هكذا خسرت السلطات #السعودية ثقة الشعب
عادةً، وفي المسار الطبيعي لتولّي الحكم، أول ما تسعى الحكومات لتحقيقه هو نيل ثقة الشعب، ويُعدّ فقدان ثقة الشعب نقطة سوداء في سجلّ أي سلطة.
في السعودية، تتضاعف المشكلة ويتوسّع السواد، فالمشكلة لا تقتصر على فقدان الحكومة لثقة المواطنين، بل الأزمة الكبرى تتمثّل بعدم اكتراث السلطات لأمر الشعب، هذه اللامبالاة تظهر على أكثر من صعيد، وتؤدي بشكلٍ مستمر إلى تزعزع ثقة الشعب بالحكومة.
بين عامي 2014 و2016 رفعت الحكومة نسبة الضرائب، وبشكلٍ خاص الضريبة على القيمة المضافة، وبحسب وعود المسؤولين حينها فإن ذاك الارتفاع هو ارتفاعٌ موقت وستعود الضرائب لقيمتها السابقة بعد تخطّي الأزمة الاقتصادية المشتدّة حينها. على مدى أعوام بقيت الضرائب مرتفعة، وجاءت جائحة كورونا مع ما رافقها من أزمات اقتصادية عالمية لتفاقم الوضع لترتفع الضريبة من 5% إلى 15% منتصف العام 2020، وهي ثابتة على هذه النسبة المرتفعة حتى اليوم، على الرغم من الانتعاش الذي حصل في الميزانية عام 2022. ويبدو أن رقم 223 مليار ريال، كحصيلة للضرائب على السلع والخدمات للعام 2022، كان رقماً مغرياً يصعب الاستغناء عنه بالنسبة للسلطات، فتناسَت الحكومة وعودها وآثرت الحفاظ على هذه الأرقام.
الفائض المالي في الميزانية والذي قُدّر بـ 103.9 مليار ريال (27.68 مليار دولار) شكّل بارقة أمل لدى المواطنين، الذين استبشروا بالفائض أملًا بأن يتم توظيفه لتحسين واقعهم المعيشي، وتحديداً في ما يتعلّق بصيانة وتحسين وتطوير البنى التحتية، بالإضافة إلى تحسين الرواتب والعمل على تخفيف حدة التضخم الاقتصادي. كل هذه الآمال تبعثرت عند إدراك أن الجزء الأكبر من الفائض سيوظّف في المشاريع التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان، فازدادت خيبة الشعب بالحكومة.
إن أزمة التصخم التي تعاني منها البلاد هي أزمة تتطلّب تدخّلاً حكومياً ورقابةً حقيقية من قِبل أجهزة الدولة، غياب هذه الرقابة جعل الأسعار في حالة ارتفاعٍ وتفلّتٍ جنوني، فالوزارات المسؤولة عن ضبط السوق غائبة تماماً وهذا ما ضاعف المشكلة من جهة، وأظهر حجم الفجوة الموجودة بين المواطنين والمسؤولين من جهة أخرى.
أزمةٌ جديدة تفوق أزمة التصخم خطورة ظهرت تداعياتها مؤخراً، وهي مشكلة انتشار المخدرات في البلاد بشكلٍ هستيري، وعلى الرغم من ضبط أجهزة الدولة لآلاف الأطنان بشكلٍ شبه يومي، لكنّ تورّط عدد من أفراد العائلة الحاكمة وأجهزة الأمن في تسهيل إدخال المخدرات للبلاد جعل المواطنين يشكّون في قدرة السلطات على حماية البلاد من هذه الآفة الخطيرة.
تقع عمليات الهدم التي تعرّضت لها عشرات الأحياء ضمن الخطة المرسومة لتنفيذ مشاريع بن سلمان. عمليات الإخلاء القسري والتشريد شكّلت صدمةً للمواطنين، الذي أصبحوا بلا سقف دون سابق إنذار، وبلا أي تعويض أو بتعويضات لا تساوي حجم الخسارة.
عمليات التهجير هذه استهدفت عشرات الأحياء وآلاف الوحدات السكنية، وقد تبلّغ السكان الخبر عبر كلمة “إخلاء” التي كُتبت على الجدران الخارجية لمنازلهم، وفيما لم تستجب السلطات لأي من شكاوى المواطنين، لم تكن المهلة المعطاة لإخلاء منازلهم كافية، ما عرّض عدداً كبيراً من السكان لخطر التشرّد الفعلي، خصوصاً مع الغلاء الجنوني في الإيجارات وأسعار المنزل والشقق.
هذا وقد تعرّض المواطنون أثناء عمليات الإخلاء لمعاملة لاإنسانية تخلّلها ممارسات عنيفة واعتقالات عشوائية، كما راح ضحية هذه العمليات شابٌ من قبيلة الحويطات، قتلته قوات الأمن برصاصها.
ارتفاع الضرائب، ضعف البنى التحتية، عمليات الهدم والإخلاء القسري، غلاء الأسعار، الاعتقالات العشوائية المستمرة، وغيرها من العوامل، دفعت عشرات المواطنين للمطالبة بالإصلاح وتقديم النقد البنّاء الذي يهدف لتحسين أحوال الشعب، لكنّ السلطات تعاملت مع حق المواطنين بالتعبير عن رأيهم والمطالبة بحقوقهم كجريمة، وقمعت الناشطين والمعارضين بطرقٍ وحشية، أفقدت الشعب أمله بإيصال صوته للمسؤولين، وتأكّدَ لهُ أن أية كلمة يقولها في سبيل الإصلاح ستحوّلها السلطات إلى إدانة له.
تَعامُلُ السلطات مع المعارضين والناشطين بهذا الاستبداد، وتلفيق التهم المفبركة لهم وإصدار البيانات المُضلّلة التي تشوّه صورة المواطن، أكّد للمواطنين أن السلطات لا تأبه لأمرهم، وأنها تضع مصلحتها فوق مصلحة الشعب، وأثبت استعدادها لإطلاق آلاف الأكاذيب في سبيل تزييف الحقائق وتبييض صورتها، ما ساهم بتدمير ثقة المواطنين بها.
إنّ السلطة التي تسجن مواطنين لعقود أو تُقدم على إعدامهم لا لشيءٍ سوى لأنهم نادوا بحقوقهم وحرياتهم، وأرادوا الإصلاح والتغيير اللازمَين للبلاد، فإنها تبني بينها وبين شعبها حالةً من اللاأمان واللاثقة.
الأمر الأكثر خطورة، هو الإعدامات الدموية التي تنفّذها السلطات بحق معتقلي الرأي، فبعد اعتقالهم وتعريضهم للتعذيب الوحشي، يصدر القضاء السعودي أحكام الإعدام بحق العشرات منهم، لتُقدم السلطات على تنفيذ الحكم بوحشية، منتهكةً حقهم في الحياة.
مطالب اللجنة
نطالب السلطات السعودية بوضع مصلحة المواطن في أعلى سلّم أولوياتها، وهذا يتم عبر سلسلة إصلاحات وإجراءات منها:
ـ وضع خطة الهدف منها تخفيض الضرائب بشكل تدريجي
ـ ضبط السوق بهدف تخفيض الأسعار وتخفيف أثر التضخم الاقتصادي
ـ دعم المواد الغذائية والسلع والخدمات الأساسية
ـ العمل على تحسين البنى التحتية المتهالكة بشكلٍ عاجل
ـ محاسبة كل المتورّطين بإدخال المخدرات إلى البلاد
ـ إيقاف عمليات الإخلاء القسري المستمرة وتعويض المتضررين
ـ إعطاء المواطنين حيزًا للتعبير عن آرائهم وتقديم النقد البنّاء
ـ إلغاء كافة الأحكام الصادرة بحق معتقلي الرأي والمعتقلين السياسييين
ارسال التعليق