هل انهارت التهدئة بين نظام آل سعود وأنصار الله في اليمن؟
التغيير
بدأت التهدئة التي تتم عبر “قناة خلفية” بين نظام آل سعود وجماعة أنصار الله منذ 5 أشهر بالترنح أكثر من أي وقت مضى، مع استئناف أنصار الله الهجمات الصاروخية على مملكة آل سعود وتكثيف التحالف غاراته الجوية على محافظات يمنية مختلفة.
وأعلنت جماعة أنصار الله الجمعة أنها استهدفت منشآت شركة أرامكو في مدينة ينبع، على ساحل البحر الأحمر، باستخدام 12 طائرة مسيرة وثلاثة صواريخ.
وقال يحيى سريع المتحدث العسكري باسم أنصار الله إن الجماعة قصفت مواقع بالعمق السعودي، من بينها منشآت لشركة أرامكو بمدينة ينبع، بصواريخ وطائرات مسيرة.
وأضاف -في بيان نقلته قناة “المسيرة” التابعة للجماعة- أن هذه العملية التي تمت باستخدام 12 طائرة مسيرة وثلاثة صواريخ، تأتي في إطار الرد على ما وصفه بالعدوان والقصف الأخير لمنطقة الجوف في اليمن.
وأشار المتحدث إلى أن الصواريخ “أصابت أهدافها بدقة عالية”. كما توعد الرياض بضربات “موجعة ومؤلمة” إذا استمر قصف وحصار اليمن، على حد تعبيره.
في المقابل أعلن نظام آل سعود أنّ قواته الجوية “اعترضت ودمّرت” صواريخ بالستية أطلقها أنصار الله من صنعاء باتجاه عدد من مدن مملكة آل سعود.
وقد تداول ناشطون على موقع تويتر ما قالوا إنها مشاهد لاعتراض صواريخ كانت تستهدف مدنا في مملكة آل سعود.
ويرى مراقبون أن استباق نظام آل سعود أنصار الله للإعلان عن العملية التي استهدفت عمق مملكة آل سعود دليلا على سعي النظام للظهور بدور الضحية في ظل التعرض لضغط أميركي وأوروبي بشأن الملف اليمني.
وتزامن هذا الإعلان مع زيارة وزير الخارجية الأميركي بومبيو إلى مملكة آل سعود، فيما سعى نظام آل سعود إلى إثبات عدم جدية أنصار الله في الحوار وأنه لا يكمن الوثوق بها كطرف في المفاوضات.
والتصعيد الميداني الأخير بالساحة اليمنية يدل على فشل المفاوضات القائمة بين الرياض وأنصار الله، وأن الطرف الأخير يريد العودة بالأوضاع ميدانيا إلى ما كانت عليه قبل “عاصفة الحزم” وهو غير جاد في الوصول إلى حل سياسي.
ويؤكد المراقبون أن حوار الرياض و أنصار الله في مأزق، وأن الأخير يسعى إلى الانتقال من الحوار من أجل هدنة عسكرية إلى الحوار لقبوله في العملية السياسية واعتراف آل سعود بأنصار الله كجزء “ثقيل” في حكم اليمن، في وقت تسعى مملكة آل سعود إلى الاكتفاء بالتوصل إلى تسوية عسكرية “كاستراحة محارب” حتى تتغير الشروط.
ويعتبرون أن اعتبار نظام آل سعود أنصار الله بأنه “ذراع إيرانية وتنظيم إرهابي” من جهة وتصفه بالمكون الرئيسي للمشهد اليمني، هو تناقض يعكس ارتباك الرياض في تناول الملف، وأن مملكة آل سعود تعتبر منهزمة في هذه الحرب.
ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي يجري نظام آل سعود محادثات غير معلنة مع أنصار الله عبر “قناة خلفية”، وفقاً لوزير خارجية نظام آل سعود فيصل بن فرحان، وبالفعل تراجع مستوى العنف بشكل لافت مع توقف هجمات أنصار الله على مملكة آل سعود، كما قلص التحالف من ضرباته الجوية بشكل شبه كلي.
وطيلة الأشهر الخمسة الماضية لم تعلن مملكة آل سعود عن أي هجمات صاروخية حوثية على أراضيها، لكن عملية أنصار الله الأخيرة، وكذلك الهجوم قبل ذلك على منشآت تابعة لأرامكو في بقيق، تهدد بانهيار المحادثات السرية التي تتم على الأرجح في مسقط برعاية أميركية.
وقبل هجوم أنصار الله على بقيق، كان وزير الخارجية لنظام آل سعود قد تحدث عن أن التصعيد الأخير في نهم والجوف لا يشكل خطراً على محادثاتهم مع أنصار الله، لكن وصول 3 صواريخ و12 طائرة مسيّرة إلى أهداف سعودية حساسة في ينبع اليوم قد يغّير ردة فعل آل سعود تجاه ما يجري.
ولم تكن ضربة أنصار الله التي تمت بصواريخ باليستية بعيدة المدى ومجنحة و12 طائرة “درونز”، فجر اليوم، هي التهديد الأول لشهر العسل السعودي مع أنصار الله، فالسبت الماضي شهد إسقاط أنصار الله لمقاتلة تابعة للتحالف من طراز “توريندو” في محافظة الجوف، ولا يزال مصير طاقمها غامضاً حتى اللحظة، كما كشف أنصار الله عما سموه بـ”جيل جديد” من صواريخ أرض ـ جو، ستمكنهم من استهداف مزيد من مقاتلات آل سعود.
ولم يكتف أنصار الله بالهجوم الأول الذي تعترف به سلطات آل سعود منذ هجمات منشآت بقيق وخريص منتصف سبتمبر الماضي، بل توعدوا النظام السعودي بـ”ضربات موجعة ومؤلمة إذا استمر في عدوانه وحصاره”، وفقاً لتعبير المتحدث العسكري للجماعة يحيى سريع.
وخرج المتحدث الرسمي للحوثيين ورئيس وفدهم التفاوضي، محمد عبد السلام، ليبارك الهجمات الجديدة على مملكة آل سعود، واعتبر أن عملية استهداف عمق ما وصفها بـ”مملكة العدوان”، بقصف شركة أرامكو في ينبع “تأتي في إطار الرد الطبيعي والمشروع على استمرار العدوان والحصار، واستمرار ارتكاب الجرائم وآخرها جريمة المصلوب بمحافظة الجوف”.
وقال القيادي في أنصار الله، في تغريدة على “تويتر” قائلاً: “لن نتخلى عن حق الرد ولن نسمح للعدو أن يستبيح الدم دون تدفيعه الثمن”.
وعلى الطرف الآخر، توعد التحالف بـ”تنفيذ كافة الإجراءات الحازمة والصارمة”، ووصف هجمات أنصار الله الأخيرة على ينبع “بالوحشية”.
وفي إشارة ضمنية إلى الهدنة غير المعلنة، قال المالكي إن “قيادة قوات التحالف مارست أقصى درجات ضبط النفس في التعامل مع أنصار الله، باستخدامها الصواريخ البالستية والطائرات بدون طيار والقوارب المفخخة والمُسيّرة عن بُعد”.
وألمح المالكي إلى ضربات جوية قد تطاول صنعاء كرد على هجمات “ينبع”، وقال إن العاصمة اليمنية “أصبحت مكاناً لتجميع وتركيب وإطلاق الصواريخ البالستية من قبل أنصار الله تجاه مملكة آل سعود”.
وكانت صنعاء أبرز بنود هدنة “القناة الخلفية”، حيث اشترط أنصار الله عدم شن التحالف أي ضربات جوية فيها، في مقابل وقف إطلاق الصواريخ وشن هجمات بطائرات مسيرة عبر على مدن سعودية، وبالفعل لم ينفذ التحالف منذ أكتوبر الماضي سوى ضربة واحدة طاولت جبل عطان، جنوب صنعاء، أما باقي المناطق الحدودية وصعدة والجوف فقد تواصلت غارات آل سعود فيها خلال فترة التهدئة، ولو كانت بشكل متفاوت.
ونفذت مقاتلات سعودية الجمعة سلسلة غارات مكثفة على أهداف تابعة للحوثيين في نهم شرق صنعاء وصرواح بمأرب والجوف، وتحدثت قناة “المسيرة” التابعة لأنصار الله عن نحو 27 غارة جوية.
والجبهات الثلاث هي الأكثر اشتعالاً منذ أواخر يناير الماضي، وتسببت بانفراط عقد الهدنة غير المعلنة، مع عودة الضربات الجوية التي حاولت التصدي لزحف أنصار الله على نهم والجوف ومساندة قوات هادي، وهو ما جعل أنصار الله يستأنفون هجماتهم على أراضي مملكة آل سعود.
وتزامنت هجمات أنصار الله على ينبع مع زيارة لوزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى عاصمة آل سعود، ووفقاً لوسائل إعلام تابعة لآل سعود كان وضع اليمن أحد أبرز محادثات المسؤول الأميركي مع القادة السعوديين.
وانتقل بومبيو إلى مسقط التي تلعب دور الوسيط الأكبر بين أنصار الله وآل سعود برعاية أميركية، ومن المتوقع أن تركز محادثاته على نزع فتيل التصعيد باليمن ووقف هجمات آل سعود، من أجل الدفع بالمشاورات غير المعلنة، إلى مستوى متقدم.
ارسال التعليق