هل المشكلة في العرب.. أم في جامعتهم
بقلم: شاهر الشاهر...
بات موعد انعقاد القمة العربية موسماً للهجوم على جامعة الدول العربية، كونها لم تعد قادرة على التعبير عن رغبات الشارع العربي وتطلعاته.
هذا الهجوم قد يبدو مبرَّراً من الناحيتين الانفعالية والعاطفية، لكنه، من الناحيتين السياسية والعملية، ليس كذلك بكل تأكيد.
فالجامعة العربية ليست كياناً مستقلاً في حد ذاته، بقدر ما هي تعبير عن مجموعة إرادات الدول العربية مجتمعة. وبالتالي، فإن فعّاليتها ليست سوى انعكاس لفعّالية تلك الدول، والعكس صحيح.
الحديث عن فعالية الجامعة العربية، أو عدمها، يقتضي منا مقارنة دورها وفعاليتها بغيرها من المنظمات الدولية، وخصوصاً منظمة الأمم المتحدة، على سبيل المثال.
لعل الفشل، الذي باتت تعيشه الأمم المتحدة اليوم، أكبر كثيراً من الإخفاق الذي تعانيه الجامعة العربية، وهو ما يجعلنا نتجه إلى الحديث عن "محنة التنظيم الدولي"، بصورة عامة.
اللافت أن تأسيس جامعة الدول العربية كان في العام ذاته الذي تأسست فيه منظمة الأمم المتحدة، بل إن تأسيس الجامعة كان سابقاً لتأسيس المنظمة الدولية. وهو إن دل على شيء فيجب أن يدل على القانون وأهميته واحترامه لدى الدول العربية.
تم توقيع ميثاق جامعة الدول العربية في 22 آذار/مارس 1945، بينما دخل ميثاق الأمم المتحدة حيز التنفيذ في 24 تشرين الأول/أكتوبر من العام ذاته.
ومن المفيد ربما التذكير بأن سوريا كانت حاضرة ومشاركة في تأسيس كلتا المنظمتين، وأن الوفد السوري، برئاسة فارس الخوري، كان له الدور في إدخال المادة الـ78 في ميثاق الأمم المتحدة، وما زالت حتى اليوم تسمى "مادة المندوب السوري".
وهي المادة التي تنص على إنهاء الوصاية الاستعمارية، التي كانت تسمى "الانتداب"، فكانت بمثابة "بداية النهاية لعصر الهيمنة الاستعمارية".
هذا العام أيضاً، شهد نهاية الحرب العالمية الثانية، بإلقاء القنبلة النووية الأميركية على هيروشيما في السادس من آب/أغسطس، واستسلام اليابان.
بعد ذلك، ساد النظام الدولي ثنائي القطبية، وكانت الولايات المتحدة أحد قطبيه، والفاعل الرئيس في تأسيس فكرة التنظيم الدولي.
الهدف من التنظيم الدولي لم يكن المحافظة على حقوق الدول الضعيفة في مواجهة الدول القوية، بقدر ما كان امتيازاً يسمح للقوي باستغلال الضعيف، والتحكم فيه بطريقة "قانونية".
الدليل على ذلك تكريس "النظرية الواقعية" في العلاقات الدولية، وهي النظرية التي تؤمن بـ "لقوة"، القوة وحدها ولا شيء سواها، سبيلاً إلى إدارة العلاقات بين الدول.
لم تكن الدول العربية في أحسن أحوالها، فكانت تئن من وطأة الاستعمار الأوروبي، وما تركه من تبعات على النظام الرسمي العربي، بحيث كان مجموعة من النظم الحاكمة مرتبطة بطريقة أو بأخرى بالدول الاستعمارية، على رغم حصولها على "الاستقلال الظاهري" في كثير من الأحيان.
وبقيت "السياسة"، في المنظور العربي، أقرب إلى العلاقات العامة، تحكمها معايير الحب والكراهية، وتوجهها "عقول ارتجالية"، وأمزجة متقلبة الطباع، يسيطر الجهل والتخلف على كثير منها، الأمر الذي جعل السياسة لديها، في كثير من الأحيان، أقرب إلى التياسة.
لم تكن السياسة علماً قائماً في حد ذاته، له قواعده التي تحكمه، والتي ستنعكس حتماً على سلوكيات صانع القرار، وتجعله يؤمن بمبدأ "المشاركة السياسية"، كونها تسخيراً لعقل الآخر وفكره وخلاصة تجاربه، واستثمارها في الوصول إلى القرار الرشيد.
وعندما أصبحت السياسة علماً كسائر العلوم النظرية، بقي دارسوها مبعدين عن الممارسة السياسية العملية التي ظلت حكراً على أقلية اختارها الشخص الأوحد، لتكون أدواته التنفيذية لا أكثر.
كل ذلك انعكس سلباً على الواقع الداخلي للدول العربية، وطبيعة العلاقات فيما بينها، والتي وصلت في بعض الحالات إلى نوع من القطيعة، استمرت عدةَ عقود بين بعض الدول، نتيجة لكراهية حكامها، بعضهم لبعض.
كانت ديبلوماسية "تبويس اللحى" هي المتحكمة في طريقة إدارة العلاقات الثنائية، ولم تكن هي المتحكمة في العلاقات الرسمية فقط، بل إنها أثّرت، بصورة كبيرة، في العلاقات الشعبية لتلك الدول.
نقل الخلافات العربية من المستوى الرسمي إلى المستوى الشعبي ترك كثيراً من الآثار النفسية السيئة لدى الشعوب العربية، فبتنا نرى مباريات كرة القدم كأنها جزء من الحرب الصامتة بين الدولتين اللتين يمثلهما لاعبو الفريقين.
وفي المحصلة، فإن فهم العرب للسياسة أثر في طريقة ممارستهم لها، فلا "سلوك سياسي" لمن لا "نظرية سياسية" لديه، ولا نظرية سياسية لمن لا يمتلك فكراً سياسياً.
نتج من ذلك كله أن تصدَّرت "المشهدَ السياسي" قلةٌ من الأشخاص غير القادرين على صياغة الرؤى والاستراتيجيات، وبالتالي، عدم القدرة على تجسيد المعنى الحقيقي للسياسة، ألا وهو انتقال المجتمع نحو الأفضل، ضمن ما لدينا من إمكانات.
من الطبيعي أن يعاني ميثاق جامعة الدول العربية اعتلالات قانونية، لكن من غير الطبيعي الاستمرار في العمل وفقاً لهذا الميثاق.
كثيراً ما فشلت الجامعة العربية في اتخاذ مواقف حاسمة تجاه القضايا المصيرية التي مرت فيها الأمة العربية، وخصوصاً القضية الفلسطينية، التي باتت مادة مكررة في جميع مؤتمرات القمة العربية، الطبيعية منها والاستثنائية.
نجاح الجامعة كان كبيراً وسريعاً ومذهلاً، عندما يتعلق الأمر باستهداف دولة عربية، على غرار ما حدث مع مصر في عام 1979، بحيث تم طردها من الجامعة العربية في قمة بغداد التي عقدت في 31 آذار/مارس 1979، بعد خمسة أيام فقط من توقيعها معاهدة السلام مع "إسرائيل".
وفي الخامس عشر من شهر آب/أغسطس 1990، عقدت جامعة الدول العربية اجتماعاً استثنائياً في القاهرة، لمناقشة الغزو العراقي للكويت، تم خلاله الدعوة إلى حشد تحالف دولي ضد العراق، كان نتيجته هزيمة العراق وتدمير جيشه.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2011، قامت الجامعة العربية، بضغط من قطر، بتعليق عضوية سوريا، وفرض عقوبات سياسية واقتصادية عليها، في مخالفة واضحة لميثاق الجامعة، والقواعد القانونية الناظمة له.
كان سبق ذلك تعيين نبيل العربي أميناً عاماً لجامعة الدول العربية في 15 أيار/مايو 2011، بضغط من قطر، التي أدّت دوراً كبيراً في استبعاد المرشح المصري الأول مصطفى الفقي.
وقامت الدوحة بترشيح عبد الرحمن العطية لرئاسة الجامعة، في محاولة منها للضغط على مصر لتغيير مرشحها مصطفى الفقي وإبداله بالمرشح الذي توافق عليه قطر (نبيل العربي).
ويشير الدكتور مصطفى الفقي إلى أن المشير طنطاوي كان أبلغه ضرورة انسحابه، لأن الدوحة قامت بدفع مبلغ 4 مليارات دولار إلى مصر، في مقابل ترشيحها شخصاً آخر هو نبيل العربي.
نبيل العربي، الذي لم يكن "لا نبيلاً ولا عربياً"، أدى دوراً كبيراً في إخراج سوريا من جامعة الدول العربية، وفبركة الأكاذيب ضدها، تنفيذاً لأوامر الدولة التي فرضت ترشيحه، ورسمت له "دوره القذر" المراد له تنفيذه.
تلك الوقائع وغيرها تشير إلى ضرورة التداعي إلى إصلاح جامعة الدول العربية، إذا ما توافرت الرغبة العربية في ذلك. ومن الأشياء التي يجب مناقشتها جنسية الأمين العام التي بقيت حكراً على مصر، باستثناء الأعوام التي نُقل فيها مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس، بحيث كان الأمين العام الشاذلي القليبي.
وكان عبد الرحمن عزام أول أمين عام لجامعة الدول العربية، تم ترشيحه حينها من جانب الملك عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، تقديراً لمصر ودورها ومكانتها.
مع الإشارة إلى ضرورة بقاء مقر الجامعة العربية في القاهرة، بسبب ما لمصر من مكانة ودور رائدين، عربياً وإقليمياً ودولياً.
عُقدت في العاصمة البحرينية "المنامة" القمة العربية، في دورتها الثالثة والثلاثين، فكانت "قمة عادية في ظروف استثنائية".
"الواقعية السياسية" و"دروس الماضي"، تفرضان علينا عدم الوقوع في فخ "رفع سقف التوقعات"، والذي ستكون نتيجته الإحباط، مهما تحقق من نتائج.
وعلينا أيضاً عدم الانجرار إلى "فخ اللامبالاة"، التي باتت تشكل التهديد الأكبر لدورنا وفعاليتنا، في المستوى الدولي.
الحرب في غزة كانت هي الحاضر الأكبر في جدول أعمال القمة، والتي عرّت النظام الدولي وكشفت زيفه وانحيازه السافر إلى الكيان الصهيوني.
لم يعد التهديد لغزة وحدها، بل إن مصر باتت في قلب العاصفة، وهو ما يفسر الهجمة الكبيرة التي تتعرّض لها مصر، والاتهامات التي توجَّه إليها، بأنها هي من يقف وراء تجويع الفلسطينيين في غزة.
دور مصر في رفض مشروع التهجير يجب أن يحظى بدعم، عربياً وإقليمياً ودولياً. والحالة المصرية تشكل شاهداً ودليلاً على أن "إسرائيل" لا تحترم الاتفاقيات ولا تفي بالعهود.
قضية غزة باتت اليوم تناقش في أربعة مستويات: المستوى العربي، والمستوى الإقليمي، والمستوى الإسلامي، والمستوى الدولي.
لا معنى لكل ما يُطرح من مشاريع تنموية في المنطقة في ظل غياب الأمن والاستقرار فيها. لذا فإن إيجاد حل للقضية الفلسطينية له الأولوية على العامل الاقتصادي الذي بات المتحكم في سياسات بعض الدول العربية وتوجهاتها.
ارسال التعليق