وسط تناقض قطري وتعنت سعودي.. واشنطن ساحة تحكيم في الأزمة الخليجية
على الرغم من جهود الوساطة والمطالبات بإعادة اللحمة بين الدول الخليجية، لا تزال الأزمة قائمة، حيث عجزت الوساطة الكويتية عن حلحلة الأزمة أو حتى وضع الدول المتنازعة على طاولة المفاوضات، الأمر الذي دفع المتنازعين إلى تدويل الأزمة واللجوء إلى التحكيم الأمريكي، على الرغم من أن هذا الخلاف لم يشتعل إلا بضوء أخضر من الرئيس “دونالد ترامب”.
أمريكا.. الخصم والحكم
أصبحت أمريكا، التي تصور نفسها الآن على أنها معنية بحل الأزمات العربية وخاصة الخليجية، وهي في الأصل مَن أشعلت فتيل هذا النزاع الخليجي، محجة للخليجيين، حيث توافد كل من وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن، ونظيره السعودي، عادل الجبير، أمس الثلاثاء إلى واشنطن؛ لإجراء مباحثات حول الأزمة الخليجية، ومحاولة إعداد قائمة مطالب بديلة أقل تشددًا، قد تكون مقدمة لعقد قمة في واشنطن، يشارك فيها قادة من دول المنطقة العربية، بما فيها دول الخليج؛ للبحث عن تسوية للأزمة القائمة مع قطر.
في الوقت نفسه حاول وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، إظهار نفسه على أنه الشخص الحيادي الحكيم، حيث حض “تيلرسون” الطرفين على الجلوس معًا للتفاوض والتوحد خلف هدف واحد هو وقف الإرهاب والتصدي للتطرف، وقال: يينما ستكون بعض العناصر صعبة جدًّا بالنسبة إلى قطر لكي تنفذها، فإن هناك مجالات مهمة توفر أساسًا لحوار مستمر يؤدي إلى حل، معربًا عن اعتقاده بأن “حلفاءنا وشركاءنا أقوى عندما يعملون معًا نحو هدف واحد نتفق عليه جميعًا”.
من جانبها أشادت وزارة الخارجية الأمريكية بوساطة الكويت في الأزمة الخليجية، وأعلنت عن استعداد واشنطن للمساعدة على تسهيل خطواتها، وقالت المتحدثة باسم الوزارة، هيثر نويرت، على هامش لقاء “تيلرسون” مع نظيره القطري “آل ثاني” في واشنطن: إننا سعداء وراضون؛ لأن الكويت تبذل جهود الوساطة في الأزمة الخليجية الراهن. ولفتت المتحدثة إلى أن الكويت قامت بعمل كبير من حيث جمع الدول على التوافق، ونحن نقف إلى جانبها للمساعدة على تسهيل بعض المحادثات.
السعودية تغلق الباب
وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، استبق محاولات الوساطة الأمريكية أمس الثلاثاء بقطع الطريق على أي إمكانية للتفاوض بشأن بنود لائحة المطالب، وهو ما يتوقع أن يسهم في تعقيد الأزمة الخليجية أكثر وإطالة أمدها، حيث قال الجبير في مقر السفارة السعودية بواشنطن إنه “لا تفاوض مع قطر في قائمة المطالب”، وأضاف “بيد السلطات في الدوحة قرار التوقف عن دعم الإرهاب”، وزعم أن “الإجراءات التي تمّ اتخاذها تجاه قطر تؤلمنا؛ لكونه بلدًا شقيقًا ومجاورًا، ولكن عدم التزام قطر باتفاق الرياض ودعمها للجماعات المتطرفة والإرهاب والتحريض والتدخل في الشؤون الداخلية لعدد من الدول أمر غير مقبول، ليس فقط من الدول المقاطعة، بل كافة دول العالم”. وأمل الجبير أن تسود الحكمة لدى المسؤولين في قطر “ليتوقفوا عن مثل هذا الدعم والتدخل”.
تناقض قطري.. بين التعنت والتنازل
في الوقت الذي أغلقت فيه المملكة السعودية الباب أمام كافة المفاوضات مع قطر، أبقت الأخيرة الباب مواربًا لاحتمال التنازل أمام التعنت السعودي المدعوم ضمنيًّا من أمريكا، حيث قال وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أمس الثلاثاء، بعد لقائه مع نظيره الأمريكي، ريكس تيلرسون، في واشنطن: هناك ادعاءات من هذه الدول التي يجب أن تقدم مسندة بأدلة، مشيرًا إلى أن المطالب تأتي بعد الادعاءات وإثباتها؛ لمعالجة ما إذا كانت هناك أخطاء، ولفت الوزير القطري إلى أن الدوحة ستنخرط في حوار بناء إذا أرادت الأطراف الأخرى تجاوز هذه الأزمة، وأنها “مستعدة للحوار إذا كانت هناك ادعاءات”.
هذه التصريحات القطرية التي أعطت مؤشرات بإمكانية التنازل أو التفاوض على الأقل لتحقيق الحد الأدنى من الشروط الخليجية، قابلتها في الوقت نفسه بعض الخطوات والإجراءات التي أظهرت رفض قطري ضمني للاستجابة لأي من المطالب الخليجية، فعلى الرغم من مرور أكثر من نصف المدة التي حددتها الدول المقاطعة للدوحة بعشرة أيام لتنفيذ الشروط من أجل رفع الإجراءات التي اتخذتها بحقها، فإن السلطات القطرية اتخذت المزيد من الخطوات الاستفزازية التي أعطت مؤشرات بوجود تحدٍّ كبير من قبل قطر للشروط الخليجية.
فعقب تسلم قطر لائحة المطالب المكونة من 13 نقطة، أبرزها إغلاق قناة الجزيرة وخفض مستوى تمثيل الدوحة الدبلوماسي لدى إيران، وإغلاق قاعدة عسكرية تركية على الأراضي القطرية، بادرت الأخيرة بإجراء اتصال هاتفي مع الرئيس الإيراني “حسن روحاني”؛ للتأكيد على تعزيز العلاقات الإيرانية القطرية والإشادة بدعم إيران لحكومة وشعب الدوحة، وفي الوقت نفسه نشر رئيس تحرير صحيفة “العرب” القطرية، عبد الله بن حمد العذبة، شريطًا مصورًا يجمع أمير قطر “تميم بن حمد” والداعية “يوسف القرضاوي” الذي أدرجته كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر على “قائمة الإرهاب” التي تضمنت 59 شخصًا و12 كيانًا مرتبطين بعلاقات خاصة بقطر، وجرى اللقاء داخل قصر الوجبة في الدوحة بمناسبة عيد الفطر، وتبادل الرجلان حديثًا وديًّا وهما يتصافحان بحرارة، بعد أن قبّل الأمير عمامة القرضاوي.
هل ترفع السعودية سقف المطالب؟
يبدو أن إطالة أمد النزاع الخليجي لن تكون في مصلحة قطر، التي تماطل في الموافقة على الشروط الخليجية، وتحاول أن تجد مخرجًا من أزمتها، حيث قال سفير الإمارات في روسيا، عمر غباش، إن دولًا خليجية تدرس فرض عقوبات اقتصادية جديدة على قطر، وقد تطلب من شركائها التجاريين الاختيار بين العمل معها أو مع الدوحة، وأضاف “غباش” في مقابلة مع صحيفة “الجارديان” في لندن: هناك بعض العقوبات الاقتصادية، التي يمكننا فرضها، تجري دراستها في الوقت الحالي، وأضاف: يتمثل أحد الاحتمالات في فرض شروط على شركائنا التجاريين وإبلاغهم بأنهم إذا أرادوا العمل معنا، فعليهم أن يحددوا خيارًا تجاريًّا، منوهًا بأن خروج قطر من مجلس التعاون الخليجي ليس العقوبة الوحيدة المتاحة.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق