ما زال ولياً للعهد فكيف إذا ما أصبح ملكاً؛ بن سلمان وجنون المال
مساء السبت الواقع في 16/12/2017 أطلت علينا صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية بخبر مفاده أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اشترى قصرا فارها يعرف باسم ” قصر فيرساي” ويقع في الريف الفرنسي على بعد 12 ميل جنوب غرب باريس، بقيمة اجمالية بلغت 300 مليون دولار، وسبق هذا الخبر بمدة ليست بالبعيدة خبر آخر جاء فيه أن الأمير الشاب “32 عاما” دفع 450 مليون دولار أمريكي لشراء لوحة فنية تضم رموزا مسيحية، ربما يريد بها تزيين قصر لويس الرابع عشر، فالعراقة تحتاج إلى عراقة تتناغم معها، ولكي تكتمل الصورة لابد أن نذّكر باليخت الذي اشتراه بن سلمان قبل مدة عندما زار فرنسا مقابل 550 مليون دولار، بحسب وسائل إعلام أمريكية.
وبهذا يكون بن سلمان قد أنفق 1.3 مليار دولار أمريكي مقابل شراء ثلاثة أشياء فقط خلال ثلاث سنوات فقط أي منذ وصول والده إلى الحكم في السعودية، “وهو ما زال ولياً للعهد فكيف إذا ما أصبح ملكاً”، الحقيقة أن الرفاهية عامل مهم جدا للإنسان للترويح عن النفس وتخفيف الضغوط قدر المستطاع والامير الشاب يعاني من ضغوط كبيرة خلال هذه المرحلة منها “تثبيت الحكم، الحرب على اليمن، محاصرة قطر، عجز في ميزانية الدولة…وغيرها”، لذلك من حقه أن يترفه ولكن من حق شعبه أيضا أن يعيش.
وفي حال أردنا المرور قليلا على ما يقوم به بن سلمان خلال هذه المرحلة لوجدنا جملة من التناقضات التي قد تأخذ البلاد إلى مكان لا يرغب بن سلمان نفسه بالوصول إليه، فمن جهة يرفض بن سلمان تقشفا لم تشهد المملكة مثيلا له وشن حملة اعتقالات واسعة بدعوى تطهير السعودية من الفساد، وأجبر أمراء ورجال أعمال وأثرياء على التنازل عن أموالهم بحجة أنهم حصلوا عليها بطرق غير مشروعة، ومن جهة أخرى يصرف أموال طائلة على ملذاته الشخصية ولو وضعت هذه الاموال لخدمة الاقتصاد السعودي لخففت من حدة العجز في ميزانية المملكة التي من المتوقع أن تصل إلى 182 مليار ريال (48.5 مليار دولار) خلال هذا العام، بحسب شركات البحوث الأبرز في السعودية “جدوى للاستثمار والراجحي كابيتال”، أو على الأقل كانت ساهمت هذه المبالغ التي يبذرها الأمير في تخفيف معدل البطالة لإجمالي السكان السعوديين والذي بلغ 12.8%، بواقع 7.4 %للذكور، و33.1% للإناث خلال الربع الثاني من عام 2017.
ماذا يجري الآن في السعودية؟!
أولاً: الأخبار التي تنشرها الصحف الغربية وخاصة الامريكية عن التبذير السعودي خارج حدود المملكة بالتزامن مع الأوامر التي أصدرها الملك سلمان بن عبد العزيز بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد وبدء حملة الاعتقالات بحق عدد من الوزراء الحاليين والسابقين والأمراء ورجال الأعمال، كل هذا يجعل المستثمرين الاجانب يقلقون جدا من تشغيل أموالهم في سوق يعاني من عدم الاستقرار وويواجه غموض مستقبلي غير معلوم النتائج وفي هذا الصدد يتساءل الكاتب الصحافي البريطاني ديفيد هيرست: “الاقتصاد في حالة ركود، ويجري الآن استنزاف الاحتياطات، وتم إنشاء لجنةً بإمكانها مصادرة الأصول وفقًا لإرادتها في الداخل أو الخارج، فما الذي يمنع السعودية من فعل الشيء نفسه مع أصول المستثمرين الأجانب الذين يختلفون معه؟”.
ورغم كل المحاولات السعودية لإظهار الأمر بانه لايتعدى مسألة الاصلاح الاقتصادي ومحاربة الفساد داخل البلاد لم يستطيعوا تبديد المخاوف التي تراود المستثمرين الأجانب ولم تنجح الحكومة في الحفاظ على الصورة الإيجابية.
ثانياً: في نفس اليوم الذي نشرت فيه صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية خبر شراء الامير بن سلمان للقصر الفرنسي، كشفت وزارة المالية السعوديةعلى صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، عن تنفيذ ما أسمته “المقابل المالي” على الوافدين، عبر تحصيل ضريبة مالية على العمالة الوافدة تتراوح بين 300 و400 ريال (80 إلى 106.7 دولار) شهريًا، اعتبارا من العام المقبل 2018، هذا الخبر سبب حالة من القلق لدى الملايين المقيمين بالمملكة، خاصة أنه لم يعد يتعلق بالعمالة الموجودة في الشركات التي تفوق العمالة الوافدة بها عمالتها الوطنية، إذ بات ينسحب إلى العمالة الأجنبية بشكل عام حتى ولو كان عددها أقل من الوطنية في الشركات، وهو ما يدفع للتساؤل عن مصير هذه العمالة.
وتريد السعودية من هذا القرار ايجاد فرص عمل للشباب السعودي العاطل عن العمل بنسبة كبيرة، ولكن هذه المحاولات ليست بالجديدة فقد كان محاولات سابقة لهذا الأمر ولكنها باءت بالفشل لأن العمالة الأجنبية تفرض نفسها بقوة داخل المجتمع السعودي لكونها مؤهلة بشكل جيد وتعمل بأجور أقل وفي حال تم اخراج كل هذه العمالة خارج البلاد هل تستطيع العمالة السعودية تغطيتها، خاصة أن المملكة قادمة على مشاريع كبيرة مثل “مشروع البحر الأحمر” بحسب ما يخطط له بن سلمان؟!.
ثالثاً: في الوقت الحالي تعاني السعودية من تراجع حاد في إيراداتها المالية فهي تخسر يوميا عشرات المليارات جراء خوضها حروب غير مجدية في كل من اليمن وسوريا، فضلا عن خسائر أخرى ناتجة عن تراجع أسعار النفط الخام عما كان عليه في 2014، وفي العام الحالي تحسن الوضع قليلا، ولكنها لاتزال تعاني من زيادة الإيرادات غير النفطية (الرسوم والضرائب على وجه الخصوص)، مما سبب عجز في الميزانية لهذا العام.
ختاماً؛ لا يخفي خادم الحرمين الشرفين القادم “محمد بن سلمان” إعجابه برئيسة الوزراء البريطانية السابقة، مارغريت تاتشر وسياستها، ولكن هل سيستطيع بن سلمان أن يتغلب الازمة الاقتصادية التي تعاني منها بلاده كما فعلت تاتشر في نهاية السبعينات من القرن الماضي، أم أنه سيتأثر بجنون العظمة الذي كان يمتلكه الملك لويس الرابع عشر والذي اشترى قصره في فيرساي ويتبنى عبارته الشهيرة “أنا الدولة” L’État, c’est moi”، وبالتالي سيمضي في سياسته الحالية ويتصرف على هواه.
ارسال التعليق