محاكم التفتيش السعودية تمهد الطريق لإعدام قاصرين
لا رأس يسلم من منشار محمد بن سلمان. بقدر القسوة التي تعكسها الجملة السابقة بأضعاف يعاني أبناء القطيف وذويهم من البطش الممارس ضدهم من قبل النظام السعودي تاريخيا.
واليوم، وفي عهد الشاب الذي يهُلل له بوصفه الفاتح والمنفتح، لم تسلم أرواح القصر من قبضة الإعدام، مثلها مثل الأرواح التي أزهقت منذ تسلّمه دفة الحكم في الجزيرة العربية المحتلة.
تناولت صحف غربية ومنظمات حقوقية وجود مؤشرات عن تهديد حقيقي يطال حياة المعتقلين القاصرين عبد الله الدرازي ويوسف المناسف، ونيّة النظام السعودي تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحقيهما.
وفي رسالة وجهت إلى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، وكشفت عنها صحيفة “غارديان”، وصف أحد أفراد عائلة المعتقل عبد الله الدرازي كيف تم “جرفه” من الشارع واختفاؤه لمدة 3 أشهر دون أن يصل العائلة أي خبر عنه.
وأكدت الرسالة عدم استجابة النظام السعودي لنداءات الأهالي وصرخاتهم، طالبين من الإدارة الأميركية التدخل لمنع تنفيذ الحكم.
عبد الله الدرازي يواجه خطر القتل تعزيرا:
في 9 أغسطس/آب 2022، أيدت محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة في “السعودية” حكما بقتل القاصر عبدالله الدرازي (8 أكتوبر/تشرين الأول 1995م) تعزيرا، بعد محاكمة هزلية افتقرت لأبسط شروط العدالة.
وبحسب المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان مكث الدرازي لمدة ثلاث سنوات في السجن الاحتياطي قبل بدء محاكمته في أواخر أغسطس/آب 2017. على الرغم من أخباره للقضاة – أثناء سير المحاكمة – أن الاعترافات التي قدمتها النيابة العامة كدليل ضده اُنتزِعت منه تحت وطأة التعذيب في فترة التحقيق التي حُرِم فيها من الاستعانة القانونية، أصدروا حكما بقتله تعزيرا بعد عدة جلسات استغرقت قرابة 6 أشهر (فبراير/ شباط 2018). لم تقدم النيابة العامة أي دليل مادي على ارتكابه الجرائم المزعوم ما عدا الاعترافات التي طعن في صحتها.
في 27 أغسطس/آب 2014م، اعتقلت عناصر من مركز شرطة جزيرة تاروت عبدالله الدرازي من وسط الشارع بعد الانهيال عليه بالضرب الشديد. كان عمره حينها ثمانية عشر عاما وعشرة أشهر. خلال مكوثه في مركز الشرطة تعرض للضرب وشتى أنواع التعذيب، بغية إرغامه على الإقرار باعترافات محددة له من قبل المحقق. عندما رفض ذلك، تحايل عليه أحد الضباط وهو مغمض العينين من أجل إقناعه بضرورة التبصيم على أوراق إطلاق سراحه بعد إيهامه بثبوت براءته لهم.
تفاجأ الدرازي بتحويله إلى سجن المباحث العامة في الدمام، وفيما بعد أكتشف أن الأوراق التي تم تبصيمه عليها هي اعترافات كتبها المحقق بيده. طوال فترة الحبس الاحتياطي التي بلغت ثلاث سنوات لم يمكن الدرازي من حقه الاساسي في الاستعانة القانونية، ما شكل انتهاكا صارخا للأنظمة المحلية والقوانين الدولية. عُزِل الدرازي في زنزانة انفرادية لمدة ستة أشهر، وخلالها مورس بحقه التعذيب الجسدي والنفسي بغية إجباره على التوقيع على الاعترافات. خلال الثلاثة الأشهر الأولى لاعتقاله، كانت عائلته تجهل مصيره بسبب إخفاء الاجهزة الامنية السعودية مكان تواجده وعدم إبلاغهم عن ذلك.
تسبب التعذيب الذي مارسته عناصر من المباحث العامة بحق الدرازي بحروق حول العين وتكسر في الأسنان، بالإضافة إلى آلام في الركبة وفي الأذن، ما أدى إلى نقله إلى المستشفى أكثر من مرة، بحسب المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان.
وجهت النيابة العامة للدرازي عدة تهم بعضها كانت في فترة الطفولة، ليس منها ما يصنف كجرائم جسيمة. من بينها: الاشتراك في تكوين خلية إرهابية تهدف إلى زعزعة الأمن الداخلي في البلاد واستهداف رجال الأمن، المشاركة في المظاهرات والمسيرات، الاعتداء على الممتلكات العامة وإتلافها والقيام بأعمال التخريب والفوضى وإعاقة الطريق والسعي لإحداث الفتنة والفرقة والانقسام في البلاد، الاعتداء على رجال الأمن عبر رميهم بالزجاجات الحارقة (الملتوف)، تعطيل الطريق على المارة بحرق الإطارات، ترديد الهتافات المناوئة للدولة، المشاركة في تشييع أحمد المطر وتوزيع الماء أثناء ذلك، تنظيم التشييع. تقوم النيابة العامة بتضخيم واختلاق تهم لم ترد في دفاتر التحقيق والاقرارات المنتزعة تحت التعذيب، فلم يُذكر في إقرارات الدرازي أي ذكر لتكوين خلية إرهابية.
يوسف المناسف يواجه خطر تنفيذ حدّ الحرابة:
أيدت “محكمة الاستئناف المتخصصة” حكم الإعدام بحق القاصرين يوسف المناسف وحسن الفرج في فبراير/شباط 2023.
اعتقِل يوسف المناسف (8 سبتمبر 1996) في 6 أبريل 2017 بالقرب من محكمة القطيف بطريقة عنيفة تخالف الانظمة المحلية. فجأة، وهو يشمي في الشارع، اشهرت قوات أمنية سعودية السلاح في وجهه واقتادته إلى السجن، دونما إبراز مذكرة اعتقال أو إبلاغه عن اسبابه. كان عمره حينذاك 20 عامًا وستة أشهر.
أُبلغت عائلته باعتقاله ونقله إلى سجن المباحث العامة في الدمام. لكن لم يسمح لها برؤيته أو زيارته إلا بعد مضي أكثر من ستة أشهر على اعتقاله، حيث ظل طول تلك المدة في الحبس الانفرادي، وبمعزل عن العالم الخارجي. في منتصف أكتوبر 2017، سمحت إدارة السجن لعائلته بالزيارة.
تعرض يوسف المناسف خلال فترة الاعتقال إلى تعذيب جسدي شديد أدى إلى فقدانه الوعي ودخوله المستشفى. كما تسبب التعذيب له بمضاعفات صحية وآلام في الظهر.
أُجريت له فحوصات في مستشفى قوى الأمن، لكنه لم يتلق نتائجها أو الصور أو التقرير الطبي. لم تسمح إدارة السجن لعائلته بزيارته إلا بعد إجباره على توقيع اعترافات، استخدمتها النيابة العامة ضده لاحقا في المحكمة كأدلة على التهم التي وجهت له.
وجهت “النيابة العامة” له عدة تهم أغلبها في فترة الطفولة. من بينها: المشاركة في جنازات بعض الأشخاص الذين قضوا برصاص القوات الأمنية في مظاهرات ومداهمات، إحداها حينما كان عمره 15 عاما، وأخرى حين كان يبلغ من العمر 16 عاما، إلى جانب المشاركة في المظاهرات والتجمعات المثيرة للشغب، ترديد الهتافات، رفع الشعارات المناوئة للدولة، السعي لإثارة الفتنة والفرقة، وزعزعة الأمن، السعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية، الدعوة والمشاركة والتحريض على الاعتصامات والمظاهرات والتجمعات التي تمس وحدة واستقرار المملكة، والانضمام إلى خلية إرهابية ومراقبة رجال الأمن وإطلاق النار عليهم، بيع حبوب مخدرة لثلاثة من رجال الأمن، والتستر على مطلوبين.
كما وجهت له النيابة تهمة بتمويل الإرهاب والأعمال الإرهابية، من خلال الاستناد لإقراراته التي تنص على استلامه ونقله وتسليمه إطارات لمواقع الشغب.
لم تقدم “النيابة العامة” أية أدلة على التهم الموجهة للقاصر يوسف المناسف ما عدا الإقرارات التي قال أمام المحكمة أنها اُنتزعت منه تحت وطأة التعذيب.
بالإضافة إلى إقرارات أخرى اُنتزِعت من معتقلين سابقين تحت ظروف مشابهة. حُرِم يوسف المناسف من حقه الأساسي في الاستعانة بمحام طوال فترة التحقيق والحبس الاحتياطي الذي امتد إلى 29 شهر، في انتهاك صارخ للأنظمة المحلية وشروط المحاكمات العادلة.
أبدى عدد من خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قلقهم البالغ حول المعلومات التي وردتهم فيما يتعلق بطلب النيابة العامة في السعودية الإعدام بحق القاصر يوسف المناسف، وطالبوها بوقف فوري لكافة الخطوات نحو إصدار الحكم.
الرسالة التي أرسلت في 13 يونيو 2022، وقع عليها كل من نائب رئيس الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي مومبا ماليلا، والمقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب فيونوالا ني أولين، والمقرر الخاص المعني بالإعدام موريس تيدبال بينز.
وبحسب المعلومات التي وردت إلى المقررين الخاصين، وجهت للمناسف عدة تهم من بينها انضمامه الى تنظيم مسلح، إطلاق النار على قوات الأمن، التخطيط لاستهداف مركز شرطة العوامية، المشاركة في مظاهرات رفع خلالها اللافتات المناهضة للدولة وإحراق الإطارات، المشاركة والترويج والتحريض على الاعتصامات، والترويج للحبوب المخدرة.
الرسالة، أشارت إلى أن المعلومات أكدت أن المناسف واجه تهماً حصلت حينما كان قاصراً، بينها المشاركة في تشييع جنازة زهير السعيد عام 2011، وعلي المناسف وحسن الزهري وخالد اللباد عام 2012 ومرسي الربح عام 2013.
المقررون الخاصون أشاروا إلى أن النيابة العامة تستند في التهم إلى اعترافات منتزعة تحت التعذيب، من دون أدلة مادية مثل السلاح أو مكان وجوده وقت التهم أو غيرها.
وذكر الخبراء أن فرض عقوبة الإعدام على القاصرين انتهاك صارخ للقانون الدولي لحقوق الإنسان، كما اعتبروا أن هذه المعلومات تشكل انتهاكا للحق في الحياة وللحق في عدم التعرض للتعذيب وسوء المعاملة.
كما أكدوا أن التهم تبين أن لا جرائم من الأشد خطورة والتي تعرف في القانون الدولي على أنها القضايا التي يمكن فيها إثبات وجود نية قتل أسفرت عن خسائر في الأرواح. وأوضحت الرسالة القوانين التي ينتهكها طلب الإعدام بحق يوسف المناسف بما في ذلك اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية مناهضة التعذيب اللتان صادقت عليهما “السعودية”.
المقررون الخاصون كرروا قلقهم بشأن التعريف الفضفاض للغاية “للإرهاب” بموجب قانون مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله وذكّروا بانتقادات المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان الأساسية في مواجهة الإرهاب، حول الإطار التشريعي لمكافحة الإرهاب خلال زيارته إلى “السعودية” عام 2017.
كما اعتبروا أن تأكيد المناسف تعرضه للتعذيب خلال التحقيق كان يجب أن تدفع القاضي إلى التوجيه إلى تحقيق شامل ومستقل.
وأعربوا عن قلقهم إزاء التقارير المستمرة عن فرض وتنفيذ عقوبة الإعدام بحق أفراد في السعودية في ظروف يتم فيها تجاهل الضمانات التي تحكم عقوبة الإعدام في القانون الدولي، ودعوا “السعودية” إلى وقف أي خطوة في قضية يوسف والتحقيق في كافة مزاعم التعذيب وإعادة محاكمته بما يتوافق مع القانون الدولي، بما يحافظ على حقوقه من ضرر لا يمكن جبره.
ارسال التعليق