز كارلتون المزعومة عن الفساد انها استثنت الأمير بندر بن سلطان صاحب فضيحة صفقة اليمامة.. وليس هذا فحسب بل كوفيء بندر بن سلطان بأن اصبحت ابنته ريم سفيرة المملكة في واشنطن.
فضيحة صفقة اليمامة
"صفقة اليمامة" هي سلسلة من مبيعات الأسلحة من بريطانيا إلى المملكةبدأت عام 1985، تلقت مقابلها لندن ما يصل إلى ستمئة ألف برميل من النفط الخام يوميا. وتوصف الصفقة بأنها الأضخم في بريطانيا والأكثر ارتباطا بالفساد الذي تورط فيه أمراء من آل سعود.
وأبرمت المملكة وشركة "بي أيه إي سيستمز" البريطانية لصناعة الأسلحة في سبتمبر/أيلول 1985″صفقة اليمامة" التي تجاوزت قيمتها 43 مليار جنيه إسترليني (حوالي 56 مليار دولار أميركي). وتمت الصفقة بدعم من رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر.
ووقع وزير الدفاع البريطاني الأسبق مايكل هيزلتاين ونظيره سلطان بن عبد العزيز المرحلة الأولى من صفقة اليمامة التي نصت على تزويد المملكة بـ 102 طائرة حربية (72 من طراز تورنيدو وثلاثين من طراز هوك) بالإضافة إلى مجموعة كاملة من الأسلحة وأجهزة الرادار وقطع الغيار، وبرنامج تدريب للطيارين.
وبدأت شحنات طائرات "بي أيه إي سيستمز" إلى المملكةعام 1989.
سرية وفساد
وأحيطت الصفقة بسرية تامة بطلب من العائلة الحاكمة بالمملكة، وحاولت حكومة تاتشر إخفاء كل التفاصيل المهمة عن الصفقة لسنوات، لكن وثائق رسمية نشرت عام 2016 في بريطانيا كشفت أن تاتشر أجرت محادثات سرية مع حُكّام المملكة عام 1985 بشأن أكبر صفقة أسلحة، والتقت الملك آنذاك فهد بن عبد العزيز قبل خمسة أشهر من إبرام الصفقة.
وأظهرت الوثائق الجهود الحثيثة التي كانت تبذلها حكومة تاتشر لبيع طائرات تورنيدو ومن طرازات أخرى للمملكة.
الإعلام البريطاني من جهته تمكن من رفع السرية عن تلك الصفقة، من خلال التقارير التي أوردتها تباعا وكشفت فيها حجم الفساد الذي شاب الصفقة والمتعلق بعمولات لأفراد بالأسرة الحاكمة في المملكة.
فقد نشرت صحيفة إندبندنت في مايو/أيار 2004 مقالا أوردت فيه أن الصفقة تمت بمساعدة حساب مصرفي سري كان بمثابة القناة التي تم عبرها دفع رشى، وأن وزارة الدفاع فتحت تحقيقا في دفع "بي أيه إي سيستمز" لأكثر من ستين مليون جنيه خلال تنفيذ الصفقة.
واعترفت الشركة البريطانية بأنها قدمت "خدمات مساعدة" لمسؤولين معتبرة أن ذلك ليس منافيا للقانون، وذلك في رسالة مؤرخة في نوفمبر/تشرين الثاني 2005 وجهتها إلى مكتب مكافحة الفساد الذي كان يحقق حينها في احتمال تلقي رشى في صفقة اليمامة.
وجاء التحقيق الذي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) يوم 7 يوليو/تموز 2007 ليكشف المزيد من الأسرار المخفية، حيث أكد أن السفير السابق في الولايات المتحدة الأميركية الأمير بندر بن سلطان -والذي لعب دور المفاوض عن الرياض في صفقة اليمامة- كان قد تلقى أكثر من ملياري دولار على مدى عقد من الزمن كعمولات مقابل دوره في إبرام الصفقة المذكورة.
وأشار التحقيق إلى أن وزارة الدفاع البريطانية وافقت على المدفوعات السرية.
كما نشرت صحيفة غارديان يوم 18 يناير/كانون الثاني 2008 تحقيقا عن وجود أدلة على طلب أفراد من الأسرة المالكة بالمملكة عمولات مالية مقابل دورهم في إبرام صفقات سلاح بين الرياض ولندن.
ويقول المعلق بالصحيفة سايمون جينكينز إن الصفقة كانت منذ بدايتها محاطة بالفساد، حيث إن الوسطاء كانوا يطلبون في كل مرحلة من مراحلها إيداع عمولات في حسابات سويسرية وشقق وغيرها، مشيرا إلى أن كل شيء دخل هذه الصفقة، وذلك كما ورد في حديث الصحفي بالشريط الوثائقي الذي يحمل عنوان "سوداء اليمامة" وبثته قناة الجزيرة في أغسطس/آب 2012.
وتحدث أيضا المالك السابق لشركة " ترافرلز وورد" بيتر غاردينز بشريط وثائق "سوداء اليمامة" عن الخدمات التي كانت تقدمها شركة "بي أيه إي سيستمز" للمسؤولين وأمراء آل سعود، قائلا إنها شملت حجوزات طيران وفنادق ورعاية طبية وغيرها.
ومن بين الخبايا التي كشفها غاردينز أن الشركة البريطانية دفعت فاتورة شهر عسل طويلة لابن الأمير تركي بن ناصر، وسيارة رولز رويس الفخمة قدمها هدية لابنته نورة.
وبشأن المستفيدين من صفقة اليمامة، يؤكد رئيس قسم التحقيقات في غارديان أن الأمير سلطان وابنه بندر كان لهما النصيب الأكبر، بالإضافة إلى الأمير تركي بن ناصر زوج ابنة الأمير سلطان الذي كانت له أيضا صلة وثيقة بالصفقة.
ونفى الأمير بندر بن سلطان عام 2007 اتهامات صحفية بريطانية بتقاضيه رشى بلغت أكثر من مليار إسترليني، أي ما يعادل ملياري دولار في إطار صفقة اليمامة للأسلحة.
وقف التحقيق
وبعد اتهام شركة الأسلحة البريطانية بدفع رشي لمسؤولين في المملكة لضمان حصولها على عقود من الرياض، قام مكتب مكافحة التزوير البريطاني بفتح تحقيق في صفقة اليمامة في نوفمبر/تشرين الثاني 2004، لكن الحكومة البريطانية التي كان يقودها حينها توني بلير قررت وقف تحقيق صفقة اليمامة.
وأغلق النائب العام البريطاني السابق اللورد غولدسميث التحقيق في ديسمبر/كانون الأول 2006 لأسباب تتعلق بحماية الأمن القومي بعد تهديد المملكة بوقف تعاونها الأمني مع لندن في مجال مكافحة الإرهاب.
ووفق صحف بريطانية، فإن العائلة الملكية في المملكة هددت عام 2007 بإلغاء الجزء النهائي من عقد اليمامة لشراء 72 مقاتلة من طراز تايفون بمئات الملايين من الجنيهات ما لم توقف الحكومة البريطانية تحقيق الفساد.
غير أن قرار حكومة بلير جلب له انتقادات واسعة داخل بريطانيا وخارجها، بينما قضت المحكمة العليا في نوفمبر/تشرين الثاني 2007 بأن مكتب مكافحة التزوير خرق القانون بقراره وقف التحقيق بقضية الفساد المتعلقة بصفقة الأسلحة للمملكة، وأمرت بفتح تحقيق قضائي شامل في قرار الحكومة وقف التحقيق في صفقة اليمامة.
واعتبرت واشنطن حينها أن القرار البريطاني وضع حكومة بلير أمام تهمة خرق لكل من روح ومبادئ ميثاق منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، كما رفعت عدد من الدول شكوى بهذا الصدد إلى اجتماع لمجموعة مكافحة الرشى التابعة لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي.
وعادت قضية صفقة "اليمامة" إلى الواجهة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بعد أن قالت عضو البرلمان البريطاني عن حزب العمال آن كلويد إنها ستقدم طلبا للجنة العلاقات الخارجية لإعادة فتح التحقيق في قضايا الفساد المرتبطة بالصفقة.
وأشارت كلويد إلى أن إعادة فتح التحقيق في صفقة اليمامة سيكون مناسبا في سياق الاعتقالات الأخيرة بالمملكة على خلفية قضايا فساد، في إشارة إلى الحملة التي شنتها اللجنة العليا لمكافحة الفساد التي شكلها الملك سلمان بن عبد العزيز برئاسة محمد بن سلمان وطالت عددا من الشخصيات البارزة، بينهم عدد من الأمراء والوزراء الحاليين والسابقين والمسؤولين ورجال الأعمال.
ارسال التعليق