مدير معهد واشنطن : القدس خارج اهتمام بن سلمان
التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة، الخاصة بهامشية القدس كعقبة في مسار التحالف بين واشنطن وتل أبيب من جهة، وبين العواصم الخليجية إزاء قضايا أخرى يراها أهم من فلسطين، مثل بـ”خطر إيران الإسلامية” على حد تعبيره، تأتي في سياق أكبر من حجم وتأثير البحرين، التي تمثل باتت كل أهميتها كدويلة خليجية وظيفية محصورة بين دور “الدوبلير” للبطل السعودي في مسلسل التطبيع مع تل أبيب، وكذلك بالون اختبار سعودي للتقدم الغير مسبوق في مستوى العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، وعلى رأسها السعودية في السنوات القليلة الماضية والشهور الأخيرة منها بشكل خاص.
هذا التطور الذي جعل من قضايا فلسطين والقدس “هامشية” في سبيل إنفاذ وتفعيل هذا التحالف بين إسرائيل ودول خليجية بقيادة السعودية، تسارع في الآونة الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة، جعلت ليس فقط علانيته والتصريح به من جانب أطرافه ومكوناته أمر شبه يومي على مختلف الأصعدة الإعلامية والسياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، ولكن لأن يتم التغطية على توظيف قضية بأهمية القدس في أن تكون ثمن لبقاء ترامب في البيت الأبيض بعد اعترافه بها كعاصمة لإسرائيل. هذه التغطية لم تقف عند حد بيانات روتينية تراوحت بين الشجب والإدانة، ولكن وعلى مستوى عملي خاص بصنع واتخاذ القرار في السياسات الخارجية لدولة مثل السعودية تشهد تحول كبير في مسارات الحكم والسياسة والاقتصاد والمجتمع ليس لها أي محل. أي باختصار لم تشهد الفترة الماضية في فعاليات السياسة السعودية الخارجية –بخلاف ردات الفعل الإعلامية والدبلوماسية الروتينية- وخاصة فيما يتعلق ببوصلتها الرئيسية؛ العلاقات مع واشنطن والإدارة الحالية، أي تأثر بما حدث في مسألة القدس واعتراف ترامب بها كعاصمة لإسرائيل، بل على العكس تماماً لم تكن أصلاً على أجندة أي فعالية حدثت في الفترة الماضية في إطار العلاقات مع الولايات المتحدة، اللهم إلا من زاوية تهميشها لعدم عرقلة التطور الكبير في العلاقات السعودية-الإسرائيلية، والتي تراها الرياض ومعظم دول الخليج بوابة ذهبية لتحقيق العديد من الأهداف والمكاسب على مستوى إستراتيجي متعدد المجالات.
في هذا السياق، يطرح روبرت ساتلوف، مدير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، معايشته لتفاعل السعودية، ممثلة في مستقبلها وملكها الحقيقي، ولي العهد محمد بن سلمان مع قضية القدس، الذي “لا يريد التحدث عنها“، وذلك من خلال سرد ساتلوف لمجريات اجتماع تم بين بن سلمان وعدد من المسئولين السعوديين، وبين جمع من الخبراء والباحثين في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، من مختلف مراكز الأبحاث ودوائر الإعلام وصنع القرار قبل أسبوعين في الرياض، وذلك في مقال له في صحيفة “فورين بوليسي” الأميركية.
يروي ساتلوف أن كواليس هذا الاجتماع ونظرة الخبراء للأمير الطموح الشاب تجاه مختلف القضايا في الداخل والخارج، والتي على حد تعبيره “لم تكن القدس أحدى هذه القضايا”، ليس فقط لأنها لم تكن على الأجندة السعودية لمثل هكذا اجتماع، ولكن لأن ما يتعلق بفلسطين وإسرائيل لم يكن يتم تناوله من قبل بن سلمان إلا من زاوية التلاقي والتحالف ضد عدو أكبر، حتى بدون تسوية أي من العوائق التي تقف في سبيل ذلك بشكل برجماتي حتى. ولكن المفاجئ لساتلوف أن الأمير الشاب لم يتطرق لحديث الساعة وقتها، وهو اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وردود الفعل على مثل هكذا قرار في مختلف بقاع العالم، ليؤكد الكاتب أن موضوع القدس “كان من الممكن ألا يُطرح بتاتاً، لو لم نسأله مباشرةً عن إعلان ترامب. فهو بالتأكيد لم يأتِ إلى الاجتماع بنية التنفيس عن غضبه”.
وعن تفاعل بن سلمان مع مبادرة وفد المجتمعين بالسؤال عن موقف الرياض عن قرار ترامب، يتابع ساتلوف بالقول:” ولكنه لم يتوقف عند هذا الحد. ففي هذا اليوم الذي اعتُبر على نطاق واسع أحد أسوأ الأيام في العلاقات الأمريكية مع العالم العربي على مدى عقود، طرح بن سلمان رؤية مختلفة جداً عن العلاقات السعودية -الأمريكية وإمكانية الشراكة بين السعودية وإسرائيل”.
وتستمر دهشة ساتلوف حول رؤية السعودية لمستقبل علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل قائلا: ” أكد مراراً وتكراراً متانة الشراكة الأمنية بين الطرفين، التي أشار إليها بفخر بأنها الأقدم في المنطقة – وحتى أقدم من تلك القائمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وعن اسرائيل نفسها طرح الأمير فكرة اتسمت بإيجابية غير معهودة. فخلافاً لما اعتدتُ سماعه من القادة السعوديين خلال زياراتي السابقة، لم يذكر الأمير شيئاً عن نزعة إسرائيل التوسعية أو غرور إسرائيل أو إجحاف إسرائيل أو تعدي إسرائيل على حقوق المسلمين في القدس. فهو على العكس تحدث عن المستقبل الواعد الذي ينتظر العلاقات بين السعودية وإسرائيل حالما يتم التوصل إلى السلام، وهو أمر التزم بتحقيقه بالأفعال”.
ويتساءل الكاتب في محاولة لتفسير وتحليل ما قاله بن سلمان لهم حول قضية القدس بالقول: “هل كان الأمير محمد بن سلمان يتفوه بما يريده الجمهور لا أكثر؟ هذا ممكن. حتماً كان وفدنا منبهراً بشخصيته الجذابة وبأقواله، وكنا معجبين بشكل خاص بسعيه إلى “الإسلام المعتدل” وقوله إنه خفض بشكل كبير عدد المتطرفين في المؤسسات الدينية السعودية. وأعطى نسباً محددة لمدى سوء المشكلة قبل عامين، وعن توقعاته بتضاؤل حجمها بعد ثلاث سنوات. وهذا بنظري إقرار صارخ بمسؤولية السعودية عن التعصب الديني، ودليل قوي على التزامها بالتغيير”.
ويختتم ساتلوف مقاله قائلاً: “يبدو أن الذين توقعوا رد فعل كارثي من العرب والمسلمين على الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل – كموجات من التظاهرات المعادية للأمريكيين وأعمال عنف عارمة ضد المواطنين الأمريكيين والمؤسسات والمصالح الأمريكية، فضلاً عن انتهاء النفوذ الأمريكي في المنطقة بشكل نهائي وقاطع – كانوا على خطأ تماماً. فردود فعل حلفاء أمريكا من الدول العربية، وعلى رأسهم السعودية، مهبط الإسلام، كانت في العموم مدروسة بعناية”.
بقلم : إسلام ابو العز
ارسال التعليق