هل بدأت الرياض التخلي عن حفتر؟
لا يزال القتال يتصاعد في العاصمة الليبية طرابلس منذ هجوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر عليها بدعم سعودي إماراتي مصري لانتزاع السيطرة عليها من حكومة الوفاق الوطنية المعترف بها دولياً، التي قررت الدفاع عن شرعيتها رغم ضعف الدعم الدولي. ومع استمرار القتال وفشل قوات حفتر في التقدم رغم الدعم الفرنسي المصري المعلن، والسعودي والإماراتي ، وتأثير أبوظبي والقاهرة على الرئيس الأمريكي ترامب، الذي أيد هجوم حفتر قبل أن يتراجع قليلاً عن ذلك، بدأت المواقف الدولية تتغير ضد الهجوم الذي أخذ يستهدف المدنيين بعد أن عجز عن تحقيق أهدافه العسكرية. وتبدو المواقف الدولية ككرة ثلج تتدحرج باتجاه تخلي العالم عن حفتر، وتكاد تصل إلى أقرب داعميه، حيث بدأت الرياض وأبوظبي تتململان فيما يؤشر على تخليهما ولو جزئياً عن رجلهما في ليبيا كما فعلا مع البشير في السودان. لقد بدأ التخلي عن حفتر دولياً من واشنطن، حيث دفع مشرعون في الكونجرس باتجاه ملاحقته بتهمة ارتكاب جرائم حرب، بناء على مخرجات المعارك التي دارت الأيام الماضية وراح ضحيتها المدنيون الأبرياء. وكشفت صحيفة الجارديان البريطانية، في تقرير نشرته 30 أبريل 2019، أن مصر والإمارات كان لهما دور في التأثير على ترامب، وأرجعت سبب التحول المفاجئ الأمريكي إلى اللقاء الذي جمع ترامب بالرئيس المصري السيسي في واشنطن يوم 9 أبريل الماضي، وإثر مكالمة هاتفية له مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
وأثار موقف الرئيس ترامب وتخليه عن موقف بلاده الرسمي الداعم لعملية السلام الأممية، وحكومة «الوفاق» المعترف بها دولياً، موجة غضب في دوائر صنع القرار الأمريكي. واتهم عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، جون ويلسون، الإمارات ومصر والسعودية بـ»الانحياز لحفتر في حربه على طرابلس رغم المساعي التي تدعو إليها الأمم المتحدة بغية التئام كل الأطراف للتفاوض على حل سياسي». من جهته قال عضو اللجنة، نوم مالينوسكي: «سنطلب من وزير العدل التحقيق في جرائم قد تكون قوات حفتر ارتكبتها». واعتبرت اللجنة أن هجوم حفتر «قوّض مساعي الوصول إلى السلام الذي ترعاه الأمم المتحدة». ورغم المكالمة الهاتفية بين ترامب وحفتر، التي اعتبرت انقلاباً في الموقف الأمريكي الداعم لحكومة الوفاق، فإن بيان الكونجرس عاد ليوازن الأمر، خاصة في ظل اقتناع عدة عواصم دولية بعدم قدرة حفتر على السيطرة على طرابلس قريباً. وفي ذات السياق خرج الاتحاد الأوروبي دعا الاتحاد، يوم 13 مايو 2019، إلى وقف إطلاق النار محذراً من أن الهجوم «يهدد الأمن الدولي».
وجاء ذلك عقب اجتماع لوزراء خارجية الدول الأعضاء، حضره رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فائز السراج. وأكدت دول الاتحاد أن «الهجمات العشوائية على المناطق السكنية المكتظة بالسكان قد تصل إلى حد جرائم الحرب، ويجب محاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم».
وجاءت الدعوة الأمريكية والأوروبية بملاحقة جرائم الحرب في ليبيا بعد مطالبة منظمة العفو الدولية بضرورة «فتح تحقيق دولي حول هجمات قوات حفتر، التي قد ترقى لجرائم حرب بحق المدنيين». وقالت المنظمة، في بيان: «توجد أدلة على هجمات عشوائية على المناطق السكنية، من بينها إفادات لشهود؛ وتحليل صور الأقمار الصناعية، التي أكدت تعرض المناطق السكنية المكتظة بالسكان في منطقة أبو سليم في طرابلس للهجوم العشوائي بالصواريخ خلال موجة من القتال العنيف بين 15 - 17 أبريل».
وقال خالد السعيد، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة طرابلس إن «الموقف الدولي بدا مغايراً بعد أن اتضح أن معركة طرابلس قد تستغرق سنين، وأما موقف ترامب فقد كشف تخبطاً بالبيت الأبيض وتبعية سياسية دفعت الرئيس للجري وراء مصالح دول خارجية على حساب بلاده«.
ولفت المحلل السياسي الليبي أحمد سلام الراجحي إلى وجود مؤشرات على تراجع السعودية عن دعم حفتر، بعد تغير الموقف الأمريكي حيث قال : إن «أهم مؤشر على تراجع الدعم السعودي هو العمرة التي أداها حفتر، فإن الرياض لم تعلن عن استقبال أي مسؤول للواء المتقاعد، وفي الوقت الذي يستقبل حفتر في باريس وإيطاليا استقبال الرؤساء، أحيطت زيارته بالتكتم، وأظهرت وكأنها زيارة دينية بمناسبة رمضان، وفي المقابل وجهت المملكة دعوة رسمية لرئيس حكومة الوفاق فايز السراج للمشاركة بأعمال مؤتمر القمة الإسلامي في مكة المكرمة، وحسب مصادر سياسية مقربة من السراج فإن السعوديين سيستغلون وجود السراج للتشاور معه بالأزمة الليبية، ويبقى الموقف السعودي تابعاً للموقف الأمريكي، فالرياض لا تستبق واشنطن بخطوة، ونفس الأمر يقال للدبلوماسية الإماراتية».
وكانت أبوظبي أعلنت تخليها عن حفتر، بتصريحات لوزير الشؤون الخارجية، أنور قرقاش، قال فيها: إن حفتر «لم يتشاور مع الإمارات قبل تحركه نحو طرابلس». وكانت الإمارات أقرت بدعمها لهجمات ميليشيا حفتر، واصفةً حكومة «الوفاق» بـ»الإرهابية». ويذكر أن إخفاق قوات حفتر بتحقيق نصر سريع، والخسائر البشرية بصفوف المدنيين، ونزوح أكثر من 75 ألفاً من المدنيين، واتهام منظمات حقوقية غير حكومية، على غرار «العفو الدولية»، لقواته بشن هجمات غير قانونية «يمكن أن ترقى لجرائم حرب»، يرى مراقبون أنها من الأسباب الرئيسية لتراجع داعمي الهجوم على طرابلس.
ارسال التعليق