الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
في إطار التحولات الأخيرة، والأنباء المتواترة عن قرب تشكيل حلفٍ على غرار حلف الناتو بين إسرائيل ودول الخليج والدول التي تُعتبر أمريكيًا وإسرائيليًا دولاً عربيّةً سُنيّةً مُعتدلةً، تُواصل مراكز الأبحاث وصنّاع القرار في تل أبيب بسبر غور ظاهرة استمرار الاستقرار في دول الخليج، وعلى رأسها العربيّة السعوديّة.
مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ أعدّ دراسةً طويلةً ومعمقةً عن هذه القضية، وأكّد على أنّه منذ بدء الاضطرابات في العالم العربيّ أنفقت دول الخليج مليارات الدولارات لتشتري السكّان، بدءً من العطايا النقدية للمواطنين ورفع الأجور، وانتهاءً بمشاريع التطوير لنفسها الهدوء، وإيجاد الوظائف. ولفت إلى أنّ المنطق الذي يقف من وراء هذه الإستراتيجية هو منطق بسيط: معظم الناس لا يسارعون إلى عض اليد التي تطعمهم بسخاء كبير إلى هذا الحد، وإذا كان هناك من يفعل ذلك تستخدم معهم القبضة الحديدية، وسرعان ما يشجبون ويقرر بأنّهم إرهابيين أوْ طابورٍ خامسٍ إيرانيٍّ.
وشدّدّت الدراسة على أنّ القول بأنّ الممالك الست في الخليج استثنائية في نجاحها بالنجاة يُقلل من قيمة النجاحات التي حققتها الجمهوريات في الحفاظ على حكمها على مدار السنوات، ويتنصل من خطورة الانتفاضات التي اندلعت في البحرين في إطار الاضطراب الإقليميّ. هذه الانتفاضة، تابعت الدراسة، التي قُمعت سريعًا وبوحشيةٍ، بمساعدة بقية دول الخليج، لها أهمية رمزية بالغة بهذا الخصوص، فمن الممكن فعلاً الافتراض بأنّ مصيرها هو الذي حسم على الأقل لغاية الآن مصير بقية الانتفاضات في الخليج.
مُضافًا إلى ذلك، أكّدت الدراسة على أهمية عوائد النفط الكبيرة والمستخدمة في مصالحة المعارضة الداخلية، وشراء الدعم من الخارج، لكن عائدات النفط لا تحكي كل الحكاية، هناك عوامل أخرى تُسهم في استقرار الأنظمة، ومن بينها الشرعية القائمة على أساس الدين، وعلى التقاليد وكذلك الدعم الخارجيّ الكبير، لكن هذه التفسيرات الأخرى أيضًا تعتمد في نهاية المطاف على النفط وعائداته. ولفتت إلى أنّه من دون النفط ما كانت المساعدات الخارجية لتأتي، ومن دون النفط هناك شك في أنّ الشرعية الثقافيّة كانت لتكفي وحدها لمنع الخلافات داخل العائلات الملكية وبينها وبين القبائل والمؤسسات الدينيّة.
كما أشارت الدراسة إلى أنّ قوة جذب التفسير القائل بأنّ عائدات النفط هي الأكثر إسهامًا في استقرار الممالك في الخليج هي قوة جذب كبيرة، والأمر مفهوم، رغم ذلك عدا عن كونه ليس التفسير الوحيد فهو أيضًا لا ينبئ باستمرار بقاء الممالك الخليجية. وأوضحت أنّه في الماضي سقط حكام مثل القذافي (يجب القول إن المتمردين ليسوا هم من أخضعوا القذافي في نهاية المطاف، وإنما حلف الناتو التي وضع القوات الجوية خاصته تحت تصرف الثوار.) والشاه الإيرانيّ رغم أنّهما تمتعا بثراء النفط، بينما حكام آخرون لا يمتلكون الموارد النفطية مثل ملكي الأردن والمغرب نجحا في البقاء. وبالتالي، أضافت الدراسة، الممالك في الخليج نجت إلى الآن لأنّها تمتلك أدوات بقاء كثيرة أحسنت استخدامها، جميع هذه الأدوات ما تزال فاعلة، لكن ورغم ذلك فهي لا تكفي لضمان الاستقرار في المستقبل أيضًا.
ورأت الدراسة أنّه بالنسبة للزاوية الإسرائيليّة، فإنّ تل أبيب لديها اهتمام كبير في استمرار استقرار ممالك الخليج، من بين كثير من الأسباب من أجل أنْ تكون وزنًا مناقضًا في مواجهة إيران. لنفس السبب، الخوف من إيران، وممالك الخليج لها اهتمام بالعلاقات مع إسرائيل، لذلك فقد كانت هناك تصريحات في الإعلام بأنّ إسرائيل تُقيم علاقاتٍ حقيقيّةٍ مع عددٍ من هذه الدول التي ليس لها معها علاقات دبلوماسيّة.
وتابعت الدراسة: يتمتع الجانبان من فوائد العلاقات السريّة من دون أنْ يضطرا إلى دفع ثمنٍ سياسيٍّ وشعبيٍّ من أجل إقامتها، مُوضحةً إنّ الأنظمة في دول الخليج تخشى من أنّ تثير العلاقات العلنيّة مع إسرائيل غضب الجماهير والمؤسسة الدينية، بينما تخشى إسرائيل أنْ تضطر للقيام بتنازلاتٍ سياسيّةٍ لقاء تحويل هذه العلاقات إلى علاقات علنية. بكلمات أخرى، أكّدت الدراسة الإسرائيليّة،: من المريح لكلٍّ من الطرفين في الوقت الحاضر وضع العلاقات الحالي، وستستمر هذه العلاقات بالازدهار “بعيدًا عن تعقب الرادار” ما استمر الطرفان في تقاسم المخاوف المشتركة، الخوف من إيران ومن التدّخل السلبيّ للجمهوريّة الإسلاميّة في شؤون المنطقة، على حدّ تعبيرها.
وبحسب الدراسة، فإنّه بسبب عوامل الخطر التي تواجهها الأنظمة الملكية: الموارد الطبيعية الآخذة في الانخفاض، والزيادة الطبيعية العالية، لن يكون من الممكن المواصلة لوقتٍ طويلٍ في سياسة الدعم الحالية التي تضمن للمواطنين ميزانيات سخية “منذ الولادة وحتى القبر”. وشدّدّت على أنّ إلغاء الدعم والفساد والإنفاقات غير المسؤولة على مشاريع جنون العظمة والمليارات التي يجمعها أبناء العائلات المالكة من شأنها أنْ تؤدي في نهاية المطاف إلى محاولاتٍ انقلابيّةٍ في بعض الممالك، بل في جميعها.
وأردفت الدراسة أنّه سيكون من الخطأ القول إنّ صمود دول الخليج منذ اندلاع الاضطرابات الإقليميّة يضمن لها الاستقرار طويل الأمد، بل العكس صحيح، تُواجه دول الخليج جيلاً من الشباب المتعلم ذا علاقاتٍ دوليّةٍ، لديه تطلعات اقتصاديّة وسياسيّة كثيرة، ومن أجل الحفاظ على استقرارها ستحتاج هذه الدول إلى الاستجابة لتطلعات هؤلاء الشباب وإيجاد الطرق جديدة لاستيعابهم في أنظمة التأثير.
وخلُصت الدراسة إلى القول إنّه حتى وإنْ كان هناك تعافٍ مؤقتٍ في أسعار النفط فعلى المدى غير البعيد يوشك النفط أنْ يُنهي دوره التاريخيّ على وجه الكرة الأرضية، فاحتياطيات النفط النهائية آخذة في الانخفاض، والإنسانية تستثمر الآن موارد ضخمة لتطور مصادر طاقة بديلة، ودول الخليج أيضًا شرعت بالاستعداد لعهد العالم من دون نفط، لكنّها بالتأكيد ما تزال غيرُ مستعدةٍ لاستقباله.
ارسال التعليق