بعد ان شاهدت مقابلة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع القناة التلفزيونية السعودية “العربية” في الثامن من الشهر الحالي سرحت بفكري الى العام 2012. لقد شاركت في شهر أكتوبر/تشرين اول من العام 2012 في الاعداد لمؤتمر دولي للباحثين في شؤون الشرق الأوسط في جامعة ارلانجن الألمانية، و ادرت جلسات النقاش المتعلقة بموضوع “الربيع العربي: الخلفيات، الأهداف و العقبات”.عند الاعداد لهذا المؤتمر لفت انتباهي موضوعاً وصلني ملخصه من أحد الزملاء العاملين في احدى الجامعات البريطانية يطلب مني الموافقة على مشاركته بالمؤتمر المذكور. كان موضوع بحث الزميل، الذي يعتبر خبيراً في شؤون الدول العربية و خصوصاً الخليجية منها، يتعلق بالربيع العربي و دول الخليج و خصوصاً في المملكة العربية السعودية. من ضمن ما ذكره الباحث اثناء مشاركته في المؤتمر ما يلي:
لقد وصل الربيع العربي الى السعودية و هناك من يطالب بالإصلاحات الجذرية للنظام السياسي السعودي حتى من داخل الأسرة الملكية الحاكمة، حيث يطالب بذلك الشباب السعوديون و من ضمنهم الأمراء صغار السن الذي درسوا في الجامعات الغربية و احتكوا بالمجتمعات الديمقراطية.
حديث الأمير السعودي الشاب محمد بن سلمان لقناة العربية تضمن مواضيع حساسة تشمل القضاء على الفساد، منع إهدار المال العام، إعادة هيكلة العديد من القطاعات، القضاء على البطالة، تقليل الاعتماد على عائدات البترول و التوجه لاستغلال الثروات الطبيعية من ذهب و نحاس و يورانيوم و غير ذلك.
هنا اود ان أبدى الملاحظات التالية:
اولاً: ان القيام بإصلاحات جذرية للنظام السعودي ضرورة حتمية للنظام نفسه حتى يتمكن من الاستمرار و لا يتعرض للاندثار ككل الأنظمة في التاريخ التي حاولت الوقوف امام عجلة التطور الإنساني و الحضاري.
ثانياً: سيصطدم الأمير الشاب إذا كان صادق النية مع اقربائه الأمراء الآخرين الذين حصدوا المليارات من وراء استغلال الفساد لزيادة ثرواتهم.
ثالثاً: ان التوجه لدعم الطبقات المتوسطة و المحدودة الدخل لتحمل أعباء الحياة المادية امر يستحق الثناء و التقدير إذا كان صادقاً و بعيداً عن حسابات احتوائهم و امتصاص غضبهم و نقمتهم.
رابعاً: يجب مشاركة الشباب السعودي المتعلم الذي باهى به الأمير نفسه بتحمل المسؤولية الوطنية في تحمل الأعباء و اتخاذ القرار و تقلد مناصب حكومية جديرة بثقافتهم و تحصيلهم العلمي و خبراتهم.
خامساً: لا يتم القضاء على إهدار المال العام فقط في التخفيف من الانفاق الحكومي و تقليص عدد السيارات الحكومية و تعلم سبل تخفيض كميات المياه و الكهرباء و المشتقات النفطية، و انما يكمن في التغيير الجذري للسياسات الحكومية التي تبدد المليارات في:
شراء الأسلحة و المعدات الحربية بحيث أصبحت السعودية اكبر المستوردين لها في العالم و باعتراف الأمير نفسه في المقابلة المذكورة. هذه الأسلحة التي تستخدم في العدوان على الشعب اليمني الذي لم و لن يكون عدواً لإخوته في السعودية في يوم من الأيام. كما تستخدم تلك الأسلحة في محاولة تغيير الأنظمة العربية في العراق و سورية و غيرها من الدول.
إنشاء المحطات التلفزيونية و الصحف و المجلات لنشر الأفكار الهدامة التي تفرق بين معتنقي الدين الواحد و تهدم جسور الأخوة و التفاهم بينهم و تزرع بذور الحقد و الكراهية، بدلاً من الدعوة الى تعزيز أواصر الأخوة و المحبة كما يطالبنا به ديننا الإسلامي الحنيف الوسطي الذي يرفض التطرف و ينشر مبادئ العدل و المساواة و السلام.
لقد طالب الأمير محمد بن سلمان بان تتحول نسبة المشتريات العسكرية من الداخل السعودي من 2% في الوقت الراهن الى ان تصبح ثلاثين الى خمسين في المائة في المستقبل المنظور. ان التوجه الى الاعتماد على الذات في كل الأمور امر لا يمكن الا ان يؤيده كل انسان عاقل. ان من اهم مساوئ البترودولار هو دعم الانبطاح في أحضان الاتكالية و الاعتماد على الغير في تصريف شؤون البلاد و العباد. ان القضاء على هذه الآفة سيشكل نقطة انطلاق للتطور و الابداع الذي يرتكز على العقل العربي و المال العربي. فلا العقول المبدعة تنقصنا و لا المال. ما ينقصنا هو الثقة بالنفس و بالمواطن العربي الذي يجب ان يكون له الدور الأساسي في تطوير بلده بدلاً من التباهي في وجود الخبراء الأجانب لتسيير امورنا و كأنهم اكثر حرصاً منا على بلاد آبائنا و اجدادنا. من المهم ايضاً ان نحاول اعتماد الحل السلمي لحل المشاكل المتعلقة بالدول المجاورة و استخدام الحوار بدلاً من التوجه نحو الأسلحة و محاولة فرض الرأي بقوة السلاح. لأن الحلول السلمية تعزز السلم الإقليمي و العالمي و توفر المال العام الذي يجب ان يستغل في النهضة الصناعية و الثقافية و مساعدة الاخوة من الامتين العربية و الإسلامية. ان ذلك سيجلب للسعودية التحصين الداخلي المجتمعي و محبة و احترام الدول المجاورة. ان المال لا يجلب قيادة العالم العربي و الإسلامي، و انما بالمال يمكن شراء ذمم الفاسدين الذين لا تكن لهم شعوبهم سوى الكره و الاحتقار. لا يمكن محاربة الفساد بالسعودية و في نفس الوقت تتم محاولة شراء ذمم الفاسدين و نشر الفساد و تعزيز وجوده في الدول العربية الأخرى.
ليس مهماً تغيير وزير بوزير آخر ما دامت السياسة العامة على حالها بدون تغيير. سيبقى هذا التغيير صورياً و عملية تجميلية إذا لم يصاحبه تغييراً استراتيجياً جديداً. فهل ستعني إقالة وزير النفط السعودي سياسة نفطية جديدة؟ و هل ستُأخذ رغبة روسيا و ايران في رفع أسعار النفط في الاعتبار؟ هل سنشهد نظاماً سعودياً مختلفاً يلغي اتفاقية آل سعود مع آل الشيخ في تقاسم السلطة السياسية و الدينية؟ ام هل ستبقى حليمة على عادتها القديمة بعد محاولة امتصاص النقمة الشعبية و انتهاء صلاحية العملية التجميلية؟
ارسال التعليق