ما أسباب الصمت السعودي تجاه تصريحات “عشقي” الصادمة؟
اذا كانت السلطات السعودية لا تريد محاسبة الجنرال انور عشقي على زيارته لدولة الاحتلال الاسرائيلي، ولقاءاته مع المسؤولين الاسرائيليين في قلب القدس المحتلة، فان الاحرى بها ان تحاكمه على تصريحاته التي جاءت تبريرا لها، لما تنطوي عليه من خطورة، وكشف لسياسات المملكة التطبيعية الانهزامية.
ولكننا ندرك جيدا ان الدكتور عشقي لن يحاسب، ولن يتقدم لاي محكمة، وسيجد من يربت على ظهره اعجابا وتقديرا، لانه ادى المهمة على خير وجه، ووفق التعليمات، ولم يكن في ظل ما قاله اي خروج على النص الرسمي، بل التطبيق الحرفي له.
الدكتور الجنرال عشقي اختار قناة العالم “الايرانية” الناطقة بالعربية للدفاع عن نفسه وزيارته امام السعوديين اولا، والمسلمين ثانيا، وهو خيار مستغرب، فالمسؤولون، بل والمواطنون السعوديون لا يظهرون على قنوات “الكفرة” و”الرافضة” و”المجوس″، ويحذفونها من على قمر “عربسات” الذي تتحكم به وزبائنه السلطات السعودية، ويحجبون جميع المواقع التابعة لايران او المنظمات والتجمعات الشيعية، الى جانب كل من لا يطبل لسياساتهم، وهذا يعكس تناقضا او بالاحرى ارتباكا بات الطابع اللافت في السياسات والمواقف السعودية في الفترة الاخيرة.
هناك مجموعة نقاط وردت في مقابلة الدكتور الجنرال عشقي ربما تبدو “صادمة” بالنسبة الى الكثيرين، ولسنا من بينهم في هذه الصحيفة “راي اليوم” نلخصها كالتالي من قبيل التوثيق والتفنيد:
اولا: الجنرال عشقي قال ان هذه الدعوة لزيارىة الاراضي المحتلة جاءته من السلطة الفلسطينية، وبعد الحاح استمر اربع سنوات، ومن اللواء جبريل الرجوب تحديدا، وهذا الكلام ينطوي على مغالطة كبيرة، فالجنرال عشقي زار القدس المحتلة قبل اعوام على رأس وفد من مركزه، والتقى مسؤولين اسرائيليين بينهم دوري غولد مستشار نتنياهو وغيره، وصلى في المسجد الاقصى، واللواء الرجوب رئيس اتحاد كرة القدم، او هكذا نعرف، من حقه وفي حدود صلاحياته، دعوة جوزيف بلاتر او بلاتيني او رونالدو وخصمه ميسي، او اي من شاء من نجوم الكرة، اما ان يدعو الجنرال عشقي فهذا امر يحتاج الى ايضاح من اللواء الرجوب نفسه ومن السلطة، خاصة انه قبل اشهر رفض تبريرات اتحاد الكرة السعودي بإقامة مباراة لفريقه الكروي في القدس المحتلة تحت ذريعة معارضة التطبيع، واقيمت المباراة في الاردن.
ثانيا: الجنرال عشقي اكد ان مقاومة الاحتلال المتفوق علينا عسكريا، ويملك اسلحة متطورة “معناه ان ندمر انفسنا”، واضاف “المقاومة لم تقتل ذبابة”، وهذا الكلام يشكل اساءة كبيرة للمقاومة، وكل الشهداء العرب والمسلمين من مختلف الاقطار العربية والاسلامية، بل هو اساءة للجنرال شارلز ديغول، وجورج واشنطن، ونيلسون مانديلا، والحاج امين الحسيني، وعبد القادر الجزائري، ومحمد الخامس، وعمر المختار، وكل رموز المقاومة للمحتلين على طول التاريخ وعرضه، وقائمة الشرف هذه اطول من ان تحصى في هذا المكان.
ثالثا: اكد الجنرل عشقي ان زمن “العنتريات” انتهى “فنحن نملك عقلا كبيرا، وثقافة عالية، لا بد ان نواجه اسرائيل بهذه الثقافة”، وهذا يعني ان المقاومة من اجل تحرير الارض مجرد “عنتريات”، ولا بد من مواجهة اسرائيل واحتلالها ثقافيا، واذا كان الحال كذلك، لماذا تؤسس السعودية حلفا عسكريا واسلاميا، وآخر عربيا، وترسل طائراتها (عاصفة الحزم)، وقواتها (عودة الامل)، الى اليمن منذ عام ونصف العام تقريبا؟ ولماذا تنفق المليارات، وترسل آلاف الاطنان من الاسلحة للمقاومة السورية وقبلها الليبية؟
رابعا: شدد الجنرال عشقي ان زيارته “شخصية” لم يستأذن فيها حكومته لانها لا تمانع ان يذهب اي سعودي الى بيت المقدس، واذا كان كلامه صحيحا، لماذا يوجد نص في جواز سفره السعودي يحرم، ويمنع، اي زيارة لدول عديدة على رأسها اسرائيل؟
خامسا: اكد الدكتور عشقي “نحن نقتدي برسلونا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي زار المشركين وفاوضهم، وهم الذين اخرجوه من مكة المكرمة، وقتلوا الصحابة واخيرا انتصر عليهم”، وهذا كلام جميل، ولكن الم يعلن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الحرب على الكفار وجند لها الجيوش من المؤمنين، وقدم وصحابته وجنده آلاف الشهداء، فلماذا لاجتزاء والانتقائية هنا، وتبرير التطبيع ولاستسلام بهذه الطريقة الساذجة؟
ما نأسف له، ويثير غضبنا، حالة الصمت في الاوساط الرسمية السعودية، وليس الشعبية، تجاه هذا التطبيع الفاضح الذي يقدم عليه كل من الامير تركي الفيصل، والجنرال عشقي مع الاسرائيليين، والاكتفاء فقط بالقول انهما لا يمثلان غير نفسيهما، وليس لهما اي صفة او وظيفة رسمية، ان هذا الصمت اكثر ايلاما وتواطؤا من التطبيع نفسه، وستكون له عواقب وخيمة لاحقا، خاصة ان معظم حروب المملكة وتدخلاتها العسكرية وسياساتها الاقليمية تتعثر وتعطي نتائج عكسية، وما حدث ويحدث من خسائر بشرية في المواجهات على الحدود اليمنية احد الادلة.
مثلما نأسف ايضا، للترحيب الذي يحظى به الجنرال عشقي من السلطة الفلسطينية ورئيسها، وهي السلطة التي باتت تلعب دور “المحلل” للتطبيع، وتوفر الغطاء له، ربما مقابل الحفاظ على الدعم السعودي المالي لها، لدفع رواتب موظفيها، وهذا قمة البؤس والانحدار.
ترتكب السلطات السعودية خطيئة كبرى اذا اعتقدت ان تطبيعها لعلاقاتها مع اسرائيل كخطوة للتمهيد للتحالف امنيا وسياسيا وعسكريا معها وربما يوفر لها الحماية في مواجهة ايران التي تبالغ كثيرا في خطرها، فما يحمي السعودية وامنها واستقرارها، هو التمسك بالثوابت الاسلامية والعربية، وبئس هذه الحماية التي تأتي من محتلي المسجد الاقصى وقاتلي ومحاصري مرابطيه.
السلطات السعودية ترسل طائراتها الحديثة المتطورة، وهي من الانواع نفسها التي يشيد الجنرال عشقي بإمتلاك اسرائيل لمثياتها، ويطالبنا بالاستسلام، ورفع الرايات البيضاء امامها، ترسلها الى اليمن وتقتل الآلاف من ابنائه، بينما “تخترق” بنود مبادرة سلام تقدمت بها عام 2002، تنص على التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل، وفاذا كانت هي، اي اسللطات السعودية، لا تحترم بنود مبادرتها هذه التي “تعفنت” ولم تلق الا الاحتقار من الحلفاء الجدد، فكيف ستلزم الاسرائيليين على احترامها، انه تطبيع مجاني مهين بكل المقاييس.
عزاؤنا ان الشعب السعودي الابي يعارض هذا التطبيع بقوة، ويعتبر فلسطين وقفا اسلاميا، ومستعد للتضحية بأرواحه من اجل تحريرها، ويتبرأ من الجنرال عشقي وكل المطبعين المستسلمين من امثاله.
26/7/2016
ارسال التعليق