من الإقالات إلى التصفية.. مجزرة الأمراء تُمهد لتنصيب «بن سلمان»
أحداث متسارعة شهدتها السعودية خلال الساعات الماضية، إقالات وتوقيفات ومصادرة أموال كبار الوزراء والأمراء ورجال الأعمال، الأمر الذي أحدث زلزالًا سياسيًا واقتصاديًا ليس في المملكة فحسب، بل في العديد من دول العالم، فيما يبدو أن المملكة تتجه نحو تصعيد سياستها تجاه المناكفين لولي العهد، محمد بن سلمان، الأمر الذي قد يدفعها إلى اللجوء لسياسة الاغتيالات.
اغتيالات سياسية
إثر تحطم مروحية كانت تقلهم من محافظة البرك جنوب غرب البلاد، مات نائب أمير منطقة عسير السعودية، الأمير منصور بن مقرن، ووكيل الإمارة سلمان الجريش، وأمين المنطقة صالح بن عبدالله القاضي، ومدير فرع الزراعة في عسير فهد الفرطيش، وعدد من المسؤولين الآخرين، مساء أمس الأحد.
وقالت وزارة الداخلية السعودية، إن الأمير منصور بن مقرن، خرج على متن مروحية أقلته بصحبه عدد من المسؤولين في جولة تفقدية لعدد من المشاريع الساحلية في محافظة البرك، وخلال عودته إلى عسير فقد الاتصال بالطائرة في محيط محمية ريدة، ولم توضح الوزارة سبب سقوط الطائرة أو ملابسات الحادث، حتى أنها لم تؤكد فتح تحقيق لمعرفة ما حدث.
فيما أشار عدد من السياسيين والنشطاء السعوديين إلى أن “بن مقرن” تمت تصفيته مع عدد من المسؤولين، وأنه وقع ضحية مؤامرة حاكها محمد بن سلمان ضده، مؤكدين أن الطائرة تم إسقاطها بواسطة أخرى حربية، بعدما قرر الأمير الهروب من السعودية غداة اعتقال عدد كبير من الأمراء بتهم تتعلق بالفساد.
والأمير منصور، أحد أبناء ولي العهد الأسبق، ونائب رئيس مجلس الوزراء في السعودية، مقرن بن عبد العزيز، الذي عزله الملك سلمان من ولاية العهد فور تنصيبه ملكًا على البلاد، وتعيين محمد بن نايف، بدلًا منه، ليتم الإطاحة بالأخير لاحقًا من منصب ولي العهد لتعيين محمد بن سلمان.
وفي سياق متصل، تداول نشطاء سعوديين أنباء اليوم الاثنين، عن وفاة الأمير عبد العزيز بن فهد، إثر تبادل لإطلاق النار مع قوات سعودية تابعة لولي العهد أثناء محاولة اعتقاله أمس الأحد، وقيل إنه سجل مقطعا قبل وفاته بأشهر يتوقع فيه اغتياله من قبل أحد الأمراء وأبناء عمه، فيما سبق أن غرد الأمير السعودي، عبد العزيز بن فهد آل سعود، على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” في سبتمبر الماضي، متحدثا عن أدائه فريضة الحج واستعداده للسفر، مشيرًا إلى أن حياته مهددة وقد لا يتمكن من السفر فيما لو تم اغتياله من قبل جهة لم يسمها حينها.
والأمير عبد العزيز بن فهد، أصغر أبناء العاهل السعودي الراحل، فهد بن عبد العزيز، وشغل سابقًا منصب وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، ورئيس ديوان مجلس الوزراء، لكن خلال الأشهر القليلة الماضية، أثار الأمير السعودي جدلًا على خلفية موقفه من الأزمة مع قطر، وهجومه اللاذع على ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، الحليف الأقرب للسعودية حاليًا، الأمر الذي دفع السلطات السعودية إلى اعتقاله في سبتمبر الماضي، بعدما داهمت قوة تابعة لولي العهد محمد بن سلمان قصره في جدة، وتم نقله لجهة غير معلومة، لكن العديد من المصادر ذكرت أنه تم إطلاق سراحه فيما بعد.
السقوط المفاجئ والغامض لطائرة “بن مقرن”، ومقتل عبد العزيز بن فهد والتعتيم الإعلامي السعودي على الحادثين، فتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول اتجاه ولى العهد إلى سياسة التصفيه والاغتيالات كسبيل للتخلص من بعض خصومة السياسيين، خاصة أن الحادثين جاءوا بعد ساعات قليلة من حملة تطهير وتصفية غير مسبوقة قادها الملك سلمان بن عبد العزيز، في محاولة لتسريع وصول ابنه محمد إلى عرش المملكة، وهو الإجراء الذي أكد مراقبون أنه كان من المفترض إتمامه منذ أشهر طويلة، لكنه تأخر نظرًا لكثرة المعارضين لتولي “بن سلمان” عرش البلاد بسبب تهوره السياسي واتباعه سياسة عنجهية ستودي بالمملكة وربما بالمنطقة الخليجية بالكامل إلى الهلاك الاقتصادي والسياسي قريبًا.
متعب بن عبدالله.. إزاحة العقبة الأخيرة
يعتبر الأمير متعب آخر العقبات أمام وصول محمد بن سلمان إلى العرش، فمنذ اعتلاء الملك سلمان بن عبد العزيز عرش السعودية في عام 2015، وبداية تعزيز ابنه قبضته السياسية على المملكة ومفاصل الدولة، كان لزامًا الإطاحة بجميع الأمراء والمسؤولين التابعين للملوك السابقين، وكانت البداية بالانقلاب على ولي العهد الأسبق، مقرن بن عبد العزيز، ومن ثم الانقلاب على ولي العهد الذي تلاه، محمد بن نايف، وما بين الانقلابين، حدثت العديد من التغييرات التي تم خلالها إقالة المنافسين وحلفاء الجناح السديري، ليبقي نجل الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، العقبة الأخيرة والكبيرة في طريق المد السليماني.
وفي السياق، علق المغرد السعودي الشهير “مجتهد” على إزاحة الأمير متعب، قائلا إنه بعد إقالة “بن نايف” وتحويل كل القوات المسلحة في الداخلية لسلطة “بن سلمان” مباشرة، لم يبق من القوات المسلحة خارج سلطة بن سلمان إلا الحرس الوطني، وتابع: وقبل أن يتحمس بن سلمان لإقالة متعب، أعاد ترتيب جهاز المباحث بعد أن صار اسمه جهاز أمن الدولة حتى تنتهي أي علاقة للجهاز بالولاءات السابقة، وأوضح مجتهد أن “بن سلمان” حاول إقناع متعب بالتخلي عن الحرس، فرفض وحذر ولي العهد من التهور بقرار مثل هذا.
ولجأ الأمير متعب إلى حماية نفسه ومنصبه من بطش “بن سلمان”، من خلال الاحتماء بعمه أحمد بن عبد العزيز، وبالفعل نجح في انتزاع وعد بدعمه، حيث كان العم حينها ضامنًا لتأييد عدد كبير من العائلة، معتقدًا أنهم سيقفون معه لو هب لنجدة متعب، وهنا أرسل شقيق الملك الراحل رسالة غير مباشرة لـ”بن سلمان” بعدم التهور وإقالة متعب، وهو التحذير الذي تسبب في تأخير قرار الإزاحة الأخير.
التف “بن سلمان” على تحذيرات أحمد بن عبد العزيز؛ حيث أصدر أوامر بمنع أي شخص من التردد عليه، وحذر بأن مَن يتداول معه أي ترتيب يعرض نفسه للخطر، الأمر الذي جعل العم يقبع تحت ما يشبه الإقامة الجبرية، ما أفسح الطريق لولي العهد “بن سلمان” لإزاحة متعب دون عناء.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق