واشنطن تدفع بآل سعود نحو الهاوية في سوريا
بسم الله الرحمن الرحیم
عبد العزيز المكي
منذ إعلان النظام السعودي قبل أيام، استعداده للتدخل العسكري البري في سوريا لمحاربة داعش، إذا ما قررت قوى التحالف بقيادة أمريكا،التدخل ومحاربة داعش في الرقة... منذ هذا الإعلان، وموضوع التدخل مازال يتفاعل، ويثير الضجيج الإعلامي والسياسي، إقليميا ودولياً، وعلى أكثر من صعيد، وذلك بالتزامن مع تحركات أمريكية وغربية وإقليمية لبحث ودراسة هذا التدخل، وآخر هذه التحركات وليس أخيرها،ما كشفه وزير الخارجية التركي مولود چاویش اوغلو يوم 61/2/2016، عن ((أن السعودية أرسلت فرقاً استكشافية إلى قاعدة انجرليك الجوية جنوب البلاد للقيام باستكشاف المكان وذلك تمهيداً لإرسال مقاتلاتها التي ستشارك في الحرب على تنظيم داعش في سوريا" واضاف الوزير التركي،وفقاً لما نشرته صحيفة ديلي صباح التركية قائلاً إن "هناك ضرورة للقيام بعملية برية في سوريا وان بامكان السعودية إرسال قوات برية إذا لزم الامر)).
وفی ذات السیاق «نقلت صحیفتا ((ینی شفق)) و((خبر ترك)) عن جاویش اوغلو قوله بعد مشاركته في مؤتمر ميونخ ((إذا كانت هناك استراتيجية ضد تنظيم داعش فسيكون من الممكن حينها ان تطلق السعودية وتركيا عملية برية)). واضاف اوغلو مؤكداً ((أن السعودية وتركيا كانتا تدعمان فكرة التدخل العسكري في سوريا منذ أول يوم لظهور داعش)).
يشار إلى أن وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر رحب بالفكرة السعودية بعد إعلان أحمد العسيري مستشار وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان، والمتحدث الرسمي باسم العدوان السعودي على اليمن،عن استعداد السعودية للمشاركة بقوات برية لمكافحة تنظیم داعش، وطالب آشتون الحلفاء الغربيين، والمشاركين في التحالف الأميركي ضد داعش بالمساهمة أكثر في التحرك ضد داعش ولردع التدخل الروسي بحسب لفظه وزعمه، وأيضا لإيجاد توازن عسكري في الساحة السورية بعد الانتصارات الكبيرة للجيش السوري وحلفائه في أرياف اللاذقية وحلب ونجاحهم في سد منافذ دعم الإرهابيين من جهة تركیا.. وعلى خلفية التفاعل مع فكرة التدخل السعودية جاء اجتماع بروكسل الأخير لوزراء دفاع حلف الأطلسي وأمريكا بالإضافة إلى محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي لتدارس الفكرة السعودية ، وبعد ذلك جاء اجتماع ميونخ لوزراء خارجية الاطلسي بحضور وزيري الخارجية الامريكي كيري والروسي لافروف بالاضافة الى وزير خارجية السعودية الجبير ما يعني كل ذلك التبني الأمريكي للفكرة السعودية، لا بل أكثر من ذلك من ذلك أن الولايات المتحدة هي صاحبة الفكرة،فقد كان لواشنطن دور في حث الرياض على الإعلان على التدخل البري، ولاحقاً طالبت بالمزيد، وظهر ذلك في تصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ايرنست بأن الإعلان السعودي جاء استجابة لطلب وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر للشركاء في التحالف لزيادة مساهمتهم في قتال داعش، كما يقول موقع دي ديفانس الفرنسي في 3/2/2016، والذي أضاف، انه في الوقت نفسه قال وزير الدفاع الأمريكي انه على علم بالتقارير التي تحدثت عن أن الحكومة السعودية عرضت إرسال قوات برية لسوريا، وانه يتطلع لمناقشة هذا العرض مع المسؤولين السعوديين في بروكسل الأسبوع المقبل.
حماس النظامين السعودي والتركي لفكرة التدخل :
تفاعل النظامان السعودي والتركي مع فكرة التدخل العسكري البري في سوريا بشكل لافت، إذ وجدا في الرغبة الأميركية لهذا الأمر فرصة ذهبية لتحقيق طموحات كل منها،فالنظام السعودي يعتقد بانه بعد كل هذا الجهد التسليحي وصرف الأموال على الإرهابيين وعلى مدى خمس سنوات سينتهي بانتصار الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه،سيكون كارثة بالنسبة له، لأنه يعني فشلاً ذريعاً للنظام السعودي وهزيمة ساحقة له في المنطقة أمام محور المقاومة، وبالتالي تلاشي طموحاته في تبوء دور قيادي في المنطقة "يحجم المحور الاخر ولذلك أعلن الجبير في تصريحاته الأخيرة أن أولوية هذا التدخل العسكري البري هي لإسقاط الرئيس السوري وليس لداعش، لان القضاء على الأخير بحسب زعمه تستدعي ما يسميه إزاحة الأسد عن السلطة حتى ولو بقى نظامه..
أما تركيا..فهي أكثر الأطراف المشاركة في المؤامرة على سوريا ,خسارة واحباطاً واخفاقاً، فهي تشعر أنها خسرت كل شيء مقابل لا شيء، حيث كانت تتوقع انهيار الحكومة السورية خلال مدة قصيرة ونزلت بكل ثقلها السياسي والعسكري في دعم وتدريب واحتضان وتسليح الإرهابيين من أجل تحقيق هذا الغرض، لكن الرئيس السوري للسنة الخامسة ظل صامداً، بل واحدث خلال الشهرين الماضيين تحولاً استراتيجيا في المعركة بعد الهزائم الكبيرة التي الحقها بالارهابيين،مما قضى على آخر آمال الأتراك بأن يكون لهم دور حتى ولو كان متواضعاً في القضية السورية اعتماداً على تواجد هؤلاء الإرهابيين، ولذلك لجأ اردوغان وقبل إعلان السعودية الاستعداد للتدخل البري إلى الضغط على حلفائة في الأطلسي، بإرسال عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين لهم لإقناعهم بالمشاركة في التدخل العسكري، لإقامة منطقة عازلة على الحدود داخل سوريا تكون قاعدة ومنطلقا للزحف نحو حلب ومحافظات أخرى وصولاً إلى دمشق وإسقاط النظام السوري، لكن الأطلسيين لم يتفاعلوا معه عسكرياً، وإنما أمدوه بثلاثة مليارات يورو فحسب، واستوعبوا اللاجئين السوريين الذين طردهم اردوغان من تركيا بشكل وبآخر،ولذلك وجد أردوغان وطاقمه في التبني الأمريكي فرصة لإحياء طموحاته بإقامة هذه المنطقة وصولاً إلى منع الأكراد السوريين من تأكيد حضورهم عسكرياً وسياسياً في الميدان السوري، ومحاولة فرض شروط تصب في المصلحة التركية على الحكومة السورية أن تعذر إسقاطها..
أمريكا وضغوطها على حلفائها وعملائها
دخول روسيا الحرب إلى جانب الحكومة السورية ضد المسلحين، عقد المشهد بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة مثل السعودية وتركيا، وهذا ما يعترف به دائماً وبشكل ضمني الرئيس الأمريكي باراك اوباما أو وزير خارجيتة جون كيري، فبالإضافة إلى تقييده، أي التدخل الروسي،حركة اردوغان ومنعه من الذهاب بعيداً في إقامة المنطقة العازلة التي ظل يحلم بها حتى اليوم، فإنه وضع أمريكا أمام خيارات صعبة، فهي إما أن تصعد عسكرياً في سوريا وهذا يقودها إلى الاصطدام العسكري بالروس، وهي لا تريد التصعيد مع روسيا، لأنها لا تريد التورط في حرب جديدة بعد حربي العراق وأفغانستان اللتين استنزفتا أميركا عسكرياً واقتصادياً، حيث أرهقتا اقتصادها، فضلاً عن الخسائر وهي بالآلاف في صفوف القوات الأمريكية، قتلى وجرحى ومعوقين.. الابتعاد الأمريكي عن الاصطدام العسكري مع الروس، أكده أكثر من مسؤول أمريكي خلال الفترة الأخيرة وآخرهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري، عندما دار بينه وبين أحد المعارضين السوريين على هامش مؤتمر المانحين في لندن يوم الخميس4/2/2016، تعليقاً على فشل مؤتمر جنيف، حيث رد كيري على المعارض، متسائلاً، "هل تريدني أن اذهب للحرب ضد روسيا من أجلك؟ ".
ومعناه، أن أميركا لا تذهب لمحاربة روسيا من أجل المعارضة أو من أجل خصومة السعودية مع سوريا أو حتى من أجل طموحات اردوغان العثمانية، ولهذا السبب كانت رفضت الموافقة على إقامة منطقة آمنة، أو منطقة حظر جوي في سوريا،خوفاً من جرها إلى الحرب مع سوريا وحلفائها.
على أن عدم تدخل أمريكا العسكري في سوريا، وهنا المقصود التدخل البري،سوف يؤدي إلى خسارة مشروعها في المنطقة، وصعود سوريا ومحورها وتآكل أدواتها وعملائها الذين ترى انهم سوف يصبحون في دائرة الخطر، لذلك فهي الآن تضغط باتجاه إقناع الغربيين بالتدخل العسكري في الحرب السورية،لان الأمريكان يعتقدون أن روسيا لا يمكنها محاربة أمريكا وكل الدول الأوربية فضلاً عن تركيا والسعودية، وفي الحقيقة أن هذا الضغط كان يمارس على الأوربيين حتى قبل دخول الروس الحرب في سوريا، واعتقد أن تفجيرات باريس الدموية، ومن ثم موجات اللاجئين السوريين إلى أوربا كانت من هذه الضغوط لإقناع الأوربيين ودفعهم للمشاركة في الحرب، فتفجيرات باريس كانت من تخطيط وإشراف للسي آي اي والموساد الإسرائيلي، أما لماذا اختيرت باريس، فلوجود حاضنة للإرهابيين هناك في أحد إحياء باريس، ولان السلطات الفرنسية كانت أكثر الأطراف الأوربية تحمساَ لإسقاط الحكومة السورية..
غير أن الدول الأوربية، مثلما رفضت مواجهة روسيا في أوكرانيا، لدرجة ان بعضها عارض حتى العقوبات الاقتصادية على روسيا، رفضت أيضا الدخول في مواجهة عسكرية مع روسيا في سوريا، لأنها أساساً لا تريد الدخول في حرب، نظراً لأوضاعها الاقتصادية المتردية ولان شعوبها لا توافق على المشاركة في حروب من أجل الكيان الصهيوني والمصالح الأمريكية، في مناطق بعيدة عنها. وهذا ما يفسر ردة فعل وزير الخارجية الفرنسي السابق فابيوس، الذي اتهم أمريكا بعدم الجدية في محاربة الإرهاب في سوريا والعراق، وبالذات تنظيم داعش، ووصف الموقف الأمريكي بالغامض، وكأنه يريد القول، كيف تطلبون منا محاربة داعش، وانتم غير جادين في محاربتها؟وعلى خلفية هذا الموقف لم يتمخض اجتماع وزراء دفاع الأطلسي والولايات المتحدة بالإضافة إلى محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي عما تريده أمريكا من مشاركة أوربية في عملية برية تسيطر فيها على الرقة ومن بعد ذلك الموصل، لتكون هذه المنطقة فيما بعد محطة أمريكية إسرائيلية لتقسيم المنطقة ولابتزاز الأنظمة في العراق وفي سوريا وحتى لابتزاز الأنظمة العميلة لأميركا مثل السعودية والأردن والكويت وما إليها. فالدول الأوربية رفضت المشاركة بقوات عسكرية أساسية للقيام بعمل عسكري بري في سوريا واكتفت بإرسال طائرات اواكس لمساعدة الإرهابيين ومشغليهم الأتراك والسعوديين والقطريين. وعلى اثر هذا الموقف هدد اردوغان بفتح صنابير أمواج اللاجئين السوريين مجدداً وإغراق الدول الغربية بطوفان اللاجئين كما فعل قبل أشهر..حيث قال وهو في حالة غضب من الموقف الأوروبي،في تصريحاته يوم 2016/2/12.." أن الطائرات والحافلات جاهزة، وسنقوم بما يلزم "إذا لم يتجاوبوا مع مطالبه السياسية والمالية والعسكرية أيضا.. حينها رد أحد المحللين الأوربيين ساخراً، لماذا ترسلهم إلينا، أرسلهم إلى حلفائك في السعودية والخليج فهم أولى بهم.
مناورات "رعد الشمال"
بعد إخفاق الضغوط الأمريكية والتركية والسعودية على الدول الأوربية في حملها على التدخل العسكري، لم يبق أمام أمريكا غير خيار توريط تركيا والنظام السعودي المتورط في اليمن .. لكن رئيس السي آي أي الأمريكي جيمس كلايبر قال صراحة أنه ليس بمقدور السعودية أو حتى إذا انضمت إليها دول الخليج الأخرى مثل الإمارات وقطر، فهذه الدول غير قادرة على خوض حرب في سوريا لضعف جيوشها ولتورطها أيضا في العدوان على اليمن أما الأتراك فهم لا يريدون التورط لوحدهم في مواجهة روسيا التي أعلن وزير دفاعها، أن طائراتنا المتطورة سوف تستقبل القوات السعودية والتركية إذا دخلت الأراضي السورية..وفي آخر موقف للأتراك أعلنوا بعد مناقشات مع الجانب الأمريكي أنهم على استعداد للتدخل البري، لكن في إطار تدخل أمريكي غربي ويرفضون التدخل الأحادي الجانب، وما فاقم المأزق الأمریكی ومآزق حلفاء وعملاء أمريكا في المنطقة هو إخفاق الإرهابيين والمسلحين في إيقاف تداعیات الانهیار النفسي والعسكري بعد هزائمهم الأخيرة في جبهات القتال مع الجيش السوري، رغم تزويدهم بصواريخ أرض_ارض، وبمضادات الدبابات والمدرعات المتطورة..
وفي ظل هذا المأزق، جاء الإعلان عن مناورات رعد الشمال، التي ضخمتها السعودية إعلاميا وزعمت أن قوات من 20دولة عربية وإسلامية تشارك فيها في مدينة الملك خالد العسكرية في منطقة حفر الباطن شمال السعودية، قرب الحدود مع العراق، وزعم الإعلام السعودي بأنها اكبر مناورات تشهدها المنطقة من ناحية العديد والعدة المشاركة فيها، واقترن ذلك بتصريحات نارية لعادل الجبير بالتدخل في سوريا، وبأن الأسد لابد أن يرحل بحسب زعمه. ويجمع المراقبون تقريباً على أن هذه المناورات والجيوش المشاركة فيها أراد منها النظام السعودی توجیه رسالة بأنه قادر على حشد الجيوش ضد سوریا متى ما أرادت الولايات المتحدة، ويرون أن هذه الرسالة مضللة، لأنه أي النظام السعودي لو كان قادراً على ذلك لنجح في تحشيد هذه الجيوش لمساعدته في عدوانه على اليمن، حيث خذلته دول هذه الجيوش ورفضت المشاركة، سوى الدول الهامشية التي هي في حاجة ماسة للاموال مثل السودان، وجیبوتی وغیرهما.. فمصر أعلنت رسمیا عدم المشاركة في الحرب ضد سوريا ويستبعد المراقبون مشاركة باكستان لظروفها الاستثنائية، لذلك فهذه المناورات إنما هي للضغط على الروس،ولرفع معنويات الإرهابيين والمقاتلين في سوريا وحتى في العراق. على ان السيناريو المرجح عند بعض المحللين هو ان هذه المناورات تدخل في اطار الاستعداد لغزو المناطق الغربية في العراق
والتمركز فيها، سيما وان القوات التركية الآن موجودة في بعشيقة قرب الموصل،وبالتالي اتخاذها قاعدة انطلاق للزحف نحو الرقة وإقامة كيان ((سني)) يؤسس لتقسيم العراق وسوريا وتقسيم المنطقة برمتها، ويكون خنجراً في جسم المحور الاخر الذي يحقق انتصارات في أغلب سوح المواجهة مع أدوات وعملاء أمريكا،لكن حتى هذا السيناريو تقف أمامه، أن صح، عقبات كثيرة، إذ أعلن الحشد الشعبي العراقي الذي اثبت انه قوة كبيرة وضاربة، سيتصدى لاى تدخل أجنبي في العراق وبالتالي فإن أمريكا إذا أقدمت على توريط السعودية وتركيا في أي من سيناريوهات التدخل،فأنها تورطهما في محرقة حقيقية سوف تعيدهما مئة سنة إلى الوراء ولن يخرجا منها إلا بعد التدمير الشامل وسقوط أنظمتها..
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق