مصادقة السلطات السعودية على المعاهدات الدولية أدوات تبييض وتلاعب
صادف يوم أمس، السادس والعشرين من شهر حزيران، اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، وهو يتزامن مع دخول الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة حيز التنفيذ. الاتفاقية وقعت عليها "السعودية" منذ العام 1997، كما وفي فبراير 2001، أبلغت الحكومة السعودية لجنة مناهضة التعذيب أن الاتفاقية أصبحت، بموجب التصديق عليها بمرسوم ملكي، تشكل جزءاً من القوانين الوطنية، الأمر الذي يجيز الاستشهاد بأحكامها أمام المحاكم وغيرها من السلطات القضائية والإدارية.
الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان في تقرير لها سلطت الضوء على أن هذا المسار الذي تروج الحكومة إلى أنه أتى في سياق حظر وتجريم التعذيب، إلا أن هذه الممارسة لا تزال في صميم تعامل الهيئات الرسمية المختلفة مع المعتقلين من دون أي خطوات جدية لتطبيق التعهدات الدولية التي اتخذتها السعودية وأبرزها اتفاقية مناهضة التعذيب.
ووفقا لمتابعات المنظمة فإن السعودية تنتهك بشكل صارخ المادة 12 منها التي تنص على أن: “تضمن كل دولة طرف قيام سلطاتها المختصة باجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بان عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب في أى من الاقاليم الخاضعة لولايتها القضائي”، والمادة 15 منها التي تنص على أن: “تضمن كل دولة طرف عدم الإستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب كدليل في أية إجراءات”.
كما يظهر هذان الانتهاكان بشكل واضح في صكوك أحكام أفراد تم الحكم عليهم بالإعدام، حيث يؤكد المتهمون أمام القضاة تعرضهم للتعذيب النفسي والجسدي، وانتزاع اعترافات منهم تحت التعذيب، على الرغم من ذلك يظهر الصك أنه لم يتم التحقيق في هذه المزاعم، وتعقد الجلسات اللاحقة من المحاكمة من دون تحقيق، ومن دون استجابة لطلبات المتهمين التي تتضمن أيضا إحضار تسجيلات مصورة من التحقيق أو تقارير طبية تثبت الإصابات التي نتجت عن التعذيب.
كما تلفت إلى أنه تم إصدار أحكام على متهمين بالقتل، على الرغم من تراجعهم عن أقوال انتزعت تحت التعذيب، حيث تبرز عبارة: “نظرا لرجوعه عن إقراره، وهي شبهة تدرأ بها الحد، فقد درأنا عنه حد الحرابة وقررنا قتله تعزيرا.”ويقصد القضاة بهذه العبارة أنه تم استبدال الحكم الذي من المفترض أنه محدد في الشريعة الإسلامية بحكم آخر يعتمد على تقدير القاضي للعقوبة، بسبب تراجع المتهم عن اعترافاته المنتزعة تحت التعذيب، والتي عادة ما تكون السند الأساسي للحكم.
وإلى جانب قيام السعودية بالترويج إلى أن قوانينها تتوافق مع الاتفاقية وتحظر التعذيب، وأنها تقوم بممارسة تتطابق مع التزاماتها الدولية، فهي تتعمد من خلال أجهزتها الرسمية الترويج إلى مزاعم بالعفو والمعاملة الحسنة مع الأفراد الذين يعمدون إلى تسليم أنفسهم في حال كانوا مطلوبين أمنيين وخاصة من المتهمين بقضايا تتعلق بالمشاركة في احتجاجات والتعبير عن الرأي.
ومنذ بداية الأحداث التي شهدتها السعودية عام 2011 من مظاهرات شهدتها مختلف مناطق الجزيرة وخاصة في الأحساء والقطيف، تذكر المنظمة بما شنّته الحكومة من حملات الترهيب والاعتقال والإعلان عن قوائم مطلوبين معظمهم على خلفية المشاركة في المظاهرات السلمية التي شهدتها منطقة القطيف على وجه الخصوص. أتى ذلك في ظل انعدام الثقة بالنظام القضائي والمعلومات عن تعرض المعتقلين للتعذيب وسوء المعاملة ووفاة بعضهم بسبب ذلك، وبالتالي المخاوف على الحرية والسلامة.
لافتة في تقريرها إلى أن جهات رسمية سعودية حاولت حث المطلوبين أمنيا على القوائم المعلنة أو من تم استدعائهم، على تسليم أنفسهم ووعدت أنه سيتم أخذه بعين الاعتبار، وذلك فيما يخص المعاملة من جهة والتخفيف من الأحكام من جهة أخرى.
دفعت الوعود الرسمية المتكررة من قبل وزارة الداخلية، و"أمير المنطقة الشرقية" التي تضمنت أيضا وعودا بالعفو، وغيرها من الجهات عددا من الشبان المطلوبين أو الذين تم استدعاؤهم إلى تسليم أنفسهم. على الرغم من ذلك، عرض هؤلاء لانتهاكات جسيمة، تضمنت سوء المعاملة والتعذيب والأحكام المطولة التي وصلت في بعض القضايا إلى الإعدام.
وعليه تؤكد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن التعذيب وسوء المعاملة ولاحقا الحكم بالقتل وبأحكام قاسية ضد أفراد عمدوا إلى تسليم أنفسهم ووثقوا بوعود العفو، يبين سبب رئيسي من أسباب انعدام الثقة بالنظام الأمني والقضائي في السعودية. وترى المنظمة أن هذه القضايا تبرز كنماذج لطبيعة تعامل السلطات السعودية مع المعتقلين، وكون التعذيب ممارسة شائعة لا تحد منها لا المعاهدات الدولية ولا الوعود المحلية التي تطلق.
كما ترى المنظمة أن تعامل السعودية مع المعتقلين يؤكد أن المصادقة على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية بقي ضمن سياق غسيل صفحتها أمام المجتمع الدولي، ولم ينفع في حماية الأفراد من التعذيب.
وتشير في ختام تقريرها إلى أنه في اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، فإنه لا يمكن تجاهل أكثر من 70 شخصا يواجهون عقوبة القتل في السعودية بعد تعرضهم لمظلة واسعة من الانتهاكات التي تعد ضربا من ضروب التعذيب. وتشدد المنظمة على أن النظام القضائي في السعودية فشل في تنفيذ توصيات وبنود الاتفاقيات الدولية التي تجرّم التعذيب من جهة، كما أن ممارساته المتكررة دفعت إلى انعدام الثقة في آلياته المختلفة وفي جدواه.
ارسال التعليق