هذه أبرز إخفاقات ابن سلمان الاقتصادية في ٣ أعوام من ولايته
التغيير
ربط محمد ابن سلمان مستقبله السياسي بخطط ومشاريع رؤية ٢٠٣٠ للمملكة، رغم الصعوبات الاقتصادية والتحديات التي تواجه تحقيقها على أرض الواقع.
وكان ابن سلمان قبل تعيينه وليا للعهد، يرأس أيضا مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي وضع مشروع "رؤية ٢٠٣٠" ووافق عليها مجلس الوزراء في ٢٥ نيسان/إبريل ٢٠١٦، والمعروفة إعلاميا بـ "رؤية ابن سلمان" أو "رؤية المملكة"، وحظيت باهتمام واسع من قبل وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية.
وجاءت الرؤية، التي نشرتها وكالة الأنباء التابعة لنظام آل سعود "واس" بعد الموافقة عليها، في ٨٠ صفحة، وتم اعتمادها كمرجعية للقرارات والاتفاقيات والمشاريع الجديدة، للتأكد من مواءمتها المستقبلية مع ما تضمنته من محاور عدة أبرزها اقتصاد مزدهر، عبر تنويع الاقتصاد، ورفع نسبة المحتوى المحلي في قطاع النفط والغاز من 40 بالمئة إلى 75 بالمئة، ورفع قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي السعودي، الذي تأسس في عام 2008) من 600 مليار ريال سعودي إلى ما يزيد على ٧ تريليونات ريال سعودي (٢.٥ تريليون دولار).
ومن بين مستهدفات الرؤية أيضا توفير فرص عمل للمواطنين وخفض معدل البطالة من ١١.٦ بالمئة إلى ٧.٦ بالمئة، وتنمية البنية التحتية الرقمية، ورفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي من ٢٠ بالمئة إلى 35 بالمئة، والانتقال من المركز الـ25 في مؤشر التنافسية العالمي إلى أحد المراكز العشر الأولى، بالإضافة إلى رفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من إجمالي الناتج المحلي من ٣.٨ بالمئة إلى المعدل العالمي (٥.٧ بالمئة)، والوصول بمساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي من 40 بالمئة إلى 65 بالمئة.
كما تستهدف الرؤية أيضا رفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16 بالمئة إلى 50 بالمئة على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وزيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 مليارا إلى تريليون ريال سنويا، والوصول من المركز الـ 80 إلى المركز الـ 20 في مؤشر فاعلية الحكومة، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22 بالمئة إلى 30 بالمئة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد نحو ٤ سنوات من تدشين رؤية المملكة، و٣ سنوات من تولي ابن سلمان ولاية العهد: ماذا تحقق من هذه الرؤية؟
"نفخ الصندوق"
كشف مسح أجرته وسائل إعلامية، قيام سلطات آل سعود على مدار العامين الماضيين بعمليات "نفخ" لتضخيم حجم الصندوق السيادي كي يتوافق مع رؤية ابن سلمان.
ورغم محاولات آل سعود لتضخيم حجم الصندوق السيادي، إلا أنها فشلت في الوصول للحجم المستهدف، حيث بلغ حجم أصول الصندوق السعودي، في أيار/مايو الماضي، 360 مليار دولار، وفقا لبيانات معهد صناديق الثروة السيادية حول العالم. وكان من المفترض أن يبلغ حجم الصندوق في هذا العام ما بين 600 و700 مليار دولار على طريق بلوغه في عام 2030 أكثر من تريليوني دولار.
ففي أيار/مايو الماضي، حولت حكومة آل سعود، خلال شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل، بشكل استثنائي، 40 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) إلى الصندوق السيادي، بحسب تصريح لوزير المالية السعودي محمد الجدعان.
وقالت مؤسسة النقد السعودي (البنك المركزي)، في نيسان/أبريل، إن احتياطيات البنك المركزي السعودي الخارجية انخفضت في مارس/ آذار، بأسرع معدل لها في 20 عاما على الأقل، وإلى أدنى مستوياتها منذ عام 2011، في حين شهدت ميزانية المملكة عجزا بقيمة 9 مليارات دولار، في الربع الأول من العام، في ظل انهيار عائدات النفط.
وتوقعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني أن يتسع العجز المالي السعودي، إلى أكثر من 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، خلال العام الجاري 2020، وأكثر من 8 في المئة في عام 2021، وذلك مقارنة بـ 4.5 في المئة شهدها عام 2019.
وفي أيلول/ سبتمبر 2018، اقترض الصندوق السيادي السعودي للمرة الأولي 11 مليار دولار، ثم اقترض مرة أخرى 10 مليارات دولار في تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٩.
وفي أواخر 2019 قامت سلطات آل سعود ببيع ١.٥ بالمئة من أسهم شركة النفط "أرامكو" في بورصة آل سعود بنحو ٢٥ مليار دولار، بعد تعثر خطط بيع ٥ بالمئة من أسهم الشركة في الأسواق الدولية بقيمة ١٠٠ مليار دولار كان يفترض بحسب الخطة توجيهها إلى الصندوق السيادي السعودي.
والثلاثاء الماضي أتم الصندوق السعودي صفقة بيع حصته البالغة 70 بالمئة في الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" إلى شركة أرامكو مقابل 69.١ مليار دولار (وهو سعر يفوق بحوالي 20 مليار دولار قيمة سابك الحالية في السوق بعد تراجع أسعار النفط).
يشار إلى أن العديد من الاستثمارات الخارجية التي انخرط فيها الصندوق السعودي شهدت خسائر كبيرة، أبرزها استثماراته بصندوق رؤية التابع لمجموعة "سوفت بنك اليابانية"، الذي خسر ١٨ مليار دولار بنهاية آذار/مارس، ويمتلك فيه الصندوق السعودي حصة الأسد.
وكان محمد بن سلمان، اتخذ قرار المضي باستثمار 45 مليار دولار في الصندوق الياباني، البالغ حجمه 100 مليار دولار، خلال اجتماع مع رئيس المجموعة التنفيذي، ماسايوشي سون، لم يستغرق سوى 45 دقيقة، بحسب تصريحات للأخير، عام 2017.
كما دخل الصندوق السعودي أيضا في استثمارات خارجية بقيمة تقدر بنحو ٩.٨ مليارات دولار، في شركات منكوبة، وعوائدها الاستثمارية غير مضمونة على الإطلاق.
"وضع متخبط"
وفيما يتعلق بباق الأسس التي تقوم عليها الرؤية قال الصحفي البريطاني، بول كوكرين، في تقرير نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، وترجمته "عربي٢١" إن الاقتصاد السعودي في وضع متخبط بدلا من انتعاشه. ولا تزال نسبة البطالة مرتفعة، حوالي 12 بالمئة فيما نما الاقتصاد بنسبة 0.3بالمئة في عام 2019.
وبلغت نسبة النمو في القطاع غير النفطي 3.3 بالمئة وهو أقوى أداء منذ عام 2014، حسب أرقام السلطة العامة للإحصاءات إلا أن انخفاض أسعار النفط ووباء كورونا سيوقفان هذه الإنجازات التي تحققت.
وتتوقع وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تباطؤا في القطاع غير النفطي لهذا العام بنسبة 4%. وهذه أخبار سيئة لعمليات تنويع الاقتصاد. وضربت ثلاثة قطاعات وهي التجزئة والنقل والإنشاءات التي تشكل نسبة 60% من القطاع الخاص حسب سلطة النقد السعودي "سما" بسبب الوباء والإغلاق العام.
وأضاف كوكرين: "ضرب الوباء أيضا وبقوة أهم قطاع في التنويع الاقتصادي وهي السياحة التي كان من المتوقع أن تجذب مليونا ونصف مليون سائح في العام غير الحج والعمرة"، مشيرا إلى أن خطط التنويع الاقتصادي تعرضت أيضا لعدد من النكسات الأخرى منها اكتتاب حصص من شركة أرامكو التي كان من المتوقع أن تولد 100 مليار دولار عند وضع نسبة 5 بالمئة من أسهمها. ولكن الاكتتاب كان محليا حيث تم طرح ١.٥ بالمئة من أسهم الشركة في السوق المالي السعودي وأدت لتوليد 26.5 مليار دولار.
وقال ديفيد ويفينغ من رويال هوليوي بجامعة لندن، بحسب "ميدل إيست آي" إن "اكتتاب أسهم أرامكو كانت مركزية للحصول على أطنان من السيولة النقدية واستخدامها في مشاريع التنويع ولكن لم يكن هناك اهتمام (أجنبي)". كما أن الإصلاح البنيوي الذي تم كجزء من الرؤية لم يكن كافيا لاجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر والذي لم تزد نسبته عن 1% بالمئة من الناتج المحلي العام بحسب المعهد الدولي للتمويل.
وقال الخبير الإقتصادي في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غبريس إراديان، "تحتاج جهود التنويع إلى الكثير من الاستثمار الأجنبي المباشر. ولم يحدث هذا خلال السنوات الثلاث الماضية. ولا تزال الإصلاحات البنيوية صارمة وبحاجة لتحسين من أجل جذب الاستثمار الأجنبي المباشر". إلا أن اجتذاب الأجنبي قد يكون صعبا في ظل تراجع أرباح أرامكو بعد حرب الأسعار التي شنتها الرياض في آذار/مارس.
"تعثر نيوم"
وتوقع اقتصاديون ومراقبون تعثر المشاريع الكبيرة لرؤية ٢٠٣٠، والتي يأتي على رأسها مشروع إنشاء مدينة "نيوم"، بسبب أزمة السيولة التي تواجهها مملكة آل سعود على خلفية تراجع إيرادات النفط، وتداعيات أزمة كورونا.
وقال الكاتب أرمين أرفي، في مقال نشرته مجلة "لوبوان" الفرنسية، وترجمته "عربي٢١"، إنه بدون الأموال الأجنبية، فإن أحلام محمد بن سلمان، الملقب بـ(MBS)، للتحديث القسري تواجه خطر التحول إلى كابوس.
وتوقع الكاتب أن يضاف مشروع "نيوم" قريبا إلى قائمة الإخفاقات الطويلة لابن سلمان، في ظل عدم وصول مليارات الاستثمارات المأمولة حتى الآن، مما يجبر الدولة على الاعتماد على صندوقها السيادي القوي لتمويل المراحل الأولى من المشروع.
وقالت صحيفة "التلغراف" البريطانية، في تقرير نشرته وترجمته "عربي٢١"، إن أحلام إقامة مشاريع عملاقة مثل المدينة الكبيرة "نيوم" على شاطئ البحر الأحمر باتت محطمة، وكذا رؤية 2030، والتي كان يأمل ابن سلمان أن تكون جوهرة "إنجازاته".
نشرت صحيفة "صاندي تايمز" تقريرا لمراسلة شؤون الشرق الأوسط، لويز كالاغان، بعنوان"الفترة الذهبية لمملكة آل سعود تتلاشى وسط انهيار أسعار النفط ووباء فيروس كورونا" قالت فيه إن مدينة نيوم تبدو وكأنها قصة من قصص الخيال العلمي، ولا يبدو أنها ستجهز قريبا.
وتابعت أنها (المدينة) تغطي مساحة تعدل مساحة بلجيكا، وستحصل على نورها في الليل من قمر صناعي عملاق وسيعيش فيها مليون شخص يعملون في "مراكز إبداع" تقيمها شركات سيلكون فالي العملاقة.
وقالت كالاغان، في التقرير الذي ترجمته "عربي٢١"، إن العمل على مشروع مدينة نيوم شهد تباطؤا وبات مستقبلها غير واضح.
ونقلت تقارير عن متعهد يعمل في نيوم قوله إنه خفض ساعات العمل لفريقه بمعدل النصف فيما كشفت صور فضائية عن مجموعة قليلة من القصور ومهابط الطائرات. ونقلت الصحيفة عن علي الشهابي المقيم في واشنطن قوله: "كل هذه المشاريع سيتم تأخيرها، لم تتوقف ولكنها تستمر بوتيرة بطيئة".
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في تقرير أعدته الكاتبة "فيفيان يي" إن مملكة آل سعود تواجه أصعب وقت في عهد محمد بن سلمان، مؤكدة أن الأخير لم يعط مؤشرا على اختزال خطط بعينها، بل صرح وزير ماليته محمد الجدعان لموقع بلومبيرغ، بأن بعض المشاريع مثل نيوم قد تتأخر.
وأشارت الصحيفة إلى أن حياة السعوديين باتت اليوم أصعب مما كانت عليه من قبل. فبعد أن هبطت أسعار النفط في عام 2014، قطعت الحكومة بعض الدعم على السلع، وفي عام 2018 أدخلت ضريبة القيمة المضافة، إعدادا للسعوديين لكي يستقبلوا اليوم الذي سيعتمدون فيه على الدخل من العمل في القطاع الخاص وليس من الهبات النفطية.
ولكن من خلال رفع الضريبة إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، تُسرِّع مملكة آل سعود من عملية الانتقال بعيدا عن الدولة الرعوية، كما يقول المعلق السعودي علي الشهابي، مضيفاً أن الرواتب السخية التي يتقاضاها العاملون في وظائف مستقرة داخل القطاع الحكومي سوف تخفف من وطأة هذا الارتفاع ناهيك عن أن الناس تنفق أقل بكثير الآن بسبب وباء فيروس كورونا.
إلا أن خبراء آخرين اعتبروا الخطوة ضارة، إذ بدلا من مساعدة المشاريع التجارية والمستهلكين على تنشيط الاقتصاد، فقد اختارت الحكومة تحميل عبء التقشف على كواهل الناس الأقل قدرة على تحمله.
ارسال التعليق