هيومن رايتس واتش: نظام العدالة في المملكة منهار و يفتقد لأي مصداقية
التغيير
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية إن نظام العدالة الجنائية في المملكة منهار بشكل كبير و يفتقد لأي مصداقية ويجب إجراء تغييرات جذرية عليه، وإجراء محاكمات عادلة للجميع المعتقلين بما فيهم معتقلين الرأي في المملكة.
وأبرزت المنظمة في تقرير لها، استمرار نظام العدالة الجنائية في المملكة في إدانة أطفال قاصرين ومعاقبتهم بالإعدام في انتهاك قانوني جسيم.
وذكرت أن شاب محكوما بالإعدام ينتظر تنفيذ الحكم بحقه رغم أنه كان في الـ 14 من عمره وقت ارتكاب الجريمة المزعومة، وجاءت إدانته بعد محاكمة جائرة جدا.
وأشار المنظمة إلى أن قضية عبد الله الحويطي ستحال إلى “المحكمة العليا” في الرياض لإصدار حكم نهائي.
عام 2018، أعلنت السلطات في المملكة عن إنهاء عقوبة الإعدام بحق الأطفال في جرائم معينة، وفي 2020 طبقت الإنهاء بأثر رجعي على قضايا سابقة.
ومع ذلك، يبقى الإعدام عقوبة محتملة لنوع الجريمة المتهم بارتكابها عبد الله الحويطي.
قال مايكل بيج، نائب مدير الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “إجراءات محاكمة الحويطي انتهكت تقريبا كل ضمانات المحاكمة العادلة المعترف بها دوليا، ومع ذلك حكمت عليه محكمة بالإعدام لجريمة مزعومة وقعت عندما كان عمره 14”.
وأضاف “بحكمها على طفل بالموت وتجاهلها مزاعم تعذيبه، فإن المحكمة تهزأ بـ(الإصلاحات̀ المزعومة في المملكة)” بشأن نظام العدالة الجنائية.
في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حكمت المحكمة الجزائية في منطقة تبوك الشمالية على الحويطي، الذي كان عمره حينها 17 عاما، بتهمتَي القتل والسطو المسلح إلى جانب خمسة متهمين آخرين.
أحد المتهمين الآخرين كان أيضا طفلا وقت القبض عليه في مايو/أيار 2017.
كما حكمت المحكمة على الحويطي بدفع تعويض قيمته أكثر من مليون و315 ألف ريال (نحو 350 ألف دولار) للضحايا.
حكم على المتهمين الآخرين بالسجن 15 عاما وألف جلدة لكل منهم بزعم المساعدة والتحريض على الجريمة.
دافع الستة جميعهم عن براءتهم، وقالوا للمحكمة أثناء المحاكمة إن المحققين انتزعوا اعترافاتهم من خلال التعذيب أو التهديد باستخدامه.
تجاهلت المحكمة أدلة السلطات نفسها التي تشير أن الحويطي كان لديه عذر غياب، مستندة في حكمها بالكامل تقريبا إلى اعترافاته واعترافات المتهمين الآخرين.
راجعت هيومن رايتس ووتش وثائق المحكمة في محاكمة الرجال الستة، وإخطارَ استئناف مفصلا قدمه محامي الحويطي إلى محكمة الاستئناف في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ومقاطع من لقطات كاميرات المراقبة في مسرح الجريمة، ورسالة مكتوبة بخط يد الحويطي يصف فيها تعرضه للتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاستجواب.
في 5 مايو/أيار 2017، بحسب وثائق المحكمة، دخل رجل يرتدي عباءة نسائية سوداء، ونقابا، وقفازات إلى محل مجوهرات في مدينة ضُباء في تبوك، مسلحا بمسدس وبندقية آلية.
سرق المتجر تحت تهديد السلاح، وأطلق النار فأصاب اثنين من موظفي المتجر، ثم قتل شرطيا لدى وصوله إلى مكان الحادث في سيارة دورية.
ثم أخرج الرجلُ الشرطيَ القتيل من سيارة الدورية واستقلها وابتعد بها. تدعم لقطات كاميرات المراقبة المنشورة علنا رواية الأحداث هذه.
في 8 مايو/أيار، بحسب رواية الحويطي للأحداث في رسالة بتاريخ 22 يناير/كانون الثاني 2019، نشرتها والدته على “تويتر”، داهم رجال أمن مقنعون منزل عائلته في مدينة ضُباء واعتقلوه مع شقيقه وأخذوهما إلى مركز شرطة قريب، حيث اتهموا الحويطي بسرقة محل المجوهرات وقتل الشرطي.
جاء في رسالة الحويطي ومذكرة دفاعه أن قوات الأمن احتجزته أربعة أشهر في “إدارة التحريات والبحث الجنائي” بتبوك مع معتقلين بالغين.
ليس واضحا سبب عدم احتجاز الحويطي في “دار الملاحظة الاجتماعية” التي تديرها وزارة الشؤون الاجتماعية.
إذ يحتجز الفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عاما أثناء التحقيق أو المحاكمة، أو المحتجزين لأسباب أخرى بأمر قضائي.
ورد في مذكرة استئناف المحامي أن قوات الأمن استجوبت الحويطي دون حضور ولي أمره، أو محاميه، أو حتى أخصائي اجتماعي.
قال الحويطي في الرسالة وللمحكمة إن المحققين عذبوه وأساؤوا معاملته لإجباره على الاعتراف.
أضاف أنهم أجبروه على الوقوف لساعات كل مرة، وضربوه وصفعوه على وجهه، وجلدوه بكابل كهربائي على باطن قدميه وأجزاء مختلفة من جسده حتى فقد وعيه، وأجبروه على إمساك قدمَي أخيه بينما كانوا يضربونه، وكذبوا عليهما بالقول إن والدته وشقيقاته محتجزات أيضا ولن يُفرج عنهن إلا بعد اعترافه.
وقّع الحويطي في النهاية على الاعتراف الذي أُعِّد له، وبعد ذلك نقلته السلطات إلى دار الملاحظة الاجتماعية في تبوك.
قال لمحقق آخر هناك إن اعترافه انتُزع بالقوة، مضيفا أنه نُقل بعد ذلك إلى زنزانة سجن، حيث وصل محققو التحقيقات الجنائية من تبوك بعد منتصف الليل، وعصبوا عينيه، وأعادوه إلى إدارة التحريات.
هناك، كما قال الحويطي، هدده محقق بنزع أظافره، وتعليقه من إحدى يديه، وتعذيبه بطرق “لن يستطيع تخيلها”، دافعا الحويطي إلى وعده بأنه لن يخبر أي شخص آخر بتعرضه لسوء المعاملة.
كما قال متهم ثانٍ، سليمان العطوي، الذي كان عمره 16 عاما وقت القبض عليه، للمحكمة أثناء المحاكمة إن اعترافه انتُزع منه بالإكراه.
قالت وثائق المحكمة: “عذبوني وضربوني وأرسلوني إلى المستشفى”.
كما قال المتهمون الأربعة الآخرون للمحكمة إن اعترافاتهم الموقعة كانت غير صحيحة وأُخِذت بالإكراه.
قال أحدهم: “اعترفت لأنني تعرضت للتعذيب، كانوا يضربونني ويحرمونني من النوم ويضعونني في زنزانة انفرادية. لدي علامات تعذيب على قدمَيْ”.
ذكر اثنان إنهما لا يعرفان الآخرين أو ليس لديهما أي صلة بهم.
قال كل من الحويطي والعطوي إنهما أثناء التحقيق، عندما طلب المحققون من كل منهما التعرف على أحد المتهمين الآخرين في القضية من بين مجموعة من عدة رجال، أطلعوهما على صورة للرجل الذي يريدونهما التعرف عليه وأمروهما بذلك.
أثناء المحاكمة، قدمت الشرطة أدلة على أن عينات الحمض النووي من الحويطي تطابقت مع تلك التي وجدت في سيارة الدورية، لكن هذا كان الدليل المادي الوحيد ضده وتناقضَ مع أدلة أخرى، كما تظهر وثائق المحكمة.
العميد وليد الحربي، محقق الشرطة الذي كان مسؤولا في البداية عن التحقيق والذي أُبعِد عن القضية لأسباب غير معلنة بعد أيام قليلة، قال للمحكمة بعد إعادة النظر في القضية بعد شهرين: “وبدراستي للقضية لم أجد أي دليل مادي سوى الحمض النووي المطابق لعبدالله سيد الحويطي، كما ظهر لي عدة أدلة تخالف ما أقر به المتهمين في اقراراتهم المصدقة شرعاً”.
أوضح العميد الحربي أن تحليل هاتف الحويطي خلص إلى أن الأخير كان على كورنيش ضُباء خلال الجريمة.
قال أيضا إن مراجعة كاميرات المراقبة في ضُباء في ذلك اليوم أظهرت الحويطي وشقيقه على الكورنيش، وليس بالقرب من مسرح الجريمة وقت ارتكابها.
لا يوجد ما يشير في وثائق المحكمة إلى أن المحكمة أخذت بعين الاعتبار أو حققت في أي من هذه المزاعم، وبدلا من ذلك استندت في حكمها بالكامل تقريبا إلى الاعترافات القسرية.
في 2018، بعد أربعة أشهر من بدء محاكمة الحويطي أمام محكمة الجنايات في تبوك، أدخلت المملكة “نظام الأحداث”، الذي ينص على عقوبة قصوى بالسجن عشر سنوات لكل من ارتكب جريمة قبل بلوغه سن 18 عاما وأدين بموجب مبدأ التعزير في الشريعة الإسلامية، والذي يمنح القضاة سلطة تقديرية واسعة لتحديد العقوبات في القضايا الفردية.
في أبريل/نيسان 2020، أصدرت المملكة مرسوما ملكيا يسمح بتطبيق أحكام القانون بأثر رجعي.
في 8 فبراير/شباط 2021، أعلنت “هيئة حقوق الإنسان” أن السلطات خفضت أحكام الإعدام بحق ثلاثة رجال اعتُقلوا عندما كانوا أطفالا بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بالاحتجاج إلى السجن عشر سنوات.
كما لم يعد المدّعون يطالبون بعقوبة الإعدام لمجموعة أخرى من الرجال الذين اعتُقلوا حين كانوا أطفالا، ويواجهون المحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بالاحتجاج.
رغم التصريحات الصادرة عن هيئة حقوق الإنسان في المملكة التي تدّعي أنه لن يُعدم أي شخص في المملكة بسبب جريمة مرتكبة عندما كان طفلا، لا ينطبق الحكم على القصاص، أو الجرائم الجزائية – عادة للقتل – أو الحدود، وهي جرائم جسيمة بحسب تفسير نظام آل سعود للشريعة الإسلامية وتنطوي على عقوبات محددة، وتشمل الفئة التي حكم على الحويطي بموجبها بالإعدام.
في أبريل/نيسان 2020 أيضا، أدخلت المملكة تغييرات في العدالة الجنائية تنهي الجلد كعقوبة للمدانين بموجب أحكام التعزير، وهي الطريقة التي حكمت بها المحكمة على المتهمين الخمسة الآخرين بالسجن والجلد.
لم تعلم هيومن رايتس ووتش ما إذا كانت السلطات نفذت عمليات الجلد.
في بيان رحب بتخفيف أحكام الإعدام بحق الرجال الثلاثة في فبراير/شباط، أعرب خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة عن “قلقهم العميق بشأن مصير كل من ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيهم، بمن فيهم السيد عبد الله الحويطي، الذي حُكم عليه هو الآخر بالإعدام لجريمة يُزعم أنه ارتكبها عندما كان قاصرا ويواجه الآن الإعدام بعد محاكمة شابتها مزاعم التعذيب”.
قالت “المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان”، التي نشرت تقريرا عن قضية الحويطي عام 2019، إن القضية ستُنظر في المحكمة العليا في الرياض بعد ذلك.
وطالبت هيومن رايتس ووتش السلطات في المملكة بمراجعة القضية والتحقيق في مزاعم التعذيب.
قال بَيج: “لن يكتسب نظام العدالة الجنائية في المملكة أي مصداقية حتى يُجري تغييرات جذرية. بالحد الأدنى، على المملكة الانضمام إلى الغالبية العظمى من الدول من خلال حظر عقوبة الإعدام للأطفال في جميع الحالات دون استثناء”.
ارسال التعليق