محافظة شبوة الغنية بالنفط والغاز تسيل لعاب المرتزقة
لم تكن الاشتباكات الأخيرة في محافظة شبوة اليمنية التي جرت في أغسطس/ آب الماضي، بين القوات الموالية للرئيس المستعفي عبد ربه منصور هادي من جهة، وما تسمى"ألوية العمالقة" و"دفاع شبوة" المدعومين من الإمارات من جهة أخرى، حدثاً مفاجئاً بحد ذاته، بل تسلسلاً لأحداث سابقة شهدتها المحافظة، إثر تحوّلات عسكرية بدعم خارجي.
فقد عملت الإمارات خلال السنوات الماضية على تأسيس قوة عسكرية كبيرة داخل شبوة متمثلة بما تسمى بـ"النخبة الشبوانية" التي تم طردها سابقاً من مدينة عتق مركز المحافظة، وأعيدت أخيراً تحت اسم "قوات دفاع شبوة" عقب تعيين عوض بن الوزير العولقي محافظاً لشبوة.
وفي محافظات أخرى، دعمت أبوظبي تأسيس قوى عسكرية بعيداً عن القوات الموالية للرئيس الفار عبد ربه منصور هادي، مثل ما تسمى "نخبة حضرموت"، و"الحزام الأمني" في عدن وأبين ولحج.
من جهتها، دعمت السعودية تأسيس قوة عسكرية أطلق عليها "محور سبأ" بقيادة سلفية شاركت في حرب "العمالقة" و"دفاع شبوة" ضد مرتزقة الإمارات في شبوة في أغسطس الماضي.
وقالت مصادر محلية مطلعة إن "تحالف العدوان يسعى لإحلال قوات غير تلك التابعة لـ منصور هادي في المحافظات، وشيطنة القوات التي توصف في إعلام مايسمى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، بقوات (حزب) الإصلاح تارة، وتارة أخرى تتهم بالإرهاب".
ولفتت المصادر في هذا الإطار إلى ما شهدته السنوات الماضية "من دعم وتجييش مليشيات جديدة في المناطق، وعرقلة العملية السياسية في اليمن؛ بدءاً من الحجز القسري للرئيس السابق عبدربه منصور هادي (في إشارة إلى إقامته في السعودية)، والآن تهميش رئيس ما يسمى مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي وبقية الأعضاء، وإعطاء الضوء الأخضر لرئيس ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، وقائد ألوية العمالقة أبو زرعة المحرمي".
بعد انتهاء المعركة بين القوات الموالية للرئيس الهارب عبد ربه منصور هادي والقوات التابعة لـ مايسمى"المجلس الانتقالي"، عاد الوضع الأمني إلى الواجهة بقوة في شبوة، بعد أن قادت "العمالقة" حملة اعتقالات لأفراد ومنتسبين إلى الأجهزة الأمنية والقوات الخاصة، ووصل الأمر إلى اعتقال أقاربهم.
ومع أن محافظ شبوة تعهد عشية إخراج القوات الموالية للرئيس المستعفي عبد ربه منصور هادي من عتق، بحفظ أمن المحافظة والعفو التام عن أفراد القوات الذين قاتلوا مع الألوية التي ينتمون إليها، لكن ظلّ الترصد لأفراد وأقارب المنتسبين للقوات من مهام القوات الجديدة التي سيطرت على المدينة، ما أجبر البعض على التنكر أو الاختفاء.
ولم يتوقف الحال على هروب العسكريين، إذ قال مسؤول في المحافظة، رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك مسؤولين وناشطين سياسيين غادروا محافظة شبوة، خوفاً على سلامتهم الشخصية، وهناك من تعرّض للتهديد العلني من داخل مكتب المحافظ عوض بن الوزير العولقي، إضافة إلى التضييق الذي يُمارس على الدوائر الحكومية".
وفي السياق نفسه، اشتكى مواطنون من قرى مجاورة لمدينة عتق من إنشاء معسكرات تتبع "ألوية العمالقة" قرب قراهم، عبر بيان إدانة قدّموه للمحافظ قبل بضعة أسابيع.
وفي السياق، قال ناصر الخليفي، المحامي والناشط الحقوقي الذي ينتمي إلى إحدى القرى المتضررة، إن "وجود معسكرات بالقرب من المناطق السكنية يشكّل العديد من المخاطر على المدنيين في حال اندلاع أي اشتباكات مسلحة، هذا فضلاً عن القلق في صفوف المواطنين من تكرار إطلاق النار، خصوصاً أن المعسكرات تدريبية، ووجودها بالقرب من القرى يخلق حالة من الهلع".
ولفت الخليفي إلى أنه "تم الاستيلاء على مناطق شاسعة كانت مراعي للمواشي ومساكن للبدو الرّحل في موسم المطر، ووجود المعسكرات منع وصول المواشي إلى المراعي".
وتابع: "عند إبلاغنا المحافظ عوض بن الوزير باستنكارنا لوجود هذه المعسكرات، أبلغنا أنها ستسلم لقوات تتبع مايسمى الانتقالي وأنه سيجد مكاناً آخر لها، لكن فوجئنا أن المعسكر استقبل الأربعاء الماضي مجندين جدد، والمحافظ سافر إلى الإمارات، وما زال المعسكر يتوسع".
ازداد الجو العام توتراً بعد عمليات اغتيال متسلسلة في محافظة شبوة، وذلك بعد المعركة التي خاضتها ما تسمى"ألوية العمالقة" و"دفاع شبوة" ضد القوات الموالية للرئيس المستعفي عبد ربه منصور هادي. واعتبر ناشطون سياسيون أن ذلك بداية لقمع أي وجود عسكري ينتمي لشبوة، وبداية التصفية العسكرية وتمكين قوات آتية من خارج المحافظة للحلول مكان التي كانت موجودة.
هذه التطورات تمثل إحراجاً للمحافظ عوض العولقي، الذي أتى إلى منصبه من أجل تولي أبناء المحافظة الحكم في شبوة، وبث الأمان الذي فُقد، بحسب قوله في اجتماع دعا إليه قبل تعيينه محافظاً.
لكن إخراج القوات الموالية للرئيس المستعفي عبد ربه منصور هادي وإحلال قوات من خارج المحافظة مكانها، يعاكس تماماً الرؤية التي وضعها العولقي قبل تعيينه، وأكد عليها في اجتماع مع مسؤولين أمنيين سبق الأحداث الأخيرة، إذ كرر بأنه يريد أن تكون شبوة "رأس"، لكن أهلها لا يريدون ذلك، في إشارة واضحة إلى أن أبناء المحافظة من قيادات عسكرية لا يبحثون عن الأمن في المحافظة.
وكشفت المعارك الأخيرة في شبوة عن طريق مختلف يسلكه ما يسمى "المجلس الانتقالي" المدعوم إماراتياً في السيطرة على المحافظات الجنوبية؛ سياسياً وعسكرياً، وبتأييد أو غض نظر على الأقل من المجلس الرئاسي. فمحافظة شبوة الغنية بالنفط والغاز تثير أطماع مختلف الجهات، خصوصاً أنها تمتلك طبيعة متنوعة وثروة كبيرة في باطنها لم يتم التنقيب عنها بعد.
غير أن تجربة شبوة لثلاث سنوات من الأمن النسبي والتنمية التي تحققت في فترة المحافظ السابق محمد بن عديو، يبدو أنها دفعت أطرافاً من التحالف لنقل تجربة عدن إلى شبوة، وجعل المحافظة مساحة كبيرة لخوض حروب صغيرة شبة يومية بين المرتزقة.
وكانت المعارك قد اندلعت الشهر الماضي بعد دعوة من المحافظ العولقي من أجل "طرد المتمردين"، عقب اشتباكات عنيفة اغتالت خلالها ما تسمى قوات "دفاع شبوة" ضابط في محور عتق قبيل تفجّر الوضع بشكل أكبر.
ومع أن المعركة اندلعت لـ"إخماد التمرد"، كما يشير المكتب الإعلامي لمحافظة شبوة، إلا أن المرتزقة التي قادت تلك المعركة استعانت بطائرات مسيّرة إماراتية بحسب مواطنين، في قصف تجمعات القوات الموالية للرئيس المستعفي عبد ربه منصور هادي، وهو ما تسبّب بقلب مسار المعركة لصالح المرتزقة المدعومة إماراتياً، والسيطرة على عتق مركز المحافظة بعد ثلاثة أعوام من طرد القوات التابعة لـ مايسمى"المجلس الانتقالي" منها.
ارسال التعليق