معارضة سعودية مخاطبة البريطانيين:بن سلمان ديكتاتور بلباس اصلاحي
قالت المعارضة السعودية مضاوي الرشيد في مقال لها على موقع «ميدل إيست آي» إنّ ادعاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تبنيه الإسلام المعتدل يخفي وراءه أجندة فاشية نتج عنها سجن المئات من المعارضين بزعم أنهم متشدّدون.
وأوضحت أن الجدل حول زيارة ابن سلمان إلى بريطانيا الشهر المقبل هو انعكاس للخلافات بين الجماهير البريطانية التي تتوق إلى الحفاظ على سياسة خارجية أخلاقية والحكومات البريطانية المتعاقبة التي تتجاهل ذلك.
باستثناء الديمقراطيين الليبراليين، فإن الأحزاب السياسية الرئيسية كانت دائماً تعتز بعلاقات وثيقة مع معظم القادة الاستبداديين في العالم العربي، على الرغم من أن ذلك بدا أنه تغير في ظل زعيم حزب العمل جيريمي كوربين الذي دعا إلى إنهاء مبيعات الأسلحة إلى السعودية.
وفي الآونة الأخيرة، مع الاقتصاد الهشّ وحنين عميق للإمبراطورية لم يتلاشَ بعد بين النخبة الحاكمة، أعلنت رئيسة الوزراء تيريزا ماي عزمها استقبال ولي العهد السعودي وسط احتجاجات صاخبة من مجموعة واسعة من منظمات المجتمع المدنيّ البريطانية.
ولعلّها تأمل أن يتمّ طرح الاكتتاب العام الأوليّ بنسبة 5 في المئة من شركة «أرامكو» السعودية للنفط في لندن. وإذا حدث ذلك هذا العام، فإنّه سيشكّل ثروة للمؤسسات المالية والخدمية، وقبل كل شيء البنوك والاستشاريين والمحامين.
تجاهل تام للأيديولوجيا والقيم
كقاعدة عامة، مع استثناءات قليلة، كان جميع الحكّام الاستبداديين تقريباً موضع ترحيب في لندن. إذ لا تعتمد السياسة الخارجية البريطانية على الأيديولوجية ولا القيم. تخبرنا الحكمة البريطانية الشائعة أن إشراك الديكتاتوريين أفضل وأكثر إنتاجية من نبذهم.
ولكن لا يمكن أن نتوقّع من الحكومات البريطانية مقاطعة جميع الديكتاتوريين لأنها بذلك ستقاطع العالم أجمع، خصوصاً العالم العربي. لكن لعدّة أسباب، لا ينبغي للحكومة البريطانية أنّ تستمر في تجاهل الأصوات الناقدة عند بسط السجّادة الحمراء لزيارة ولي العهد.
تقدّم بريطانيا للمملكة مجموعة من الطائرات النفّاثة وتكنولوجيا المراقبة والتدريب العسكري، وكلّها تم استخدامها في زعزعة استقرار العالم العربي تحت قيادة محمد بن سلمان.
خنقت التدخلات العسكرية السعودية حركة مؤيدة للديمقراطية في البحرين ودمّرت كليّاً بلداً فقيراً آخر، وهو اليمن. في البحرين، المستعمرة البريطانية السابقة وهي الآن تحت جناح المملكة، لا يستطيع العاهل المحلي حمد بن عيسى آل خليفة الحكم إلّا بالاعتقال والقمع. وقد نجح التدخّل السعودي المباشر منذ عام 2011 في خلق جزيرة مضطربة على وشك الانهيار.
أمّا في اليمن، فقد تسبّبت الغارات الجويّة السعودية منذ عام 2015 في أزمة إنسانية خطيرة. وفي ظلّ التدخّل العسكري السعودي ـ الإماراتي، أصبح اليمن الآن أكثر تقسيماً، حيث تزداد الحركات الانفصالية في الشمال والجنوب قوّة، وينشط أتباع القاعدة تحت أنف القوى الإقليمية، وتنتشر ميليشيات جديدة غير منضبطة في كل مكان.
وفي الآونة الأخيرة، قامت إحدى هذه الحركات الانفصالية بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة، الشريك السعودي الآخر في هذه الحرب، بمهاجمة عدن، العاصمة المؤقتة للرئيس اليمني المنفيّ عبد ربه منصور هادي، ممّا أدّى إلى تآكل سلطة الحكومة التي لا توجد الآن إلّا على الورق.
وفي حين أن الأسلحة البريطانية ليست الوحيدة التي يستخدمها السعوديون، توفّر بريطانيا عدداً كبيراً من الطائرات النفّاثة التي يتمّ استخدامها في اليمن. فهل ستحاسب بريطانيا على بيع الأدوات التي دمّرت واحداً من أفقر البلدان العربية؟ هل يمكن مقاضاة بريطانيا أمام محكمة العدل الدولية لإسهامها في حرب مدمّرة يقودها ولي العهد السعودي بحجّة دعم الحكومة المركزيّة اليمنية ضدّ الحركات الانفصالية؟
حتى الآن، لا يبدو ذلك. وتحت ضغط من العديد من المنظّمات غير الحكومية المناهضة للحرب ومكافحة التسلّح، برأت محكمة بريطانية الحكومة من أي خطأ. غير أن الجدل مستمر وسيؤدي حتماً إلى احتجاج ضخم عندما يصل الأمير إلى لندن الشهر المقبل.
ديكتاتورية سعودية جديدة
يجب على الحكومة البريطانية أن تكون حذرة من الاستبداد السعودي الجديد الذي يرتدي ثوب الليبرالية. إن السماح للمرأة بقيادة السيارة، والترويج للرقص في الشوارع، والحدّ من سلطات الشرطة الدينية، تبدو خطوات واعدة. ومع ذلك، فإن محمد بن سلمان ليس مصلحاً دينياً أو اقتصادياً أو سياسياً.
إن احتضان ولي العهد للإسلام المعتدل يخفي أجندة خبيثة أدت حتى الآن إلى حبس مئات من الأبرياء الذين يطلق عليهم اسم الإسلاميين الراديكاليين أو ببساطة ينتقدون خططه الباهرة لهجر الماضي وتغيير وجه المملكة. من الناحية الاقتصادية، غالباً ما يرسم الأمير نفسه على أنه فارس النيوليبرالية ومؤمن بالتجارة الحرّة، وقد وعد بإحداث ثورة في اقتصاد الدولة الرأسمالي الذي لا يزال يعتمد على النفط، ويتكبّل بالفساد والمحسوبية.
ولكن في الحقيقة، إنه شعبوي، وعلى استعداد للّعب ببطاقة الوطنية وكره الأجانب لتأمين شعبية بين الشباب المحرومين والعاطلين عن العمل. ويشير التاريخ إلى أن استرضاء مثل هذه الفئة يأتي بسعر مرتفع.
خدعة محاربة الفساد
كان الغرض من حملته الأخيرة لمكافحة الفساد إقصاء منافسيه والاستيلاء على الأموال المنهوبة من أصحاب المشاريع التجارية الغنية مثل الوليد بن طلال وصالح كامل ووليد الإبراهيم وآخرين. جمع معتقلو فندق «ريتز كارلتون» الثروة على مدى عدّة عقود لمجرد علاقاتهم مع ملوك سابقين. وكانوا أصحاب نفوذ وعلى هذا النحو فقد مثلوا النظام المالي القديم.
تحت ستار مكافحة الفساد، وجد محمد بن سلمان وصفة مثالية وسريعة لملء خزائنه. مثّل احتجاز الأمراء والأثرياء في فندق «ريتز كارلتون» عدّة أشهر، أثناء التفاوض على صفقات سريّة، ثم الإفراج عن العديد منهم وليس كلّهم، استراتيجية غير عادية على أقل تقدير.
ومن المؤكّد أن هذه ليست الطريقة الأمثل لمحاربة الفساد، وطمأنة المستثمرين الأجانب، أو الشروع في إصلاحات اقتصادية طويلة الأمد. بل هو تطهير أو انقلاب جريء من قبل شخص لديه الآن كامل القوة في يده وليست لديه أي مبادئ أخلاقية وقانونية أو حتى دينية.
هدفت مسرحية «ريتز كارلتون» إلى تضخيم قوة أمير شاب قرّر بالفعل أن يكون ملكاً بلا منازع للدولة السعودية، بدلاً من أن يكون مجرّد شخصية هامشية، مثلما اعتاد الملوك السابقون دفع الناس إلى الاعتقاد. ولكن مع محمد بن سلمان، دخلت المملكة العربية السعودية مرحلة السلطة المطلقة.
ولكن لماذا يجب أن تقلق الحكومة البريطانية من هذه الأساليب الملتوية لمصادرة الثروة، والقضاء على المنافسين وممارسة السلطة؟ ألّا ينبغي أن تكون هذه مسألة داخلية محضة في السعودية؟
حسناً، المشكلة لا تخصّ السعودية فقط. فقد كشف فيلم وثائقي حديث لهيئة الإذاعة البريطانية عن مدى تورّط المسؤولين والشخصيات البريطانية في فضائح الفساد السعودية. وبالنسبة إلى العديد من المشاهدين البريطانيين، لم يكن مدهشاً معرفة أن العائلة المالكة السعودية فاسدة. لكنهم صدموا عندما علموا كيف تتورّط الحكومات البريطانية المتعاقبة في فساد هؤلاء الأمراء.
في بريطانيا، فشلت الحكومة الديمقراطية، والثقافة السياسية الشفافة، وحكم القانون في كشف درجة تورّط المؤسسة البريطانية في صفقات فاسدة مع النظام السعودي. وقد كشف الفيلم الوثائقي عن مدى استعداد المسؤولين البريطانيين لحماية السعودية من سيادة القانون.
وكان آخر مثال هو قرار رئيس الوزراء السابق توني بلير بوقف التحقيق الخاص في صفقة اليمامة سيئة السمعة في عام 2008. وفي عام 2013، تم التوصّل إلى اتفاق سريع بين بريطانيا والسعودية لتبادل السجناء الموقوفين مباشرة بعد أن قتل أمير خادمه في فندق في لندن. وُضع الأمير على متن طائرة وأرسل إلى الرياض لقضاء عقوبة بالسجن مدى الحياة، ولعلّه يستمتع بحياة فارهة في فيلا سريّة.
التكتّم على فضائح السعودية
ربما يكون المسؤولون البريطانيون قد نجحوا في إخفاء دورهم في الفضائح السعودية ولكن إلى متى يمكن أن يحافظوا على صمتهم؟ لا شكّ أن الزيارة المتوقّعة من ولي العهد السعودي ستفتح ملفّات واستفسارات جديدة. والمجتمع المدني البريطاني مصمّم على عدم السماح لهذا الحدث بالمرور دون تسجيل أهداف ضدّ حكومة تجاهلت القيم التي تدعي أنّها تعتز بها.
بدعمها بشكل مطلق لأنظمة مثل النظام السعودي، تفقد بريطانيا الأرض الأخلاقية. لماذا يجب على أي شخص الاستماع عندما يتباهى السياسيون البريطانيون بما يسمّى القيم عندما يتعلّق الأمر بالمهاجرين الجدد؟ إن هذا يثبت نفاق الحكومة البريطانية وتواطؤها. فما يسمّى بالقيم البريطانية قد أصبح حديثاً مبتذلاً.
في الواقع، لقد هرب العديد من المهاجرين من بلادهم لأن الحكومة البريطانية وغيرها من الدول الغربية دعمت باستمرار الاستبداديين الذين أدّى عنفهم وفسادهم إلى بحر من اللاجئين نحو أوروبا وبريطانيا.
يولد قمع محمد بن سلمان بالفعل موجة جديدة من المنشقين الذين يسعون إلى المنفى. وشمل ذلك عدداً من الناشطين والأقليّات الدينية والأميرات والطلاب الذين تقدّموا بطلب لجوء في بريطانيا. وقد انضم السعوديون الذين فرّوا مؤخراً من قمع ابن سلمان إلى المنشقين السعوديين القدامى الذين وصلوا إلى لندن في التسعينيات.
إنّ موجة جديدة من النساء السعوديات الهاربات اللاتي يتقدّمن بطلب اللجوء بسبب اضطهادهن أو إرغامهن على الزواج أو منعهن من أن يعشن حياتهن كما يخترن تحدث تحت أنف محمد بن سلمان وجدول أعماله الإصلاحي. وإذا كانت الدولة عاجزة عن حماية النساء المعتدى عليهن، فمن يستطيع؟
إذا تمكّنت جميع الأصوات الناقدة من الحشد لمظاهرة ضخمة، سيكون من الصعب على رئيسة الوزراء تيريزا ماي إقناع جمهورها بأن هناك مزايا في التعامل مع المستبدين.
ولعلّه يجب عليها إثارة بعض الضجيج حول مزايا نظام سياسي سعودي شفّاف وسيادة القانون قبل التوقيع على صفقات مربحة في المستقبل مع السعودية. ويجب على الأقل أن تعيد قراءة رواية جورج أورويل «إطلاق النار على فيل» كي تفهم أنه عندما تدعم امرأة بيضاء الطغاة، فإنها تدمر حريتها.
لذا يجب على المعارضين لفكرة ترامب التصرف بحكمة ـ يضيف فريدلاند ـ فتنظيم مظاهرات مضادة سيُنظر إليها على أنها خيانة للجيش، وليس اعتراضاً على تصرّفات القائد الأعلى للقوات المسلّحة، ولكن ثمة مخرج من هذه المشكلة.
فإذا كان هدف ترامب من العرض العسكري هو التباهي بقوته في الشارع، يرى فريدلاند أنه يمكن للمعارضة فعل الأمر نفسه إذ يمكنها تنظيم عرض ساخر من الرجل الحالم بدولة ديكتاتورية. ويقترح فريدلاند على المعارضة السخرية من هيئة ترامب بحمل دمية ضخمة له ذات يدين صغيرتين للغاية.
ارسال التعليق